اعتبر رحيل الموسيقي الايطالي جيوزيبي فيردي يوم 27 كانون الثاني يناير من العام الأول للقرن خسارة فادحة للفن والموسيقى. نحن العرب نعرف فيردي من خلال اوبرا "عايدة" التي تدور أحداثها بين مصر والحبشة وتنهل من التاريخ الفرعوني موضوعاً لها. وهي الأوبرا التي كانت قد وضعت اصلاً لكي تقدم عند الاحتفال بافتتاح قناة السويس. لكن ذلك لم يكن ممكناً، فاستعيض عنه بتقديمها للمرة الأولى في قاعة أوبرا القاهرة في العام 1871. غير ان عمل فيردي لم يقتصر بالطبع على تلك الأوبرا ذات الحساسية الشرقية الواضحة، بل من المعروف ان فيردي الذي ولد ومات في مدينة ميلانو بالشمال الايطالي، كان غزير التأليف، بحيث انه وضع عدداً كبيراً من الأوبرات التي لا تزال تقدم حتى اليوم وتحظى بما تستحق من النجاح. ومن بين اشهر اوبرات فيردي نذكر الى جانب "عايدة"، "القرصان" 1848، "الحفل المقنع" 1859، "دون كارلوس" 1867، "هرناني" 1844، "فالستاف" 1893، "جبروت الأقدار" 1862، "ماكبث" 1847 "نبوخذ نصر" 1842. لقد كان جيوزيبي فيردي، خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، سيد الأوبرا من دون منازع، سواء نظرنا الى ذلك من وجهة نظر كمية أو نوعية، بل ربما كان، الى جانب مواطنه روسيني، الموسيقي الذي أضفى على فن الأوبرا حساً شعبياً لا شك فيه جعل هذا الفن اكثر الفنون شعبية وأناقة، قبل ان تأتي السينما وتقضي على كل شيء. ومن المعروف ان موسيقى فيردي تميزت بهدوئها وعذوبتها بالتناقض مع موسيقى فاغنر التي تتبدى متوترة ذات جلال على الدوام، كما ان الفنان الايطالي قد عرف كيف يدمج في أعماله استلهامات جاء بها من الموسيقى الشعبية، كما من موسيقى الشعوب الأخرى، ونلاحظ هذا خاصة في موسيقي اوبراتاته التاريخية، حيث نجده في "هرناني" مثلاً يستعيد اجواء اسبانية وربما اندلسية، وفي موسيقى تنتمي الى شتى مناطق البحر الأبيض المتوسط كما انه تخيل لأوبرا عايدة موسيقى فرعونية استقاها من تأمله العميق لصور الآثار الفرعونية في مصر. وبشكل عام يمكن تقسيم اوبرات فيردي الى أنواع عدة انطلاقاً من مواضيعها، بيد ان أبرز تلك الأنواع هي التاريخية المستقاة من أحداث التاريخ مباشرة وتلك المستقاة من المسرحيات أو الروايات الأدبية وخاصة من فكتور هوغو وشكسبير، أما في مجال الروايات التاريخية الواقعية، فنلاحظ ان عمل فيردي شمل التاريخ القديم الفراعنة، العراق القديم - وخاصة في نبوخذ نصر، واميركا ما قبل الكولومبية وأسبانيا وغيرها. كما انه شمل بعض أحداث التاريخ الأقرب اليه ولا سيما تاريخ القراصنة الذي استهواه بشكل خاص وحقق عنه اوبرات عدة ربما كان أشهرها "القرصان سيمون بوكانيفرا".