شوهد المستشار الألماني السابق هلموت كول مراراً برفقة الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا ميتران. وكان يقول ان علاقاتهما ودّية واستمرّت كذلك برغم توحيد ألمانيا. كان يجب ان يثير ذلك شبهة بالرجل تدفع الى الاعتقاد بأنه ليس بريئاً بالقدر الذي يوحي به. كان يقال عن كول انه رجل طيّب، وربط البعض هذه الطيبة بقامته الضخمة وحبّه المبالغ فيه للأكل. واعتبر ألمان كثيرون ان التاريخ استدركه ففرض عليه قرارات "قيادية" لم تكن طباعه "الإدارية" توحي بها. ومع انه نجح في البقاء 16 عاماً في السلطة فإن السبب في ذلك التخبّط الذي كان يعيشه منافسوه في الحزب الاشتراكي. ومع جواز استخدام العلاقة مع ميتران كمؤشر فإن احداً لم يكن يجرؤ على الظن بأن عدوى الفساد أصابت كول، وبأنه رجل قابل لمخاصمة التشدد الألماني في هذا المجال، من اجل ان ينصرف، مثل اصدقائه الفرنسيين، خالطاً بين المال العام والمال الخاص وبين صندوق الضرائب وصندوق الحزب. غير ان الفضائح طالته ومعه حشد من المسؤولين وقادة في الحزب كانوا يعتبرون، جميعاً، ان مكانتهم التاريخية محفوظة بعد سلوكهم المميز اثر انهيار الجدار واستعادة الوحدة الوطنية. وهذه الفضائح من نوع خاص لأنها تعطي فكرة أولية عن الأساليب التي اتبعت في تلك المرحلة وعما شاب وضع اليد على الشطر الشرقي من تجاوزات لم يجرؤ غونتر غراس في كتابه الشهير الناقد لهذه الوحدة على توقعها. كان كول، مثلاً، يريد بناء مصفاة في ألمانياالشرقية. ولكنه لم يكن يريد ان يدفع. لذا قرر، ببساطة، تدفيع شركة فرنسية الثمن مقابل السماح لها بان تستفيد من عمليات التخصيص فتشتري، بسعر مناسب، شبكة محطات وقود. تدخل شخصياً في سبيل ذلك وراسل نظيره الفرنسي ادوار بالادور. وبما ان الشركة المعنية هي "إلف" كان لا بد للفضائح ان تكون حاضرة. فالمدير العام للشركة، آنذاك، رجل تنكشف يومياً ارتكاباته، ولذا فإنه تساهل كثيراً مع طلب المستشار. وكانت النتيجة ان شرعت الاموال تتسرّب الى الحزب المسيحي الديموقراطي والى جيوب قياداته. ويقال، في هذا المجال، ان كول كان يتسلم الدفعات شخصياً ويعد الماركات قبل ان يحوّلها في الاتجاه المخصص لها. اضطر المستشار السابق الى الاعتراف علناً ببعض ما ارتكبه رافضاً الافصاح عن اسماء شركائه. واضطرت قيادة الحزب الى التخلي عنه في ظل تصاعد الاصوات المطالبة بطرده من الرئاسة الفخرية قبل ان يستكمل التحقيق اجراءاته فيصبح الحزب كله مداناً. وكان لهذه الانباء وقع الصاعقة في ألمانيا حيث اكتشف المواطنون ان محور بون - باريس من نوع آخر كان بمثل صلابة ذلك الذي يقال عنه انه "قاطرة الوحدة الاوروبية". لم يكن غريباً، والحال هذه، ان يزداد الضغط في البلدين من اجل استكمال التشريعات المتجاوبة مع طلبات "منظمة الشفافية العالمية" والتي تمنع استخدام الرشاوى في التجارة الخارجية. فالتقرير الاخير للمنظمة قاس مع فرنسا وأقل قساوة مع ألمانيا ولكنه يشدد على ضرورة وضع حد لعملية افساد التبادل الدولي الذي يرتد فساداً في الدول المتقدمة وخاصة في الدول النامية. ... اذا كان هلموت كول بمثل هذا الفساد فإن الشك ضروري بمسؤولين كثيرين على امتداد العالم وتحديداً بمسؤولين يتصرّفون خارج كل رقابة.