صدر حديثاً في بيروت CD وكاسيت "شَبَه" لنديم محسن، هو أول عمل موسيقي - غنائي له. و"شَبَه" يحمل توقيع نديم محسن شعراً ولحناً وانتاجاً، وتواقيع عبود السعدي وشربل روحانا وهاني سبليني توزيعاً موسيقياً، وكورس نينار وغادة شبير وسامي حوّاط غناء. ويحتوي على تسع اغنيات وثلاث مقطوعات موسيقية ومدّته خمسون دقيقة. وتزامن صدور "شَبَه" مع عرض ثلاثة "فيديو كليب" صُوّرت على خلفية اغنيات من الCD، وتحمل عناوين "عتاق" و"لا تفلّي" و"شَبَه"، وانضمت الى "فيديو كليب" رابع "... وتمايلي" كان قد صدر منذ سنتين وبثّته محطات فضائية وأرضية عدة. والأعمال الثلاثة الجديدة هي أيضاً من انتاج وإخراج نديم محسن، ومساعدة ريم الأعور، ومونتاج جان ماري نهرا. حول "شَبَه" وأعماله الفنّية الاخرى، كان هذا الحوار مع نديم محسن. تأتي من الصحافة والشعر وإدارة شركة للترجمة السمعية - البصرية الى التأليف الموسيقي. هل الطريق آمنة لمثل هذا التجوال؟ - ليس من تجوال بين كل تلك. انها أرض واحدة. ثم اني ما ادّعيت يوماً حباً للأمان والأمن الذاتي، بل يغويني الفتح مهما كان بسيطاً. وقد كان دائماً في الموسيقى جاذب يدعوني للولوج ويحرّضني على التحدي: ان لا بد لكل تلك الموسيقى التي تحيطنا بانفعالاتها وتسكننا من ان تمتزج بما نتلقّاه فكراً وتجربة ومعرفة، فتتوالد بأشكال جديدة وأنغام. كل عمل هو، بشكل أو بآخر، عمل فني. فالصحافة فن، كما الشعر والادارة والسياسة. والعلاقة الجامعة بين مظاهر التعبير أعمق من اختلاف التسميات. ولكن وسائل انتاج الموسيقى هي غير وسائل انتاج المقالة مثلاً! - هذا صحيح. ولكن المهم هو اكتشاف البئر الموسيقي فينا. أقصد ان الماء موجود في الأعماق. في كل منّا بحره، ويمكن الوصول اليه ان نجحنا في فتح آبارنا. بعضنا يكتفي ببئر واحدة تصبح محور حياته، فيندّد بالاختصاص. وبعضنا يستفزّه البحث الدائم والتنقيب، فلا يهدأ ويتجدّد كلما اصاب عمقاً. لكن الكثيرين يموتون من العطش. أسطوانتك الأولى تحمل العنوان "شَبَه". ماذا تقصد؟ - كل ما حولنا يتشابه ويتناسخ: الاحزاب، الاعلانات، الالحان، الابنية، الجرائد، الطغيان، الفساد، العلاقات، الاحتلالات، الدمار... ويتشابه السقوط في لعبة الاستهلاك. "شَبَه" القصيدة لا تقول ذلك. لكنها ترمز اليه. هل تصنّف أغانيك في خانة الأغنية السياسية ام الأغنية الشعبية، ام غير ذلك؟ - إن كانت الأغنية السياسية هي تلك التي يطغى عليها النشيد، او التي تنضح منها المظاهرة والاضراب، او العنين والأنين، او الصراخ والرصاص، فلا علاقة لي بها. أما ان كانت موقفاً من الحياة ومن مسائلها المتعددة، ومقاربة محبّبة لمفاهيم فكرية وعاطفية، فأحبّ ان اعتقد بأن اغنياتي وموسيقاي سياسية بهذا المعنى. وإن كانت الأغنية الشعبية هي تلك التي تستدرّ التصفيق بمجرد دخول الايقاع، او التي تدور في قوالب وأنماط محدّدة وجامدة، فلا علاقة لي بها ايضاً. اما ان كانت معالجة لأحاسيس ومظاهر جمالية شعبية، واستفزازاً للاهتمامات الانسانية الاجتماعية، ف"شَبَه" شعبي. لا أود ان اخيف القارئ مما احمّل الأغنية من معانٍ. انني أبوح بعلاقتي بها فحسب. وهذا لا يلغي انها قريبة، ملأى بالأنغام وتنوّع الايقاعات، وعلى ارتباط وثيق بإرثنا الموسيقي حين يكون الإرث دافعاً للابتكار والتجديد لا قفصاً للتكرار. انت تستفيد من الكلمة، فالأغاني في "شَبَه" من شِعرك! - صحيح. غير انني لا الحن شعري لأروّج له. كما انني لا اصوّر اغنياتي لأسوّقها، هذا مع علمي ان تلحين ما توحي لي به كلماتي وتصوير ما يتراءى لي من اغنياتي يُنشئ دورة تكاتف ذاتية فيما بينها. ألحّن الكلمة حين أعيد قراءة قصيدة ما، وتنفتح امامي احتمالات جديدة تدور في فضاءات الكلمة ولا تتسع لها الاحرف الثمانية والعشرون. واصور "الفيديو كليب" بعد ان تبرز من الصور الشعرية والفكرية الوان ومناظر ومواقف ارى حُسن اقتراحها على الآخرين، فالتقطها من المخيلة اي استوقف زمانها. تستعمل في "شبه" عدداً كبيراً من الآلات الموسيقية، بعضها شرقي والآخر غربي. هل هذا لارضاء الاذواق على اختلافها، ام نتيجة طبيعية للتقارب العالمي؟ - في "شبه" كمّ من الآلات المتنوعة الاوطان. غير انني ما بحثت لحظة عن هوية الآلة، بقدر ما تتبعت قدراتها ووسائلها الضمنية ونسيجها الروحي. لا عقدة في التعامل مع اية آلة موسيقية مهما كان موطنها او مكان تطويرها. فالثقافة بطبيعتها ضد الاسلاك الشائكة وحرس الحدود والقوميات الاجتماعية المنفتحة هي نسغ الحياة العصرية، واما القوميات العنصرية او الدينية المغلقة، واما ثقافة الشركات المتعددة الجنسيات كاسحة المجتمعات عابرة القارات فتلك للاختناق، وللموت تقليداً وتبعية! ان استخدامنا للآلات المتنوعة المصادر ليس نتيجة ثقافية فنية للعولمة، ان كان هذا هو ما تلمّحون اليه. فالعالم متباعد الى اقصى الحدود. اصغر شارع واضيقه يحمل من التناقضات ما لا يبقى امامه الا الانفجار. مدارسنا متباعدة، مداركنا، اولوياتنا الاجتماعية، اهتماماتنا. لاحظنا في اغانيك عدم تراجع الموسيقى امام الغناء، الا تخاف من ان تطغى الموسيقى على الكلمة؟ - اعتدنا في اخراج الاغاني على ظهور صوت المغني في الامام البارز وغياب الموسيقى في الخلف البعيد. قد يكون ذاك مناسباً حين يكون العزف مجرد مرافقة للغناء. اما في "شبه" فالكلمة ما عادت قصيدة في كتاب، بل استحالت بعض الموسيقى هذا مع العلم انها بقيت واضحة وجلية عند الاصغاء. "شبه" وان كان يغني الكلمة فانه يمزجها في موسيقاه لتصير في اساس الفعل، ولا يبقيها عنصراً مضافاً اليه! وهكذا لا تتراجع الموسيقى امام الكلمة، ولا يحدث العكس، بل يتماهيان، فتحضر الواحدة في الاخرى. يترافق مع صدور "شبه" عرض ثلاثة "فيديو كليب" جديدة من اخراجك. ماذا عن هذا التجوال؟ - اعتقد بأن المخيلة تتوالد، والفكرة فيها تتشعب وتتكاثر، والضوء فيها يفضي الى الضوء، وكلما قلنا ما فيها لحناً او رسماً او رقصاً او تصويراً يبزغ ما يجب ان نقوله. ليس من منتهى، فالأمام لا يُحدّ. تستحثني المعاني والصور والالوان على اكتشاف ابعاد جديدة لا تتسع لها الكلمة. ليس "الفيديو كليب" تابعاً للموسيقى او للاغنية، بل انه ذو شخصية مستقلة وان اعتمد على الخلفية الموسيقية. انه مشهد شعري موسيقي في آن. ألا تحدّ خيال المشاهد حين تضع صورة للاغنية والموسيقى، فكأنما تحدد له المجال ولا تفتحه؟ - الموضوع الذي نتناوله في "فيديو كليب" معين هو احد الخيارات التي توحي بها الاغنية او التي يمكن للاغنية ان تلعبه في الخلفية، اقول احد الخيارات ولا اقول الخيار الوحيد. وهذا منطق ينفي مبدأ الحتمية واحادية الخلق والابداع. ثم اننا لا نروي قصة محدودة الشخصيات ببداية او نهاية. اعتقد بأن المجال التصويري الذي نخوض فيه يوجّه المشاهدين في اتجاه معين مفتوح الضفتين، ولا يحشرهم في ممر اجباري. لا بل انني اعتقد بأن في الصور وتلاحقها الكثير من الشعر والايحاءات والاحتمالات. لفتنا انتاجك ل"شبه" على رغم اشتراك اسماء لها حضورها الفني، كعبود السعدي وشربل روحانا وسامي حوّاط في تنفيذه. اين شركات الانتاج؟ - شركات الانتاج غير مستعدة لتمويل اعمال لا تعتبرها تجارية ومربحة. كان امامي اما الرضوخ لمقاييسها او الاعتماد على الذات. فاخترت عدم المساومة. لذا انتجت "شبه" وكذلك ثلاثة "فيديو كليب" واملك كامل حقوقها وحقوق الطبع والتوزيع، مع اشارة الى ان شركة POLYDISC كانت كريمة في عرضها مساعدتي في التوزيع الذي يحتاج الى شبكة منظمة. غير انني منفتح على بيع الحقوق او المشاركة اذا ما وجدتُ الجهة المستعدة للتعامل مع "شبه" بما يتجانس وما فيه من جهود ومواهب وافكار وخبرات. دعا نديم محسن الى حفل توقيع CD وكاسيت "شبه" في مسرح المدينة في شارع كليمنصو، بيروت، مساء الاثنين في 15 تشرين الثاني 1999، في الساعة السابعة، يتخلل الامسية عرض لأربعة "فيديو كليب"، والدعوة عامة.