كان مازنٌ ذاهباً إلى المدرسة، عندما شاهدَ صفّاً من النِّمال يمشي على جانب الطريق. رأى مازنٌ في آخر الصفّ نملةً صغيرة تحمل حبَّة قمحٍ أكبر منها، وتحاولُ بصعوبةٍ جرَّها إلى الأمام. فقرَّر مساعدتها. انحنى مازن إلى الأرض، والتقطَ النملة وحبَّة القمح، ومشى مع صفّ النِّمال الماشي إلى مكان مجهول. انحرفتِ النمال عن جانب الطريق، وراحت تنحدرُ باتجاه الوادي، فمشى مازن مع النِّمال نحو الوادي. كان صفُّ النِّمال يتقدّمُ ويتقدّمُ، ومازنٌ يسير بمحاذاته، حتى وصل أخيراً إلى الوكْرِ الذي يقعُ في أسفل الوادي. وضعَ مازنٌ النملةَ وحبَّة القمحِ على مدخل الوكر، وعاد راكضاً إلى مدرسته. فوصلَ متأخراً نصف ساعة. فاستقبله ناظر المدرسة عند الباب وقال له: - توقّف أولاً عن اللهاث، ثم أخبِرْني لماذا تأخرتَ عن مدرستك؟ حكى مازن للناظر قصّته مع النملة، فسأله الناظر: - هل طلبَتْ منكَ النملة أن تساعدها؟ - لا. - هل سألْتَ النملة إنْ كانت بحاجة إلى مساعدة؟ - لا. - لو علِمَت النملةُ أنك ستتأخّر عن مدرستك فهل كانت تقبل بأن تساعدها؟ - وكيف لي أن أعرف ذلك؟! قال الناظر: - أنا أعرف .. أعرفُ النّمال جيداً، فهي تحبّ النظام وتكره الفوضى. وأظنّ أنها لا ترضى لغيرها ما لا ترضاه لنفسها. صمتَ مازنٌ ولم يعلّق على كلام الناظر، فعاد الناظر يقول: - على أيّ حال، يعجبني إشفاقك على مخلوق ضعيف كالنملة. ولا يعجبني تأخّرك عن مدرستك. وأنا لا أدري الآن هل أكافئُك أم أعاقبك؟ إنها مشكلة معقدة، ولا بدّ لي من استشارة المدير بشأنها. قاد الناظر مازناً إلى مكتب المدير، وروى له قصّته مع النملة، فقال المدير: - إنها قصة غريبة ومحيّرة .. ولكنني أرى أن مساعدة مازن للنملة عملٌ جميل ينبغي أن يُكافأ عليه. قال الناظر: - ولكنْ العمل الذي قام به مازنٌ جعله يتأخر عن المدرسة. وأنا عادة أعاقب الذين يتأخرون عن المدرسة. فماذا أفعل الآن؟ بل ماذا أفعل إذا ترك التلاميذ المدرسة غداً وانطلقوا نحو الحقول لمساعدة النّمال والفراشات والزّيزان والحراذين، هل أكافئهم على ذلك؟ قال المدير: - إن تأخّر مازن عن المدرسة يستحقّ العقاب كما ذكرت. ولكنّ إشفاقه على النملة ومساعدته لها يستحقّان المكافأة. وما يحيّرني الآن هو: كيف أعاقب مازناً وأكافئه في آنٍ واحد؟ قال الناظر: - لقد فكّرت قبلك بهذا الموضوع ولم أجدْ حلاً. قال المدير: - لا بدّ أن هناك حلاً. ثم هبَّ المدير واقفاً وقال: - وجدتُ الحلّ .. سنكافئ مازناً على مساعدته النملة الضعيفة، وسنعاقبه على تأخّره عن المدرسة بحرمانه من المكافأة التي كنّا سنقدّمها له. وبهذه الطريقة يمحو العقاب المكافأة، وتمحو المكافأة العقاب! فما رأيك أيها الناظر؟ قال الناظر: - وماذا نفعل الآن؟ هل نقدّم لمازن مكافأة ثم نعود فنأخذها منه؟ قال المدير: - لا. لا. لن نفعل أي شيء .. بل نترك مازناً يدخل الى المدرسة بسلام. كأنه لم يساعد النملة، ولم يتأخّر عن المدرسة! قال الناظر: - إنه حلّ في منتهى العدالة. ثم التفتَ الناظر الى مازن وقال له: - إنك لم تفعلْ أي شيء .. لم تساعد النملة ولم تتأخر عن مدرستك .. هيا اذهب الآن الى صفّك. ركض مازن نحو غرفة صفّه، وهو يُتَمْتِمُ بينه وبين نفسه: - كيف يقول المدير والناظر أنني لم أفعل أي شيء؟ لقد ساعدتُ نملة ضعيفة، وأوصلْتَها مع حِمْلها الثقيل الى وكرها. وهذا شيءٌ جميل، ولا يمكن أن يكون: لا شيء!! لقد عرفتَ أيها القارئ رأي المدير والناظر بما حدث لمازن. كما عرفتَ رأي مازن نفسه. فما رأيك أنت؟ حديقة الحيوان حديقةٌ أم غابةٌ هذي التي نزورُها أشجارُها جميلةٌ جميلةٌ زهورُها لكنما وحوشُها أسْرى كما طيورُها تعيشُ في أقفاصها كأنها قبورُها هذي الوحوش والطيورُ غامضٌ مصيرُها؟ هل ينبغي تقييدُها أم ينبغي تحريرُها؟