ألوان الغروب    سعود بن مشعل يزور منطقة «ونتر وندرلاند» جدة    لولا يؤكد أنه سيستخدم حق النقض ضد قانون يخفض فترة سجن بولسونارو    مقتل سبعة أشخاص في تحطم طائرة خاصة في الولايات المتحدة    موسى المحياني: وضع الأخضر قبل المونديال مخيف والتحرك يبدأ الآن    السياح يوثقون مهرجان الإبل    «دوائر النور»    قطرات للأنف لعلاج سرطان المخ    انتشار فيروس جدري القرود عالميًا    فيفا يصدر قراره في نتيجة مباراة المنتخبين السعودي والإماراتي بكأس العرب 2025        مهرجان الرياض للمسرح يتألق في ثالث أيامه بعروض مسرحية وحفل غنائي    القبض على يمني في جازان لترويجه نبات القات المخدر    مزادات الأراضي تشتعل بصراع كبار التجار    «الائتمان المصرفي» ينمو ب391 مليار ريال خلال عام 2025    "أنا ما برحتُ تألقًا وسَنَا"    بطولة "قفز السعودية".. عبدالرحمن الراجحي بطل شوط نقاط كأس العالم 2026    نابولي يثأر من ميلان ويتأهل لنهائي كأس السوبر الإيطالي بالسعودية    إستراتيجية واشنطن في لبنان وسوريا بين الضغط على إسرائيل وسلاح حزب الله    منتخب المغرب يتوج بلقب كأس العرب على حساب الأردن    تخريج 335 كفاءة وطنية ضمن برامج التدريب بمدينة الملك سعود الطبية    جامعة سطام تحتفي باليوم العالمي للغة العربية تحت شعار "نفخر بها"    مصير مباراة السعودية والإمارات بعد الإلغاء    "القوات الخاصة للأمن والحماية" نموذجٌ متكامل لحفظ الأمن وحماية مكتسبات التنمية    أمير منطقة جازان يستقبل القنصل الهندي    أمير جازان يستقبل الفائز بالمركز الأول في مهرجان الأفلام السينمائية الطلابية    طقس شتوي وأمطار تنعش إجازة نهاية الأسبوع في جيزان    جمعية أرفى تحصد فضية جائزة "نواة 2025" للتميز الصحي بالمنطقة الشرقية    وزير الشؤون الإسلامية يستقبل مفتي جمهورية رواندا    تعليم الطائف ينفّذ لقاءً تعريفيًا افتراضيًا بمنصة «قبول» لطلبة الصف الثالث الثانوي    أمير تبوك يستقبل رئيس المحكمة الإدارية بالمنطقة    برعاية أمير المدينة.. اختتام مسابقة "مشكاة البصيرة" لحفظ الوحيين    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تعيد توطين طائر الجمل بعد غياب 100 عام    مكتبة الملك عبدالعزيز العامة تحتفي باللغة العربية في يومها العالمي    إمارة منطقة مكة المكرمة تشارك في النسخة العاشرة لمهرجان الملك عبدالعزيز بالصياهد    أمير الشرقية يكرّم داعمي جمعية «أفق» لتنمية وتأهيل الفتيات    أمير القصيم يواسي خالد بن صالح الدباسي في وفاة زوجته وابنتيه    مرتفعات تروجينا وجبل اللوز تشهد تساقط الثلوج وهطول الأمطار    سورية: مقتل شخص واعتقال ثمانية بعملية أمنية ضد خلية ل«داعش»    أوبك تبقي توقعات الطلب على النفط مستقرة عند 1.3 مليون برميل يوميا    نعمة الذرية    سمو ولي العهد يعزّي ولي