واضح اذاً ان دور الدولة في الاقتصاد يبدو مختلفا في نهاية القرن العشرين عما كان سائدا في كثير من الدول معظم سنوات هذا القرن، بمعنى ان دور الدولة قد انحسر بالنسبة لما كان سائدا طوال تلك السنوات. ويظهر ذلك بصورة خاصة في دول الكتلة السوفياتية السابقة وفي كثير من الدول النامية. لكن دور الدولة في جميع الحالات، وخاصة في الدول المتقدمة، تحده الآن قيود من نوع جديد بدأت تقوى في العشرين سنة الماضية. ولا شك ان ضغوط الجمعيات الأهلية او المنظمات غير الحكومية NGOs، وجماعات الضغط المنظمة، لها دور كبير الآن في التأثير على قرارات الحكومات، ان لم يكن في صنع هذه القرارات ولا سيما في الدول المتقدمة. ويبدو هذا الاتجاه واضحاً في مجالين بالذات هما البيئة وحقوق الانسان. وقد ساعد في نموه التطور الهائل في تدفق المعلومات وزيادة الوعي من جانب المواطنين بالمسائل العامة، وعدم رضاهم بالوسائل التي تتبعها الحكومات لحل هذه المسائل، ويبدو ان هذا الاتجاه المتنامي في طريق صاعد يعم الدول الاخرى، كما ان له الآن تأثيراً واضحاً في المنظمات الدولية. لكن هذه الجمعيات والجماعات الخاصة ليست المصدر الوحيد للقيود على الدولة. فمع التوسع في الحركة التخصيصية يزيد نفوذ رجال الأعمال في التأثير في سياسات الحكومة وقراراتها، كما ان الشركات ذات النشاط الدولي التي تسمى احياناً الشركات متعددة الجنسية كان لها دائماً دور في الدول التي لها فيها نشاط كبير، وسوف يزداد هذا الدور بلا شك مع التوسع في ظاهرة العولمة، حتى لتبدو بعض هذه الشركات الآن وكأنها منظمات دولية، تكاد لا تخضع كل منها في مجموعها لاشراف دولة معينة، وتتمتع بعدد من الامتيازات والاعفاءات، سواء بالتعاقد مع الحكومة او بنص القانون، وتستخدم عاملين ومديرين من دول متعددة، كما تعتمد في انتاجها على عناصر تصنع في دول مختلفة مع اعتمادها بصورة متزايدة على عنصر المعلومات. وحدا هذا ببعض الشبان من المتخصصين في القانون الدولي في الولاياتالمتحدة المطالبة الآن باضفاء نوع من الشخصية الدولية على هذه الشركات! في الوقت نفسه فان الدول، خاصة الصغيرة والفقيرة منها، تجد سيادتها تتآكل حول مسائل كانت تقليدياً من الاختصاص المطلق للدولة باعتبارها من الشؤون الداخلية. والحقيقة ان فكرة السيادة لم تكن ابدا فكرة مطلقة، فعندما ظهرت في المسالك الأوروبية في القرن السادس عشر كان الفقهاء ورجال الكنيسة يقولون ان السيادة تمارس في اطار القانون الطبيعي. وقبل ذلك اعتبرت السيادة او "الحاكمية"، في مفهوم الشريعة الاسلامية، لله وحده، والسلطة يمارسها الحاكم كمستخلف في الأرض لا يحكم بغير ما أنزل الله. وفي العصر الحديث اعتبرت السيادة اختصاصاً تمارسه الدولة وفقاً لأحكام القانون الدولي. وأدى التوسع في مضمون القانون الدولي، بما في ذلك آلاف من المعاهدات الثنائية والجماعية، التوسع في انشاء المنظمات الدولية والاتحادات بين الدول وأهمها الاتحاد الأوروبي، ادى ذلك الى تحديد الاختصاص المطلق للدولة بدرجة