نعني بالقيثار الآلة التي تسمى بالانكليزية harp، وتكون أوتارها مشدودة بصورة عمودية وأحياناً أفقية مفتوحة من الجهتين. أما القيثارة فنرمز بها الى الآلة الأصغر، المشابهة لها، التي يطلق عليها باليونانية "لير" lyre ومن هذه الكلمة الأخيرة جاءت تسمية الشعر الغنائي، وبالانكليزية lyrical، أي الذي يُنشد بمصاحبة العزف على هذه الآلة. عُثر على أقدم صورة لآلة القيثار على رقم طيني يرجع تأريخه الى أواخر الألف الرابع ق.م. وكان عدد أوتارها ثلاثة، ثم ازداد عدد الأوتار على مر الأيام. وكانت هذه الآلة التي عثر عليها في سومر تشبه القوس قوس الرمي، ولعلها والحالة هذه متطورة عن السلاح المذكور. وكان اسمها في الألف الثالث ق.م. يلفظ بالسومرية BALAG أو BALANG، وهي تسمية صوتية على ما يبدو. ينظر بهذا د. فوزي رشيد: مجلة آفاق عربية، العدد 2، 1978. لكن كلمة BALAG السومرية، وعلى غرارها الأكدية المستعارة منها balagu انقرضت، واستعملت بدلها kinnarum وبالعربية كنارة، منذ عصر حمورابي 1728 - 1686 ق.م.، كما جاء في كتاب الدكتور صبحي أنور رشيد "الموسيقى في العراق القديم". وذكر الدكتور صبحي أنور رشيد، عن صواب، ان الدكتور محمود أحمد الحفني أخطأ عندما قال في كتابه "علم الآلات الموسيقية" القاهرة 1971، ان التسمية العربية كنارة مشتقة من التسمية المصرية القديمة كِنَّر، مؤكداً - أي الدكتور صبحي - على أن الكلمة الأكدية هي التي انتقلت الى المصرية القديمة، والعربية، والعبرية، والآرامية. لكنني قرأت في كتاب جيمس هوخ James E. Hoch، المؤلف باللغة الانكليزية، وعنوانه "مفردات سامية في نصوص مصرية ترقى الى المملكة الحديثة والمرحلة الوسطى الثالثة" ما مفاده ان كلمة كنورو المصرية الفرعونية التي تطلق على القيثارة مستعارة من اللغات السامية. ففي العبرية كنور، وفي الفينيقية ك ن ر، والاوغاريتية ك ن ر، والآرامية القديمة ك ن ر، والسريانية كِنّارة، والعربية كِنار، وكلها تعني قيثارة. اما في الاكدية فإن كلمة كنارو تُقرن بكلمة gish الدالة على الخشب، ولا بد ان المقصود بها آلة القيثارة نفسها كنور، لكنها تظهر ككلمة مستعارة في هذه اللغة، اي الاكدية، اذا تذكرنا ان اسمها الأقدم هو balagu. ويفهم من هذا ان أصل كلمة الكنارة يعود الى جذور سامية غربية، أي كنعانية اوغاريتية، فينيقية، الخ. والكلمة في نصوص مدينة ماري على الفرات، المعاصرة لحمورابي، تلفظ كِنّورا، وبالهلينية اليونانية kinora. وجاء في كتاب جون الليغرو "القطر المقدس والصليب" ان الجذر kinura قيثارة، ومرادفاته، يظهر في الميثولوجيا الاغريقية، في اسم ملك قبرص Cinyras يلفظ كنيراس. وقيل ان هذا الملك أشاع عبادة افروديت في تلك الجزيرة، كما قيل انه ادخل البغاء المقدس الى قبرص، وانه أي الملك كنيراس كان موسيقياً. والمصادر التي تحت متناول أيدينا لا تسعفنا كثيراً في أصل أو جذر مادة ك ن ر السامية. في معجم غزينيوس لجذور مفردات التوراة وهو قديم، صدر في أواسط القرن الماضي، ان كنر من الألفاظ الصوتية القديمة، وهو غير مستعمل في العبرية كفعل أو جذر، ويعني: يصدر صوتاً مرتعشاً أو مصرصراً، كصوت الوتر حين يُضرب أو يُعزف عليه. ويذهب جون الليغرو - كعهده - الى تفسير الكلمة جنسياً، فيربط كلمة قيناه العبرية، ومثلها القينة العربية، وهي المغنية، بكلمة GI-NA السومرية بمعنى "منتصب"، وهذه تقلصت الى GIN بالمعنى نفسه. وباضافة URA اليها، فانها ستعني "عضو منتصب". ويبرر الليغرو هذا التفسير انطلاقاً من أن الموسيقى تثير - احياناً - الغرائز، وان الكنور العبرية كانت آلة البغايا، استناداً الى أشعياء في التوراة: "خذي الكنّارة وطوفي في المدينة أيتها الزانية المنسية". لكن هذه الاستعارة من السومرية لا تبدو مقنعة، لأن اسم الآلة لم يكن كذلك، أي كنور بالسومرية، بل balag، كما مر بنا. أما الكلمة اليونانية الكلاسيكية kithara فهي على نحو أكيد تقريباً مستعارة من السامية، اي من كنارة. وإذا كان الأمر كذلك، فإن الكلمة اللاتينية cithara تلفظ كيثاره والكلمتين الانكليزيتين