عهد دولة الكويت في وفاة الشيخ جابر مبارك صباح الناصر الصباح    تصاعد الاستيطان الإسرائيلي يثير إدانات دولية.. واشنطن تؤكد رفض ضم الضفة الغربية    تصعيد عسكري في كردفان.. الجيش السوداني يستهدف مواقع ل«الدعم السريع»    بوتين: لا نية لشن هجوم على أوروبا.. واشنطن تلوح بعقوبات قاسية على موسكو    في ذمة الله    البيطار يحتفل بزفاف مؤيد    القحطاني يحصل على الماجستير    شاهد فيلماً وثائقياً عن أكبر هاكاثون في العالم.. وزير الداخلية يفتتح مؤتمر أبشر 2025    "الغامدي"يتوّج الجواد "يهمني"بكأس وزارة التعليم في موسم الطائف الشتوي    900 مليون لتمويل الاستثمار الزراعي    حرقة القدم مؤشر على التهاب الأعصاب    علماء روس يطورون طريقة جديدة لتنقية المياه    البكري تحذر من الإفراط في الاعتماد على الذكاء الاصطناعي    تصعيد ميداني ومواقف دولية تحذر من الضم والاستيطان    أمير تبوك يطلع على نسب الإنجاز في المشروعات التي تنفذها أمانة المنطقة    الهيئة العامة للنقل وجمعية الذوق العام تطلقان مبادرة "مشوارك صح"    «المطوف الرقمي».. خدمات ذكية لتيسير أداء المناسك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المصحات ... محترفات فنية و"نزلاؤها" رسامون ونحاتون . حين يصبح الفن وسيلة لمواجهة المرض النفسي في كل أنواعه
نشر في الحياة يوم 29 - 11 - 1999

تطلق صفة "مجنون" في مجتمعنا على المريض العقلي أو النفسي في خلطٍ عشوائي وخاطىء أحياناً، وقد تثير الضحك لدى كثيرين أو تستدرّ الشفقة والأسف في أفضل الأحوال. لكن التجوال في معرض "الأشغال الفنية العلاجية" الذي تنظمه ادارة مستشفى دير الصليب للأمراض العقلية والنفسية في مناسبة عيدي الميلاد ورأس السنة، يقلب المقاييس ويوقظ شعوراً انسانياً "سامياً" هو مزيج من الإعجاب والأسى على أشخاص نجح مرضهم في اقتلاعهم من محيطهم والمجتمع، لكنه فشل في القضاء على ذرّات ذكاء قليلة لا تزال تنبض في عقولهم ونفسياتهم الواهنة لألف سببٍ وسبب.
ومقولة "الجنون فنون"، تثبت صحّتها في هذا المعرض الذي يضمّ أعمالاً يدوية وحرفية وتشكيلية تربو على الثمانين وتفيض ذوقاً وفناً ومهارة. وقد شارك في صنعها رجال ونساء عملوا تحت اشراف متخصصين من أطباء وراهبات وموظفين، حسبما تقول رئيسة دير الصليب الأخت ماري مخلوف. ثمة نوعان من العلاج هما العلاج بالعمل وهو اختصاص يدرّس حديثاً في الجامعة اللبنانية ويشمل الخياطة واللصق والنجارة والتطريز والعمل بالقش وصناعة الزهور، ويساعد المريض على "ابراز طاقاته العملية اضافة الى التواصل والحوار داخل الجماعة التي يعمل معها". وتضيف: "أما العلاج الآخر فهو العلاج بالفن ويشمل الرسم والنحت وسواهما. بدأ هذا العلاج في لبنان عام 1994 وينحصر وجوده في مستشفى دير الصليب فقط، ويهدف الى اتاحة فرصة التعبير العفوي للمريض".
