من زار معرض "جيتكس99" المختص بتقنية المعلومات الذي انتهى مطلع الشهر الجاري ربما لاحظ أن معظم أجنحة المعرض تتحدث لغة واحدة هي لغة إنترنت والتجارة الإلكترونية وتطبيقاتهما المختلفة. وحفلت أجنحة شركات كبرى عدة بحلول متنوعة لمختلف تطبيقات التجارة الإلكترونية راوحت بين الحلول المؤسساتية الكبرى، وحلول الأفراد سواء كانت للاستعراض العادي لصفحات الشبكة الدولية أو لمتابعة تفاصيل الحسابات المصرفية عبر إنترنت، على نحو ما قدم مصرفان مشاركان في المعرض روّجا أيضاً لنجاحهما في حل مشكلة سنة 2000 على صعيد عملياتهما المصرفية وقدراتهما التقنية. ولوحظت أيضا زيادة نسبة الشركات العربية التي تقدم حلولا أوسع لإنترنت، إذ شاركت نوليدج فيو بتطبيقات مؤسساتية أكثر تخصصاً تخاطب احتياجات إنترانت وإكسترانت، وكذلك فعلت شركة نسيج السعودية، التي وسعت نطاق خدماتها المقدمة خليجياً الآن، فيما ركزت شركة سعودي سوفت على تطوير الحلول المؤسساتية التي تقدمها للمؤسسات الكبرى في مجالات إنترانت وإكسترانت. وشاركت شركات أخرى مختلفة في تقديم حلول مماثلة تتدرج في مستوياتها حسب تدرج هذه الاستخدامات، لفت الانتباه منها خصوصا شركات شابة من كل من مصر ولبنان جاءت إلى الخليج سعياً الى تقديم حلول إنترانت وإكسترانت حسب الطلب لشركات خليجية. ولوحظ أيضاً دخول شركة مغربية إلى السوق بقوة من خلال تقديمها حلاً خاصاً لتعريب النشر والتصفح باللغة العربية في بيئة ماكنتوش، بغض النظر عن النظام الآخر الذي تم منه النشر أو سيتم منه التصفح كويندوز مثلاً. وفي الوقت نفسه، بداً واضحاً ازدياد تركيز الشركات العالمية على تقديم حلول متكاملة في مجال إنترنت، بعضها كان نتيجة لتحالفات متعددة الأطراف، وذلك بدلاً من الحلول أو المنتجات المنفردة. وكتطبيق عملي، تم تقسيم أجنحة شركات رئيسة مثل مايكروسوفت وصن وآي بي أم وأبل وغيرها إلى أجنحة فرعية لشركاء الأعمال والشركات الحليفة. وزاد هذا العام عدد الأجنحة الوطنية وسجل ميلها نحو التخصص، فقد كان هناك مثلاً جناحان مصريان، أحدهما للشركات المنتجة للوسائط المتعددة بتمويل من المنحة الأميركية، والآخر للشركات المنتجة لتطبيقات الأعمال بتمويل من المنحة الأوروبية. وكالعادة كانت هناك أجنحة لكل من المملكة المتحدةوتايوان وسورية ولبنان وإيران وكندا، فيما سجل حضور للمرة الأولى لجناح لكل من هونغ كونغ وسنغافورة والبرازيل، وغاب الجناحان الأردني والهندي وإن لم تغب بعض شركاتهما. وارتبط الأمر أيضاً بالمزيد من التخصص في القاعات على نحو أكثر وضوحاً من الأعوام الماضية، وإن كانت بعض الشركات اختارت عدم التقيد بذلك لأسباب المساحة وما إلى ذلك. ووفقا لإدارة المعرض الذي ينظمه مركز دبي التجاري العالمي زاد عدد زوار جيتكس هذا العام على 72 ألف زائر، فيما زار معرض سوق الكومبيوتر المخصص للبيع بالتجزئة والمرافق