متزايدة، خاصة في مسائل البيئة وحقوق الانسان ومعاملة الاستثمارات. كما ادى الاتجاه نفسه الى اعطاء منظمات دولية معينة بعض منظمات الأممالمتحدة بصورة خاصة الحق في التدخل في شؤون كانت تعتبرها الدولة من شؤونها الداخلية، بل وتولت بعض الدول القوية مهمة التنفيذ نيابة عن الأممالمتحدة في احوال معينة. وقد رأينا بعد انتهاء الحرب الباردة ما أدت اليه السياسة العدوانية لبعض الحكومات من خلق مناخ جعل المجتمع الدولي يؤيد هذا التدخل حتى بالعمل العسكري، ليس فقط في مواجهة العدوان من دولة على اخرى وانما ايضاً لأغراض انسانية، بل ان مجلس الأمن قد اتجه في السنوات الاخيرة الى اعتبار مسائل كانت بلا شك ضمن الاختصاص الداخلي الذي يمتنع تدخل الأممالمتحدة فيه طبقاً لميثاقها، الى "مسائل تهدد السلم والأمن الدولي" وتدخل - على ذلك في اختصاص المجلس وإجراءاته الملزمة. وأدى هذا الى اجازة استخدام القوة في نزاعات داخلية معينة الصومال ورواندا والبوسنة وكوسوفو والى انشاء محاكم جنائية دولية خاصة البوسنة ورواندا. وتختلف الآراء حول ما اذا كان هذا مثالاً على ان القضايا او الاحوال السيئة تخلق قانوناً سيئاً كما يقولون بالانكليزية، ام انه تطور يستحق الترحيب في النظام العالمي الجديد. لكن المؤكد ان مسائل كانت تعتبر داخلية لم تعد تعتبر كذلك، وان ما تقوم به الدولة في هذه المسائل لم يعد بالحرية نفسها التي كانت لها في السابق. كذلك فان الحاجة الاقتصادية وتراكم الديون على كثير من الدول النامية، وفي دول المعسكر الشرقي السابق ايضاً، أدت بهذه الدول الى استحداث اصلاحات عديدة كانت في اغلب الاحوال قد اوصت بها وقامت بتمويلها المؤسسات المالية الدولية. وهكذا اصبحت هذه المؤسسات بالتدريج ضالعة ليس فقط في السياسات الماكرو اقتصادية لهذه الدول، بل كذلك في مسائل تتعلق بشؤون الحكم فيها، لما لها من آثار اقتصادية مباشرة مثل الاصلاح القانوني والقضائي والاداري، واصلاح او بيع او تصفية شركات القطاع العام، بل ومحاربة الفساد، ومستوى الانفاق العسكري. والنتيجة، ضلوع في مسائل كانت تعتبر اختصاصاً داخلياً مطلقاً لكل دولة، يحدث هذه المرة بناء على طلب الدول وبرضاها المكتوب في اتفاقيات القروض. كذلك تتنامى من ناحية اخرى الارتبطات بين مؤسسات في دول مختلفة - التي تأخذ شكل شبكات للتعاون والتنسيق، ويترتب عليها اتفاقات غير رسمية او توصيات او قرارات غير ملزمة يشار اليها جميعاً بتعبير "القانون الناعم" Soft Law ولكنها - مثل توصيات المنظمات الدولية - كثيراً ما تجد طريقها الى القانون الملزم. ولعل اهم مثل لذلك هو لجنة بازل التي سبقت الاشارة اليها والتي تتولى التنسيق في اعمال القطاع المصرفي بين دول معينة، لكن "توصياتها" سرعان ما تتبع في معظم الدول الاخرى. وتشمل شبكات اخرى المسؤولين عن وضع التنظيمات في قطاعات معينة the regulators والنقابات المهنية على المستويين الاقليمي والدولي، كما قد يتم تشكيل هذه الشبكات بمبادرة من مؤسسات دولية