أبلغ الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات جامعة الدول العربية أنه لا يريد سوءاً بلبنان، ولن يترك أنصاره في المخيمات في لبنان يستعملون السلاح بأي شكل من الأشكال ضده أو يمسون أمنه. وقال في رسالة للأمين العام للجامعة الدكتور عصمت عبدالمجيد ان ما يقوم به في لبنان هو محاولة باتجاه السلطات اللبنانية لطرق سمعها علّها تقبل باقامة حوار حول القضايا المعلقة بشأن الأمور المتراكمة بينها وبين الفلسطينيين في لبنان، وتتجاوب لايجاد أي صيغة تتيح تشريع وضعهم لسنوات مقبلة. ومعنى هذا وضع اتفاق جديد مع السلطات اللبنانية بعد ان أكدت تلك السلطات الغاءها "اتفاق القاهرة" الشهير الذي أجاز وجود مقاومة فلسطينية مسلحة في لبنان. وتزامنت هذه المعلومات، مع ما أعلنه رئيس وزراء اسرائيل عن قبوله بعودة بعض اللاجئين أو قسم كبير منهم الى الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة. لكن ايهود باراك يعلم ان السلطة الفلسطينية لا تستطيع استيعاب حتى بعض نازحي عام 1967، كذلك لا تستطيع قبول عودة أعداد كبيرة من اللاجئين قبل خمس سنوات من إعلان الدولة الفلسطينية. وقال مصدر ديبلوماسي عربي، بعد نشوب المشكلة التي نشأت عن قيام أنصار الرئيس الفلسطيني بعلمه وبقرار منه بتسليح أنفسهم واجراء تدريبات داخل المخيمات في لبنان، وتخريج 400 مقاتل من مختلف رتب الهيكلية العسكرية اللازمة، الى جانب وحدات ميليشيا ووحدات خاصة ووحدة انتحاريين، "ان تلك القوات تحت السيطرة". ولمّح المصدر الى وجود لبنانيين بين تلك القوات وهو "ما أزعج السلطات اللبنانية وأثار حفيظتها". وأضاف المصدر ان الرئيس عرفات يؤكد انه لا يريد أن يقاتل احداً في لبنان لكنه يريد ان تكون تلك القوات نافذة حوار مع السلطات اللبنانية. ونقل عرفات وجهة نظره هذه للرئيس المصري حسني مبارك، بعد ان فقد أي أمل في نجاح أي وساطة مع السلطات اللبنانية لبدء حوار مثمر وبنّاء على حد قوله، الأمر الذي دفع الرئيس مبارك لانتقاد هذا التوجه واستمهله لتكليف من يقوم باجراء اتصالات ما مع الجهات اللبنانية. لكنّ مبارك، عندما تأكدت له طريقة التحرك العسكري من جانب انصار ابو عمار وبعلمه، أوقف أي اجراء في هذا الشأن باتجاه لبنان. وتبين من المعلومات المتوافرة التي اشارت اليها الصحف الاسرائيلية أكثر من مرة، ان اسرائيل طلبت من الرئيس الفلسطيني الحصول على مواقف من الدول العربية التي هي على صلة بقضايا المرحلة النهائية من المفاوضات، كاللاجئين والقدس والمياه، لكي يكون أي اتفاق بشأنها نهائياً وقابلاً للتنفيذ بعد ان يحظى بقبول عربي. وجاء طلب اسرائيل هذا تمهيداً لما أعلنه باراك بشأن قبوله بعودة اللاجئين، أو بعضهم، الى اراضي السلطة الفلسطينية. فاذا لم تكن المواقف العربية ايجابية وقابلة بتوطين اللاجئين يكون باراك قدم خطة لحل مشكلة اللاجئين بعودتهم للأراضي الفلسطينية، في حين ان العرب لا يساعدون على حلّها. وتشير المعلومات الى ان عدة دول عربية واسلامية أعلنت رفضها لتقليص مدينة القدس، كعاصمة للدولة الفلسطينية، الى "بعض أحياء" في ابو ديس والرام والعيزرية، التي طالب عرفات اسرائيل باعادتها للسلطة. وجاء اعلان المواقف هذا ليؤكد ان عرفات طلب فعلاً توضيح المواقف العربية من موضوع القدس المستبدلة المختصرة في بعض أحيائها أو الأحياء المضمومة لها. كذلك جاء اعلان رفض عدد من تلك الدول توطين اللاجئين حيث هم، بعد ان رفضت اسرائيل أي صيغة لعودتهم اليها، وقبولها بعودتهم الى اراضي السلطة في الضفة والقطاع، جاء تأكيداً