اختلف الدارسون في تناول اسئلة الفن والجمال العربي - الاسلامي، وتعددت منطلقاتهم ومناهجهم، منهم من يرى ان الفن الاسلامي لايستمد فنيته من كونه فناً قائماً بذاته بمقدار ما هو "فن اسلامي"، اي فن ديني في خدمة رسالة دينية يتأطر ضمن قواعدها ويكتسب شرعية جماليته من رموزها وآياتها، ومنهم من يعتبر بان ما ينعت ب"الفن الاسلامي" لايعدو ان يكون اعمالاً تزينية تؤثت بعض فضاءات المسلمين وتضفي عليها بهاء جاذباً يستحضر من خلاله علامات المتخيل العربي - الاسلامي" ونعثر على صنف اخر من الباحثين ينطلق، في تناوله لهذا المجال، من ضرورة التمييز بين مستويين للنظر، الاول، هو اعتبار الفن الاسلامي بوصفه ابداعاً انسانياً لاشياء جميلة، والثاني، يتمثل في معالجته من زاوية فلسفة الجمال اي باعتباره شكلاً من اشكال ادراك الانسان العربي المسلم للعالم. اما المستوى الاول فلا احد يجادل من الفنية الراقية والرفيعة للابداع العربي الاسلامي، في حين ان مبحث الجمال - كحقل للنظر والتأمل - فان التراث الكلامي، الفلسفي والصوفي الاسلامي لم يستقطب اهتمامه بالشكل الذي يوفر له شروط انتاج نظرية جمالية منسجمة. قد نجد اراء في الجمال او كتابات عن بعض الصناعات والمهارات الفنية كالشعر والموسيقى، ولكن ان نعثر على نظرية في الجمال ، فذلك ما يصعب الدفاع عنه. لتجليات الوجود، من طبيعة وانسان، في الفن الاسلامي، وجود اعتباري. وهذه خاصية في غاية الاهمية، لذلك فان تجنب المحاكاة او تغييب الموضوع او انعدام التجسيم او غياب التمثيل، يرجع الى القاعدة القائلة بعرضية الظاهر وبوهميته وبالتالي بزواله، في الفن الاسلامي لا نعثر على مظاهر الصراع بين الانسان والعالم، او بين الانسان والانسان، بل هناك تماثلاً وتوحداً لان الامر لا يتعلق بفن يروي وانما بفن يشهد. نحن اذن امام اطروحتين اثنتين: واحدة تنفي امكانية العثور على نظر جمالي وصياغة فكرية للذوق والحساسية الفنية التي انتجتها المخيلة العربية الاسلامية في اكثر لحظات الحضارة الاسلامية اشراقاً، وذلك بسبب "انكماش مبحت الجمال" و"ضمور اهتمام الفلاسفة العرب بنظرية الجمال"، او بسبب استحالة التفكير في الجمال دون تكسير دائرة الميتافيزيقا وخلخلة البنية اللاهوتية التي يتكئ عليها التراث العربي الاسلامي، والاطروحة الثانية تسلم بغنى التراكم الفني الاسلامي وتؤكد على تنوع مصادره، ولانه كذلك فانه لاشك، يوفر اكثر ما يلزم من العناصر لتشكيل رؤية جمالية ذات عمق فلسفي اصيل. وسواء قلنا بانكماش مبحت الجمال في التراث الفلسفي العربي الاسلامي، او بوجود رؤيا فلسفية اكيدة للجمال العربي، فان ذلك لا يعفي المرء من استحضار نصوص من انشغل باسئلة الجمال في هذا الفكر، سواء عند المتكلمة والفلاسفة والمتصوفة، او في التراث البياني والبلاغي والشعري والنثري او عند النقاد ومتذوقي الابداع العربي. ولذلك فانه لا حديث عن جماليات عربية، حسب مايبدو لنا، كيفما كانت ادعاءات هذا الحديث ومنطلقاته، دون استعادة مازخر به تاريخ الفكر الفلسفي العربي الاسلامي من اهتمام بالجمال.