مثل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD او من منظمات اقليمية. والنتيجة هي انتشار ظاهرة ما يسميه بعضهم الشبكات غير الحكومية والتي يعتبرونها اكثر مرونة من المنظمات الدولية الرسمية وأكثر قدرة على التأثير على الجهات المسؤولة عن التنظيم والاشراف في كل دولة، كما يقولون انها تعوض عن الانحسار المستمر في سيادة الدول، وان كان المؤكد ان انتشار هذه الظاهرة سوف ينتقص ايضاً من هذه السيادة مع مضي الوقت. وهكذا يتحدث بعض المتخصصين في العلوم السياسية عن تحول في السلطة الى خارج الحكومة في كل الاتجاهات: الى اعلى حيث المنظمات الدولية بما فيها المؤسسات المالية الدولية ومجلس الأمن وهو امر واضح بالنسبة للدول النامية، والى اسفل، حيث الولايات والمحافظات والبلديات والهيئات التي يتزايد اختصاصها كذلك، وحيث الجمعيات الاهلية المحلية واتحادات رجال الاعمال والنقابات العمالية، وجانبياً حيث الدول الأقوى والمنظمات غير الحكومية ذات النشاط الدولي والشركات متعددة الجنسيات، حتى حدا ذلك الوضع ببعضهم الى القول بأن "وحدات جغرافية وأخرى تختص بأعمال معينة قد نما دورها مع دور الحكومة، بل نجحت في ان تأخذ من الحكومة بعض سلطاتها وان تشارك الدولة في عواطف الناس ازاءها". وقارنوا ذلك بالوضع في العصور الوسطى حيث تداخلت سلطات مدنية وكنسية في ممارسة السلطة في الاقاليم الأوروبية. وبينما انتهى هذا التداخل في الماضي بظهور الدولة الحديثة، فان تكراره الآن ونماءه في المستقبل قد يكون له اثر تفككي، خاصة على الدول التي تختلف فيها الانتماءات العنصرية والمذهبية والقبائلية والتي ما زالت هذه الانتماءات اقوى فيها من الانتماء الى الدولة في بعض الحالات. ولعل اكثر ما يواجه بعض الدول من تحديات مباشرة في الوقت الحاضر هو انتشار الجريمة المنظمة والجماعات الارهابية بل والميليشيات العسكرية التي تعلن حرباً فعلية على الدولة، اما بغرض الانفصال عنها او لزعزعة الاستقرار وقلب نظام الحكم. ويأتي هذا في وقت تواجه فيه كل الدول النامية تقريباً مشاكل معقدة بشأن الانفجار السكاني والجهاز البيروقراطي المتضخم وارتفاع معدلات البطالة وتلوث البيئة المتزايد والتهريب المستمر للمخدرات وارتفاع معدل الجرائم المحلية والدولية، بل وفي بعض الحالات سيل من اللاجئين. وطبيعي ان فشل مؤسسات الدولة في مواجهة هذه المشاكل بحزم وفاعلية يترتب عليه المزيد من الاضعاف لدورها في الحكم والاقتصاد ويتيح مجالات اوسع للفاعلين من خارج الدولة للادلاء بدلوهم. الثقة في الدولة اياً كان تعريفنا لسلطة الدولة ومداها الفعلي، فان هذه السلطة تمارس بصورة احتكارية عن طريق المؤسسات الرسمية التي تكوّن مجتمعة "الحكومة". وأثبتت تجربة بعد اخرى ان مستقبل الدول كثيراً ما يتوقف على الطريقة التي تمارس بها هذه المؤسسات الرسمية سلطات الدولة، او كما قال بعضهم، ان الاطار المؤسسي "يحدد قواعد اللعبة كما يحدد نظام الحوافز في المجتمع". ومن هنا تكون لتوافر جهاز جيد للحكم، يتمتع بالكفاءة والنزاهة كعنصرين اساسيين