في اتصالها الهاتفي بمقدمة البرنامج الاذاعي روت سيدة كويتية قصة عائلتها بحرقة: "ادخرنا 24 ألف دينار على مدى سنوات طويلة وكانت فرحتنا لا توصف عندما علمنا أن ثمن قسيمة الأرض المفروزة لنا والتي طال انتظارنا لها يبلغ عشرة آلاف دينار. فرحتنا انقلبت الى حزن عندما أبلغنا ان ثمنها في الواقع 20 ألفاً... لماذا المضاربة العقارية؟ الأربعة آلاف المتبقية لن تكفي لبناء سقف يؤوي أطفالي. صدمتنا كبيرة ولا حدود لها". في حديثه اول من أمس في جلسة مجلس الأمة التي خصص معظمها للحديث عن هذه المشكلة قال النائب طلال السعيد: "هناك 55 ألف طلب اسكان لم تلق استجابة حتى الآن. أصبح الحلم الأول للمواطن الكويتي ان يكون له مسكن لأن كل المشاريع الاسكانية التي تطرح مشاريع خيالية لن تتحقق". وتثير قضية الاسكان في الكويت الدهشة نظراً الى صغر عدد المعنيين بها وهم 700 ألف من السكان في دولة الكويت وكثرة الجهود الحكومية التي بذلت من دون جدوى منذ عام 1952. وحظيت هذه المسألة منذ نهاية الأربعينات باهتمام رسمي وشكلت هيئات متتالية كانت آخرها عام 1995 "المؤسسة العامة للرعاية السكنية" الخاضعة لاشراف الوزير المختص لشؤون الاسكان والتي اعفيت من الرقابة المسبقة لديوان المحاسبة ولجنة المناقصة لتجنب الروتين الحومي وتسريع قراراتها. وتشير دراسة داخلية أعدها مجلس الأمة قبل شهرين الى انه من اجمالي الموازنات المخصصة للرعاية السكنية منذ عام 1993 والبالغ 517.7 مليون دينار يقتصر حجم المبالغ المصروفة على المشاريع المنفذة على 312.4 مليون دولار أو 60 في المئة من اجمالي الموازنة المخصصة. وتصل قيمة المبالغ المتبقية الى 205.6 مليون دينار نحو 700 مليون دولار وهو ما يضاعف حجم الاحراج الذي تشعر به السلطات. ودار جدال ساخن في مجلس الأمة أمس حول القضية الاسكانية التي شكلت الموضوع الرئيسي المدرج في جدول الأعمال. واستغل وزير الدولة لشؤون الاسكان جاسم العون المناسبة ليعلن صدور قرار وزاري وضع موضع التنفيذ ويقضي بتوزيع 11.5 ألف وحدة سكنية جديدة. وقال: "آخر وحدة سكنية تسلم في 2001، لكنني لن انتظر هذا التاريخ أو المقاولين بل بمجرد أن ينتهي المقاول من استعداده للعمل فيها سنبدأ بتسليمها للمواطن". غير أن هذا الاعلان لقي تعقيباً فاتراً من النائب السعيد الذي اعتبر ان توزيع 11.5 ألف قسيمة لن يحل المشكلة بل يمثل حلاً "بنادولياً" نسبة الى اقراص البنادول المهدئة "يسكن الوجع ولا يشفي العَوَر المرض". وزاد قائلا: "المشكلة الحقيقية تتمثل في تراكم الطلبات" واحتمال ارتفاعها بمقدار 30 ألفاً اضافية في السنتين المقبلتين. وقال ان "العائق أصبح داخل مجلس الوزراء لأن ليست هناك نية جادة لحل هذه المسألة". وأضاف: "الشعب يريد ان يسكن في منازل خاصة ولكنه يمنع من ذلك. عاصمتنا هي الوحيدة في العالم التي يقطنها أقل من واحد في المئة من السكان الكويتيين، والمساحة المستعملة من اراضي الكويت 