لجيتكس أكثر من 80 ألف شخص. ولوحظ أن إدارة المعرض اختارت هذا العام تخصيص فترتين زمنيتين، إذ تم تحديد الفترة الصباحية للزوار من رجال الأعمال، فيما خصصت الفترة المسائية للعموم. وساعد على تسهيل مهمة الزوار مبادرة التسجيل المبكر التي وفرتها الإدارة في أماكن مختلفة من دبي، وفي مطارها تحديداً، وطالب زوار جاؤوا من العاصمة أبو ظبي أن يتم توسيع هذه الفكرة السنة المقبلة لتشمل العاصمة. ولم يبد أن عدم وجود عطلة رسمية في أيام المؤتمر، على نحو مما كان يحصل في الاعوام السابقة، أثر في عدد الزائرين، بل إن الفترات الصباحية المخصصة لرجال الأعمال شهدت ازدحاماً ملحوظاً. جوهر وأشكال إذا كانت متغيرات الأشهر الأخيرة لم تحفل بمفاجآت كثيرة من الشركات المنتجة للمعالجات، باستثناء تزايد السرعة التي تجاوزت في الأجهزة المعروضة حاجز 500 ميغاهيرتز، عوضت شركات الكومبيوتر عن ذلك بتحسينات عدة على التصميم، خصوصاً في الأنواع الموجهة للاستخدامات المنزلية، أو للجمهور الذي يفضل استفادة أفضل من مساحة مكتبه. وبرز في هذا السياق اتجاهان: أولهما استخدام شاشات كريستال سائل مسطحة مع كومبيوتر مدمج يشكل قاعدة عمودية للشاشة، ما يتيح حصر حجم الكومبيوتر والمساحة التي يحتاجها إلى أدنى حد ممكن. ومع أن الشركات اعتبرت هذا النموذج هجيناً ملائماً بين الكومبيوتر المكتبي والكومبيوتر المحمول، إلا أنني لا أعتقد أنها ستكون فكرة صائبة التعامل مع كومبيوترات بهذا التصميم ككومبيوترات محمولة، خصوصاً في ظل التضاؤل المستمر في أحجام وأوزان الكومبيوترات الدفترية، وتزايد قدراتها. أما التوجه الثاني فتمثل في دمج الهيكل الخارجي المعتاد للكومبيوتر مع طرفيات وملحقات معتادة، مثل كاميرات الويب وهواتف إنترنت وما إلى ذلك. وهو توجه مكرر، لكن طريقة تقديمه لدى بعض الشركات كانت مختلفة وجديدة، وإن كانت أغرت برفع نسبي للأسعار فنفر الناس منه، وعلى الأخص عندما اكتشفوا أن شراء الملحقات مستقلة سيكون أقل كلفة. ونشير هنا إلى أن بعضاً من هذه الشركات حاول تقليد فكرة أجهزة آي ماك المعروفة لجهة الألوان وشفافية الهيكل الخارجي. وعلى كل، كان المعرض ميدانا لاكتشاف حجم تأثير الزلزال الذي ضرب تايوان اخيراً على أسعار الكومبيوترات ومكوناتها في المنطقة. وكان واضحا أن أسعار الكومبيوترات ككل ازدادت بنسب تتراوح بين 25 و30 في المئة، فيما "قفزت" أسعار بعض المكونات وخصوصاً بطاقات الذاكرة العشوائية إلى ما يزيد على 200 في المئة. واستغل البعض الأمر، فباعوا بطاقات غير صالحة سرعان ما اكتشف أمرها، لكن بعد أن باعوا كميات غير قليلة منها. ولعل هذا ما جعل زوارا تعرضوا لمثل هذا الموقف يتمنون على إدارة المعرض أن يتم التعاون مع جهة مختصة لضبط هذه المخالفات، وعلى غرار ما تم فعلاً بالنسبة للشركات التي باعت برامج غير شرعية. التعريب يتوسع أفقياً أثبت جيتكس