يكمل احدهما الآخر، اهمية خاصة ليس فقط للاستقرار السياسي للدولة وانما ايضاً لنموها الاقتصادي. وتقاس الممارسة السليمة للسلطة العامة عادة بعدد من العوامل منها مدى توافر التوازنات التي تحول دون صدور قرارات تحكمية وتضمن بقدر الامكان تصرف السلطات العامة طبقاً للدستور والقانون، ومنها مدى مشاركة المواطنين في المسائل العامة بما يجعل القرارات الرسمية تستجيب لحاجاتهم، ومدى شفافية القرارات الحكومية أي معرفة الناس بالطرىقة التي وضعت بها هذه القرارات والأسس التي تتأسس عليها، ومنها أيضاً خضوع الموظفين للرقابة القضائية وكبار المسؤولين للرقابة الدستورية. ويمكن تجميع كل هذه العناصر في ضرورة توافر اطار قانوني مناسب - ولا أقصد بذلك اطار يقتصر على مجموعة القوانين واللوائح اللازمة للتطور المنظم للمجتمع، وانما يتكون الإطار القانوني الشامل في مفهومي من ثلاثة أركان رئيسية. يتمثل الركن الأول في القواعد الواجبة التطبيق سواء اتخذت شكل التشريعات أو اللوائح الادارية. فيجب تعريف المواطنين بالقواعد التي تهمهم حيث انه لا يجوز للمخالف الاستناد الى جهله بها، كما يجب ان تسري القواعد عليهم من دون تمييز لا يتأسس على أسس موضوعية. هذه القواعد لا تصدر، في نظام سليم للحكم، كخدمة أو عقوبة شخصية لفرد معين أو لمجموعة معينة، انما تسري على كل من تتوافر فيهم شروط تطبيقها. كما ان مضمونها لا يأتي من فراغ ولا يستند الى افتراضات وتكهنات، اذ يستند المضمون الى دراسات موضوعية ويستهدف الاستجابة الى حاجات اجتماعية حقيقية وليس للمصالح الشخصية لفئة معينة تجاهلاً لمصالح الآخرين. ولا تأتي هذه القواعد مجرد استجابة مفاجئة لأزمة معينة، فلكل أزمة خصائصها التي تقتضي حلولاً خاصة بها. كما ان القواعد القانونية العامة تضع حلولاً للزمن الطويل وتستهدف تفادي الأزمات، والمطلوب هو ان تتكامل هذه القواعد في اطار منسق وتشمل فيما تشمله تنظيم الأنشطة المالية والتجارية بشكل يضمن استمرار المنافسة ويضيق بقدر الإمكان احتمالات التعسف والفساد في التطبيق، كما ان القواعد طبعاً لا ينبغي لها ان تكون جامدة، بل تخضع لامكانية التعديل طبقاً لأسباب واجراءات معروفة سلفاً. أما الركن الثاني فيتمثل في الأساليب والآليات والاجراءات التي يتم عن طريقها وضع القواعد ثم تطبيقها في الواقع أو الاستثناء منها، كل ذلك بما يضمن توافر عنصرين أولهما ان تكون هناك أسباب اجتماعية مقنعة لإصدار القواعد الجديدة، وثانيهما ان تحظى القواعد اذا ما صدرت بالتطبيق الفعلي. فمن دون العنصر الأول يفقد القانون مشروعيته الاجتماعية، ومن دون العنصر الثاني يفقد صفته كقانون. وما أكثر القوانين المكتوبة في دول عدة لا تطبق في الواقع ولا يعتبرها الناس قانوناً؟ ويتمثل الركن الثالث في الأجهزة والمؤسسات التي يتوقف على أدائها تشريع القواعد ثم تطبيقها ثم فض المنازعات التي يمكن ان تنشأ عنها. فإذا لم يتوافر لمؤسسات التشريع والتنفيذ والقضاء عنصر الكفاءة والأمانة، وتخلفت قدراتها الفنية والادارية عن العمل المطلوب منها، ولم تكن مسؤولة بحال أمام المواطنين، فإن ذلك من شأنه شيوع التحكم والفساد، ولا بد ان نلاحظ هنا انه اذا اتسمت الأساليب بالتحكم والتعقيد، والمؤسسات بالعجز والفساد، فإن أعظم القواعد وأفضل السياسات لن يترتب عليها تغيير الى الأفضل. كما يلاحظ أهمية ما يمكن تسميته بالنظام القانوني غير الرسمي، الذي يتكون من أعراف الناس والقواعد التي تسير عليها المعاملات بالفعل، والتي قد تختلف عن القواعد المكتوبة. وكثيراً ما تحدث الفجوة بين القانون الرسمي والقانون الواقعي عندما تضعف سلطة تنفيذ القانون الرسمي في الدولة، وعندما يشيع الفساد، وعندما يتجاهل القانون مصالح الناس المخاطبين بأحكامه فيتجاهله الناس بدورهم وتصير عاداتهم على قواعد اخرى يلتزمون بها. وللركنين الثاني والثالث للاطار القانوني دور في معالجة هذا الوضع. وان كان ضمان تطبيق القانون يتوقف في المقام الأخير على مدى اتسام قواعده بالمعقولية والعدالة، ومدى استجابته للحاجات الاجتماعية، ومدى ونوعية تدخل الدولة في اطاره أو خارج هذا الاطار، فلا ينتظر من الناس احترام القانون إذا وجدوا حكومتهم تستهتر به وتتصرف كأنها فوق القانون. وبالطبع فإن الاطار القانوني اللازم لدولة تأخذ بنظام الاقتصاد الحر اقتصاد السوق يجب ان يتطلع الى بناء مناخ تتوافر للمشتغلين فيه بالاستثمار والتجارة القدرة على التوقع والمنافسة. استراتيجية البنك الدولي تعرض البنك الدولي الى موضوع دور الدولة في "تقرير التنمية الدولية" لعام 1997 الذي أوصى باستراتيجية من جزئين لزيادة مصداقية الدولة وفاعليتها. ويُعنى الجزء الأول من هذه الاستراتيجية بالتأكد من ان دور الدولة يتناسب مع قدراتها، أي ان تدخل الدولة يتم دائماً في حدود قدرتها على القيام بالأعمال العامة السلع العامة المطلوبة منها. وكلما كانت القدرات محدودة، تعين على الدولة تحديد المجالات التي تتدخل فيها حتى يكون تدخلها فعالاً. ومن هنا، ينصح التقرير الدول عامة بتركيز قدراتها في البداية على الاعمال التي لا غنى عنها مثل حفظ القانون والنظام وتوفير البنية الاساسية والعدالة والتعليم الاساسي والصحة الوقائية ثم تتوسع الدولة بعد ذلك بقدر ما تمكنها قدراتها من التدخل المفيد. وفي هذا الصدد ينصح التقرير بأنه حتى تصبح "الدولة القادرة" دولة فاعلة، يتعين عليها استخدام قدراتها في صالح المجتمع ككل، وليس في صالح فرد أو قلة من الأفراد فقط. أما الجزء الثاني من الاستراتيجية فيتمثل في رفع القدرة المؤسسية للدولة بتقوية مؤسساتها العامة. ويتطلب ذلك، طبقاً للتقرير: 1 وضع وتطبيق قواعد ومعايير لمنع التحكم والتعسف في اتخاذ القرارات ولمحاربة الفساد. 2 زيادة كفاءة مؤسسات الدولة بتعريضها للمنافسة في تقديم الخدمات العامة وتقوية أجهزة التنفيذ ونظم المساءلة فيها، وتَبَنِّي رؤية واضحة لأهداف الحكومة والأخذ بوسائل واقعية لتقييم الأداء. 3 زيادة المرتبات والحوافز الأخرى للعاملين في الدولة مع اعادة طابع "المهنية" للخدمة المدنية ككل بحيث يكون لها احترامها وتقاليدها، مع تحديد سلطاتها التقديرية. 