guitar وzither، وربما حتى sitar السيتار، لها صلة أكيدة تقريباً بالكنارة. هذا ما يقوله جيمس هوخ في كتابه عن المفردات المصرية القديمة المستعارة من اللغات السامية. وفي هامش يقول: على أن هذا الاشتقاق رفضه معظم الباحثين، من بينهم H.Frisk، الذي يعتبر، على أية حال، الكلمة اليونانية kithara، مستعارة، لكن من مصدر مجهول. ويقول شانترين في معجمه عن اشتقاق المفردات اليونانية: "لعل أصلها - أي الكلمة - شرقي". ويقول هوخ ان الاعتراض الأساسي على اشتقاقها من السامية يدور حول حرف "الثاء" الاغريقي مقابل "النون" السامي. وفي الأحوال كافة ان نطق الكلمة ليس اغريقياً. لكن من المفارقة ان الكلمة اليونانية - أي kithara - عادت فاستعيرت من جديد؟ الى السامية، كما جاء في النص الآرامي للكتاب المقدس تحت اسم "قيثارم". من جهة أخرى يشير هنري جورج فارمر الى ان كلمة kithara قد لا تكون اغريقية الأصل. ففي القديم كان الطرواديون وهم يونانيو آسيا الصغرى يستعملونها، اما اغريق اليونان فكانوا يستعملون مقابلها phorminx فورمنكس. وفي بعض الأحيان كانوا يطلقون عليها اسم asias kithara القيثارة الآسيوية، ويختصرونها الى asias الآسيوية. ثم ان العزف على الكيثارا كان يُعبّر عنه بكلمة kre'ko، وهذه تذكرنا، كما يقول فارمر، بكلمة حركة العربية والاكدية. حتى إذا انتقلنا الى الغيتار guitar وجدنا ان صلتها بكلمة kithara تبقى غامضة على رغم الشبه الكبير في اللفظ، كما يفيد معجم Grove الموسيقي الموسوعي. ومع ذلك فإن ارنست كلاين يرجع في قاموسه عن أصل المفردات الانكليزية الى الاسبانية guitarra، وهذه كما يقول، من العربية قيثارة، والعربية من اليونانية kithara، وهذه من الفارسية sihtar سيتار. والذي دعا معجم Grove الى التردد في قبول العلاقة بين كلمة guitar وكلمة kithara اليونانية، ان الغيتار، كما ثبت أخيراً، منحدر عن العود، وباءت بالفشل جميع المحاولات في ارجاعه الى اللير lyre اليونانية. وان الآلات التي سميت باسم الغيتار guitar ذكرت في النصوص الادبية الأوروبية منذ القرن الثالث عشر، وليس قبل هذا التأريخ. وكانت أعواد القرون الوسطى وأوصافها وصورها تعكس ان الجسم والرقبة كانا يُنحتان من قطعة خشب واحدة، ثم تلصق لوحة البطن على الصندوق المرنان. ويستثنى من ذلك "العود" المنحدر عن العرب، الذي كان يصنع من شرائح خشبية تلصق مع بعضها البعض على شكل نصف كرة. وأخذت أوروبا هذه الصناعة عن العرب. ومن بين نقاط الاشتراك بين العود والغيتار، وجود الزهرة المثقبة في وسط كل من العود والغيتار، والجسم - في الغيتار - الذي هو على غرار جسر العود، والعتب، أي الخطوط الأفقية المتوازية على رقبة كل من العود والغيتار لتحديد مواضع اصابع اليد اليسرى عند العزف على الأوتار. لكن الفرق بين العود والغيتار هو ان هذا الأخير يعزف عليه بالاصابع وليس بالريشة أو المضراب، لأجل الحصول على أصوات هارمونية أي أكثر من صوت في آن واحد، عند استعمال الاصابع. وهذا يتعذر تحقيقه بالريشة. أما السيتار، فهي آلة من صنف الأعواد ذوات الرقبة الطويلة والصندوق الصوتي الصغير مقارنة بصندوق العود القصير الرقبة، وعليها عتب ايضاً. وهي الآلة المفضلة في الهند الآن. اسمها sitar ويعود الى اللغة الاوردية Urdu، وهذه استعيرت عن الفارسية sihtar، وتعني ثلاثة أوتار، وكذلك setar بالمعنى نفسه. وكانت تستعمل في ايران كعود من عائلة الطنبور، بجسم صغير، ورقبة طويلة، وأوتار أربعة معدنية كانت ثلاثة حتى منتصف القرن التاسع عشر. لكن السيتار، بمعناها ثلاثة أوتار، ذكّرتني بكلمة وتر العربية، اذا جزّأنا الكلمة الى سي - تار. فهل جاءت كلمة الوتر العربية من تار الفارسية، ام بالعكس، ام انهما كلمتان مستقلتان؟ لكنني لاحظت ان كلمة يتر أو يترو باللغة العبرية، تعني وتر. فهل اللفظة سامية قديمة؟ وبسبب من ضيق وقتي لم أبحث عن جذر هذه الكلمة في المعاجم السامية الأخرى، لا سيما الاكدية، هذا مع العلم ان الكلمة التي تقال للوتر بالاكدية هي pitnu، وبالسومرية وهي غير سامية sa. * باحث عراقي.