هذا العام أن مسيرة التعريب قادرة ليس فقط على المناورة، وإنما على الإغراء أيضا خصوصاً للشركات العالمية. وبعيدا عن نمطيات التعريب التقليدية التي اعتدنا عليها، ثمة قصة طريفة كان جيتكس مسرحها هذا العام. شركة مهجرية شابة أعلنت عن تعريب نظام تشغيل الأجهزة الكفية Palm PCs، الخاص بشركة 3كوم، فعمدت شركة عربية معروفة على الفور إلى إعلان أنها ستطرح تعريباً مشابهاً مجاناً، بل وقامت بتسجيل موقع ويب مشابه لإسم موقع الويب الخاص بالشركة الشابة لقطع الطريق عليها. لكن الأفضل من هذا وذاك، أن شركة عالمية مثل لوتس التقطت الفكرة على الفور فأعلنت نيتها تقديم نسخة خاصة من لوتس نوتس 5 معربة تماماً لنظام التشغيل هذا. ووقعت مايكروسوفت في الفخ، فاعترف لنا مسؤولون فيها أصروا على عدم ذكر أسمائهم بأن الإصدار العربي من ويندوز سي إي قريب جداً، وهذا هو نظام التشغيل الخاص بالكومبيوترات اليدوية Handheld PCs. وفي المقابل أبلغنا مسؤولون في سايون أنه كانت هناك جهود قيد العمل لتعريب نظام تشغيل أجهزتهم اليدوية، لكنها توقفت في مرحلة قريبة من الكمال. ولم نجد في أجوبتهم ما يمنع من استئنافها خصوصاً بعد قراءة هذا التقرير. وفي ما عدا ذلك، كانت جبهة التعريب هادئة اللهم سوى من حلول قدمتها شركات منتجة لأجهزة مكتبية تسعى للتنافس من خلال تعريب واجهة استخدام هذه الأجهزة، كما فعلت ريكو وغيرها. لكن هدوء جبهة التعريب لم يترك جبهة الشركات العربية هادئة. فقد سجل مراقبون اختلافاً نوعياً في طبيعة البرامج التي عرضتها عدة شركات عربية هذا العام، وخروجها من بوتقة برامج الوسائط المتعددة الجامدة، إلى أفكار أوسع. عرضت شركات جاءت من السعودية برامج لإدارة المؤسسات وأخرى لإدارة الرسوم والتصميم الفني للناشئة، وعرضت شركة أردنية - كويتية تطبيقاً لإدخال النصوص اليدوية العربية باستخدام لوحة رقمية وقلم ضوئي. وأعادت شركات عدة برامجها للإدارة المالية إلى الواجهة بعد سبات، فيما سعت شركات برامج النشر المكتبي مثل ديوان و"لاياوت" إلى إشعال التنافس في السوق، خصوصاً بعد ظهور توجهات معينة من شركات مثل كوارك وأدوبي تشير إلى عزمهما تقديم منتجات نشر مكتبي معربة جديدة. نظم وقواعد يمكن القول أن كل شركة منتجة لنظم التشغيل عرضت شيئاً جديداً هذه المرة، ولو من باب إثبات الوجود، لكن حديث المعرض كان بشكل رئيس منصباً على الظهور العلني الأول والأخير في تجمع بهذا الحجم للنسخة التجريبية من ويندوز 2000، نظام التشغيل القادم من مايكروسوفت. نقول الأول لأن هذا أول عرض عام بهذا الحجم في المنطقة العربية، ونقول الأخير لأن النسخة النهائية ستطرح رسمياً للصناعة الشهر المقبل، بينما ستطرح للجمهور في شباط فبراير. وبالطبع ركزت مايكروسوفت كالعادة على قدرات النظام الجديد، وخصوصاً مفاضلته في ما يتعلق بالتنافس مع نظم التشغيل الشبكية الراهنة