لخطة استجلاء المواقف العربية والاسلامية تلك، باعتبار ان هذه القضايا ذات طابع عربي اسلامي ولا يمكن للسلطة الفلسطينية او الرئيس عرفات حسم المواقف لوحده بشأنها. فاسرائيل تريد تنازلاً كاملاً من العرب والمسلمين ايضاً عن كل ما يثير النزاع حاضراً او مستقبلاً، معها أو ضدها، بعد اتفاقاتها مع السلطة أو مع الدولة الفلسطينية التي أصبحت اسرائيل تشجع على قيامها سريعاً لتتولى، كدولة معترف بها ومسؤولة، توقيع الاتفاقات. واسرائيل تعرف ان المواقف الايجابية من جانب العرب والمسلمين تجاه الاتفاقات الفلسطينية - الاسرائيلية حتى الآن جاءت بناء على قاعدة "العرب يقبلون للفلسطينيين ما يقبلونه لأنفسهم"، لكن هذه القاعدة لن تطبق بشأن القضايا التي تتناولها مفاوضات المرحلة النهائية. لذلك تراوح المفاوضات بين اسرائيل والسلطة حالياً حول تلك القضايا الخاصة بالمرحلة النهائية بين تفاهم واختلاف واختلاف وتفاهم الى ان تتوافر المواقف العربية والاسلامية الداعمة لموقف الرئيس عرفات والسلطة الفلسطينية من القدس واللاجئين والمياه والحدود. في هذا الاطار جاء إلحاح الرئيس الفلسطيني للتفاهم مع لبنان، ليس حول القدس، وانما حول قضية اللاجئين ووجودهم الكثيف على أرضه. لكن لبنان كان حاسماً، حتى الآن، ولا يرى ضرورة لهكذا تفاهم أو غيره حول اللاجئين ويرفض أي محاولة لاقناعه بتوطينهم، بعد ان بدا ان لدى الرئيس عرفات صيغة ما قريبة من التوطين أو بقاء اللاجئين الى أجل غير مسمى. وهذه الصيغة هي ابقاء الفلسطينيين في لبنان بعد منحهم جوازات سفر فلسطينية لتأكيد قبول السلطة بانتمائهم اليها ويكونون على الأراضي اللبنانية ككل المواطنين العرب بانتظار الظروف الملائمة لعودتهم. وينقل عن عرفات ان سورية رفضت أكثر من اقتراح مصري للاجتماع به. لذلك يأتي ضغطه على لبنان مستهدفاً سورية. وتقول مصادر لبنانية ان الرئيس الفلسطيني بدأ ضغطه على لبنان منذ زمن وبأشكال عديدة عن طريق تسريب اخبار عن الحجم الكبير للملكيات العقارية الفلسطينية في لبنان. وجاء في خبر نشرته صحيفة "الأهرام" المصرية في 8 تشرين الثاني نوفمبر الماضي وفي صفحتها الأولى ان عمليات واسعة تجري من جانب الفلسطينيين لتملك عقارات تشمل مختلف مناطق لبنان وخصوصاً في صيدا والجنوب منذ عام 1992 وحتى الآن. ووصل عدد معاملات نقل ملكية عقارات لبنانية في بيروت الى 1046 عملية بين آب اغسطس وتشرين الثاني نوفمبر الماضيين، منها 542 عملية بيع لفلسطينيين، أي منا نسبته 53 في المئة من تلك العقارات. وهذه العقارات تتراوح بين شقق وأراض صالحة للبناء أو الزراعة. وعلى رغم ان السلطات اللبنانية لم تنف تلك المعلومات لكنها اعتبرتها نوعاً من الضغط الاعلامي عليها لاظهار حجم التملك الفلسطيني في لبنان. وترى تلك المصادر ان هناك ضغوطاً مختلفة أيضاً على لبنان، ويتوقع ان تتزايد الضغوط بعد التحرك العسكري الذي قام به أنصار عرفات في المخيمات. من هنا جاءت التحركات اللبنانية "القانونية" كاجراء مسبق لاحباط تلك الضغوط أو للتقليل من آثارها على لبنان، بفضل جهود تهدئة قامت بها الجامعة العربية وبعض الدول العربية، وخصوصاً مصر. وما هو معروض على لبنان هو توقيع اتفاق جديد مع السلطة الفلسطينية يشرّع مجدداً بقاء مواطنيها "اللاجئين" رعايا دولة فلسطينية ستقوم مستقبلاً يحملون جنسيتها في اراضيه. فتلك السلطة لم تستطع اقناع اسرائيل بعودتهم الى ديارهم، وهي عودة تنص عليها القرارات الدولية العديدة، كما أنها لا تستطيع اعادتهم الى اراضي السلطة بأعداد كبيرة حتى بشروط اسرائيل.