وتدخل المعالجة النفسية الدكتورة جيزيل قزعور في تفاصيل العلاجين القادرين على شفاء مرضى يلاحقهم القلق والاضطراب والخوف. "يعيد العلاج بالعمل الثقة الى المريض وينمّي قدراته على الانخراط في عملٍ يشترك فيه مع مجموعة تتعاون معه لإنجازه. وتحتاج المصنوعات الى شبكة مترابطة ينجز كل مريض جزءاً منها". يبعد العلاج بالفن المريض عن مشكلته ويتيح له أن "يسرح في خياله ويبعده عن واقعه أثناء إنجازه لوحة أو نحته تمثالاً". يستفزّ هذا العلاج حسن الخلق عند المريض ويدعوه الى الإبداع على صوت الموسيقى تنساب في أرجاء "المشغل". ويكمن الهدف الرئيسي للعلاج في حثّ المريض على التعبير عن مشاكله. ويعاني بعض المرضى من مشاكل في الاتصال مع الآخرين ويغرقون في صمت مطبق، ويوفر لهم الرسم فرصة للتعبير عن أفكارهم وهواجسهم و... مرضهم في حريّة تامّة بعيداً من التصميم والتخطيط الموجودين في العلاج العملي، بحسب قزعور. في العلاج بالفن يجد المريض نفسه أمام ورقة بيضاء ومواد خام يقولبها على هواه، فيرى هلوساته وهذيانه وينظر اليها من خلال عمله الفني. ولعلّ الرسم هو الطريقة الفضلى التي يمكن من خلالها تشخيص حالة المريض وما يعاني منه. فإذا كان المريض يعاني فراغاً نفسياً، يملأ لوحته ألواناً وكأنّه يعبىء فراغه الداخلي، وتختلف التعابير حسب تنوّع الأمراض وعوارضها.
ويمر بعض المرضى في فترات كآبة متقطعة فيتخلون عن العالم ومنهم مَن يغرقون في حياة جنسية فوضوية توصلهم غالباً الى الانتحار. والنفسية البشرية عرضة لتقلبات عدة وغريبة. مرضى الفصام مثلاً يرون أنفسهم آلهة وقديسين فيبدون بذلك متأثرين بمحيطهم الديني والاجتماعي وتكثر في رسومهم صور الشياطين والخفافيش والأشكال المخيفة. وهناك مرضى الاضطهاد والهذيان والغيرة المرضية الذين يشكون بالعالم كله. ومرضى المسّ والانهيار العصبي والوسوسة.
ويتشكّل كل مرض من هذه الأمراض على لوحة المريض بأساليب مختلفة. ينعكس تشرذم الشخصية لدى مرضى الفصام على الوجوه المقطّعة كقطع "بازل"، فنرى تشرذم "الأنا" في الصور، وتتميّز الألوان التي يستخدمها مرضى الاكتئاب بالحزن وهي رمادية وسوداء وبنية غامقة. وينسحب الحزن والتشاؤم على المضمون أيضاً، فنرى الخريف والأشجار العارية في الأوراق تعبّر عن الداخل الحزين واليائس. على نقيضهم، يتميّز مرضى المسّ بابتهاج مبالغ فيه، يتمثّل سلوكياً بالضحك والتبذير في كل شيء. ويظهر في الرسم زهور وفتيات أنيقات وطبيعة جميلة وآلات موسيقية.
ويعبّر هذا الفرح عن حزنٍ داخلي على رغم استعمال الألوان الزاهية المعبّرة عن انشراح مرضي. ويكرّر مرضى الوسوسة خطوطاً وأشكالاً هندسية متوازية يستخدمون في رسمها المساطر والبيكارات. ويحرص هؤلاء على كمال لوحتهم التي تتطلب أحياناً 3 أشهر كاملة. أمّا مرضى الهذيان والاضطهاد فيصوّرون أموراً ترمز الى الاضطهاد والعدوانية كالسكاكين والأسلحة. ويطغى لديهم اللون الأحمر رمز الدماء، وتكثر لديهم صور الجواسيس والأشرار.
تنعكس هذه العلاجات العملية والفنية ايجابياً على صحة المريض العقلية والنفسية، فيبدو بعد فترة أكثر سيطرة على الريشة وأوفر مهارة في مزج الألوان كما يتطوّر مضمون لوحاته. تروي قزعور أن أحد المرضى عكف على رسم باص مدرسيّ فارغ لمدة طويلة قبل أن يرسم نفسه وحيداً فيه، ثم ضاعف عدد الأشخاص وما لبث أن ملأ الباص تلامذة. وهو اليوم يرسم مدرسة وملاعب وحدائق. وقد تزامن انفتاحه في الرسم مع انفتاحه الاجتماعي حتى صار المسؤولون يوكلون اليه القيام بمهمات صغيرة داخل المستشفى.
يبقى أن هذا المعرض الإنساني الإستثنائي يستمر في دير الصليب جل الديب لغاية 3 كانون الأول ديسمبر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.