أو المتوقعة قريباً. وفي هذا السياق، كانت مايكروسوفت سجلت هدفا في مرمى نوفيل حين أعلنت تقديم خدمات الأدلة Directory service في نظام تشغيلها الجديد. وهي بذلك تفتح جبهة جديدة على منافستها التقليدية في مجال نظم تشغيل الشبكات نعني نوفيل التي تعتد ابتداء بخدمات الأدلة التي تقدمها وتعتبرها غرة جبين نظامها. وفوق ذلك ركزت مايكروسوفت على إبراز القدرات الخاصة بويندوز 2000 من داخله، فقوة المعالجة التي يدعمها أصبحت الآن تصل في حدودها القصوى إلى 32 معالجاً، في النسخة الخاصة بمراكز البيانات، بينما تدعم الأجهزة المستفيدة كومبيوترات المستخدم العادي معالجين اثنين، بدلاً من واحد فقط في الإصدارات السابقة من ويندوز إن تي. ويدعم الإصدار الخاص بالشبكات العادية إصدار الأجهزة الخادمة ما يصل إلى ثمانية معالجات. ولا تنتهي حروب مايكروسوفت هنا، فهناك حرب ضروس مع أوراكل ميدانها سوقا قواعد بيانات الويب وقواعد البيانات المؤسساتية. وكانت هذه الحرب احتدمت في وقت سابق من العام مع طرح أوراكل لنظامها الجديد Oracle8i، والذي ردت عليه مايكروسوفت بطرح SQL سيرفر 7، وجاء جيتكس ليشعلها من جديد. وهناك معركة فرعية ثالثة ضد كل من كورل صاحبة بيرفكت أوفيس، وصن التي بدأت توزيع ستار أوفيس مجاناً، وكلاهما تعتبرهما مايكروسوفت منافسين لحزمتها أوفيس 2000. وسربت لنا مصادر في كورل وجود نية لطرح نسخة معربة من بيرفكت أوفيس. إنترنت في كل مكان غض النظر عن كل ما قلناه سابقاً من تفاصيل، فلن تجد في معرض جيتكس هذا العام بائعاً يحدثك عن منتج يسوقه إلا ويعرج على فوائده واستخداماته عند تصفح شبكة إنترنت، حتى أن مدير إحدى الشركات العالمية في دبي بالغ قليلاً وقال في مقابلة تلفزيونية ان الناس لم تعد تستخدم الكومبيوتر إلا لتصفح إنترنت. وربما أنسانا هذا التذكير بأن أي منتج جديد طرح في جيتكس، بدءا من نظم التشغيل الشبكية مثل ويندوز 2000 وانتهاء بملحقات الوسائط المتعددة والنشر الإلكتروني لبرامج التصميم إنما تم تسويقها جميعاً بمدى فائدتها للويب، ولم يعد الاستخدام العادي هو الحكم الوحيد. ولعل هذا كان ملحوظاً بشكل رئيس في حقيقة أن نسبة المنتجات الجديدة الموجهة لإنترنت بحد ذاتها لم تكن كبيرة، قدر ما كانت نسبة الحلول الموجهة للعمل والحياة مع الشبكة العالمية. عودة القراصنة كان جيتكس العام الماضي خالياً من القرصنة، ولذلك توقعنا أن يكون أشوك شارما أكثر ابتساماً هذا العام، بيد أنه فاجأنا بتجهمه" فالرجل الذي يدير اتحاد منتجي البرمجيات التجارية يضم عدداً من الشركات العالمية والمحلية اكتشف أن بعض الشركات المنتجة لأجهزة الكومبيوتر المجمعة لا تزال تملؤها بمنتجات غير شرعية. تحركت إدارة المعرض والجهات المختصة بناء على إخبارية من أشوك، فتم إغلاق جناح الشركة. ترى هل يمكن أن تتكرر هذه الحكاية السنة المقبلة؟ لا نتمنى ذلك.