4.7 في المئة فما الذي يمنع من التخطيط والتوسع في منح قسائم ووحدات سكنية؟". وتبلغ مساحة الكويت 17.8 ألف كلم مربع تقتصر مساحة العمران المنطقة الحضرية منها على 836 كلم مربعاً. ويصل عدد الشقق الفارغة الى 72 ألف شقة تقريباً. إلا أن السكان يعزفون عنها ويفضلون بناء منازل فردية تتلاءم مع طبيعتهم المحافظة وتتماشى مع النمط الاستهلاكي "فوق الوسط" الذي يتحكم بعاداتهم الانفاقية. وعرضت السلطات البلدية، التي وجهت انتقادات عدة اليها داخل مجلس الأمة، فرز نحو 81 ألف وحدة سكانية فوق مساحة 100.15 كلم2. الا انه جرى رفض وتأجيل فرز 56.1 ألف وحدة منها تمتد فوق مساحة 72.11 كلم2 لبعدها عن المناطق الحضرية وصعوبة البناء فيها. وتركزت الانتقادات النيابية والتبريرات من قبل وزارة الاسكان على وجود أخطاء من قبل البلدية في تقدير المساحات المفروزة ومعوقات ظاهرة مثل أبراج الكهرباء وخطوط انابيب النفط وعوائق خفية مثل خطوط وتمديدات الخدمات الخاصة بالجهات الحكومية من كهرباء وصرف صحي وهاتف وخطوط غاز بالاضافة الى الغياب التام للخدمات الرئيسية عن بعض المواقع المفروزة، والبعد عن المناطق الحضرية مما يستلزم "موازنات كبيرة" لتأهيل مرافق الخدمات التي قد تقام فيها. وتقدم الى الذين يستوفون الشروط اللازمة لتقديم طلبات رعاية اسكانية قروض شراء أو بناء جرى رفعها من 54 ألفاً الى 70 ألف دينار. إلا أن غلاء العقارات وأكلاف البناء يحمل أرباب الأسر على الاقتراض من مصادر مصرفية خاصة وسدادها على مدى 20 سنة. ويقدم "بنك التسليف والادخار" الحكومي القروض والمنح لأصحاب الطلبات المسجلة لدى "المؤسسة العامة للرعاية السكنية". إلا أن المصرف الذي يعاني من عجز يبلغ 320 مليون دينار نحو بليون دولار بات غير قادر على تلبية جميع الطلبات المقدمة. ويتوقع القائمون عليه ان يقتصر حجم قروضه المقدمة ابتداء من السنة 2002 وصاعداً بحجم ايراداته التي ستتراجع. وتعتبر مشاركة القطاع الخاص حلاً محتملاً قد يسهم في تخفيف العبء عن الدولة الا ان "فقدان الثقة" بالقطاع الحكومي يحول دون تطوير هذه الفكرة. وكانت شركات محلية سعت الى التعاون مع "بيت التمويل" الكويتي لتمويل مشاريع سكانية خاصة، كما تقدمت شركات بناء عالمية الى مناقصات اسكانية في الكويت الا ان هذه الجهود منيت بالفشل "وتم تمييع القضية من دون تبني أي حلول حقيقية" على حد قول النائب السعيد. وأتى قرار وزارة المال أخيراً وقف المشاريع السكانية بسبب عجز الموازنة ليفاقم من حدة المشكلة وسيطرة الشعور بالاحباط على أصحاب الطلبات، ممن يضطر بعضهم الى الانتظار 15 سنة قبل الحصول على مسكن. وليست المشكلة الاسكانية جديدة على الكويت، إلا أن التأخر في تطبيق بعض القوانين ضاعف من حدتها. ولا ينتظر أن يتم العثور على حلول عاجلة في المدى القريب الا اذا أعيدت الثقة الى القطاع الخاص وزادت الجهات الرسمية حجم الأراضي الصالحة المخصصة للرعاية السكنية.