4 جعل الدولة أكثر استجابة لاحتياجات الناس عن طريق المشاركة وافساح المجال لمؤسسات المجتمع المدني، وكذلك اللامركزية في العمل الاداري كلما كان ذلك مناسباً. التحرر الاقتصادي ان التحرر الاقتصادي على مستوى العالم العولمة الاقتصادية يستلزم اتفاقاً دولياً، أو على الأقل تنسيقاً دولياً، حول المعايير التي تحكم تدفق الاموال عبر الحدود، وحول السلوك السليم الذي يفرض اتباعه على الشركات المحلية والاجنبية، وحول اللوائح المصرفية، وحول التعامل في سوق المال. ويتطلب الأمر قيام المؤسسات المالية الدولية بمراقبة تنفيذ هذه المعايير وبتجميع وتحليل ونشر المعلومات حول التدفقات المالية بأنواعها المختلفة، وذلك حماية للدول جميعاً من الأزمات المالية في المستقبل. والتي نرى الآن أثاراً مدمرة لها، ربما لم تكن لتحدث بهذه الدرجة في ظل التنظيم أو التنسيق الدولي. وفي عالمنا العربي بصفة عامة، أدت أسباب كثيرة في الماضي الى زيادة دور الدولة تعقيداً، ليس فقط بسبب الاعباء العسكرية والأمنية غير العادية، انما ايضاً لتعود السكان الاعتماد على الدولة في مواجهة حاجاتهم، سواء كانت ضرورية أو غير ضرورية، بأكثر كثيراً مما ينبغي. ويبدو ان حكومات بعض الدول العربية كانت شجعت هذا الاتجاه كأنها دخلت في عقد اجتماعي غير مكتوب مع شعوبها تقوم الدولة بمقتضاه بتوفير الخدمات العامة والاشغال العامة على نطاق واسع، وان كان بنوعية تزداد سوءاً مع الوقت. وفي المقابل، يقبل الناس مشاركة محدودة في الشؤون السياسية. وأدى التمادي في ممارسة هذه الدور الأبوي من جانب الدولة الى اعتماد الناس عليها في كل شيء مع انتقاص بالضرورة في حريتهم السياسية. وبينما ينتشر التحرر الاقتصادي في المنطقة لم يواكبه فيما يبدو تحرر سياسي بنفس المعدل. بل زاد استخدام الدين لأغراض سياسية من جانب الأطراف في اللعبة السياسية. اما نظام التعليم فقد وفر مكاناً في الجامعة لكل من يرغب فيها قبل ان يوفر مكاناً في التعليم الأوّلى لكل الاطفال بنينَ وبناتاً، ودون اهتمام مناسب بالتعليم الاساسي الذي يمثل الأساس الرصين للهرم التعليمي. وفي كل عام تتراكم أعداد كبيرة من الخريجين العاطلين. بينما تزيد الحاجة للعمال المهَرة في كل المجالات. وبتكاثر الموظفين عن حاجة الجهاز الاداري يصبح هذا الجهاز عائقاً في طريق التنمية بدلاً من ان يكون وسىلة مهمة لتحقيقها، وتصبح الدولة أقل قدرة على التدخل الفعال. ومن هنا تبرز ضرورة الاهتمام بنظام التعليم كجزء لا يتجزأ من اصلاح الدولة واعادة توجيه دورها. فلا يقتصر الأمر هنا على الاصلاح السياسي بالمعنى الضيق، انما يتعداه الى كل المجالات الاخرى التي على اساسها تتحدد قدرات الدولة. * نائب أول لرئيس البنك الدولي، وأمين عام للمركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار، ورئيس المعهد الدولي لقانون التنمية. وهذا الموضوع محاضرة ألقاها في جامعة الشارقة في الإمارات العربية المتحدة.