حفل تاريخنا بمواكب متلاحقة من دعاة التجديد الذين كان لفكرهم دور رائد في مواصلة العطاء وتصحيح المسيرة، رصداً لحركة الزمن وتسجيلاً لنبض المجتمع الإنساني ثم تركيب الفهم الجديد للنص في المناسبة الزمنية الواقعة. وما زالت قوافل التجديد والإصلاح تترى إلى يومنا هذا، فإن الخير في هذه الأُمة كمثل الغيث لا يدري أوله خير أم آخره، فلم يخل جيل ولا عصر من دعاة للتجديد ومصلحين يعيدون للإسلام الأول رونقه وبهاءه، وينفضون ما علق بيسره وران على رحابته وغشّى على نقائه. وذلك عائد لما يتمتعون به من الفهم العميق للدين ولما يحظون به من أدوات الاجتهاد. وتلك ملكات لا يختص بها قرن أو عصر دون غيره، ولا جيل دون سواه. فإن نصوص الشريعة قابلة للفهم المتجدد، والخطاب الشرعي متجدد في كل عصر صالح لكل زمان. وهو خطاب لكل مكلف، فمن توافرت فيه القدرة على الفهم والتفسير والتأويل كان مكلفاً به ولا عذر له في تقليد يحاكي به عوامَّ الناس ممن تنقصهم القدرة والكفاءة. فالزمن لم يغير خلقة الإنسان، والعقول لم تضمر، والطبيعة باقية في الإنسان كما كانت في العصور الماضية. ولن تتم عملية التجديد إلا على دعامة الاجتهاد الذي أصبح اليوم أيسر مما كان في زمن من سبقنا. فبعد ظهور الطباعة وانتشار الكتب ودخولها كل بيت، تيسر اليوم ما كان من قبل كعنقاءَ مُغِربَ، إلا أن الحال كما ذكر الحجوي الفاسي: وجدت والأُمة في تأخر، والفقه في اضمحلال، والهممُ في جمود فكأننا لم نستفد منها شيئاً. والمطلوب اليوم في حركة التجديد هو التخلي عن التقليد والتعامل المباشر مع مصدري التشريع واستيحاء ما بهما من مبادئ عامة ومقاصد، ومزاحمة الأسلاف في فهمهم ومنازعتهم الإستدلال والإستنتاج والاستفادة من تراثهم الضخم من دون أن يكونوا حجاباً حاجزاً لنا عن الكتاب والسنة ومن دون الوقوف بذهول وافتتان أمام غنى التراث وضخامته. وإذا كان هذا الوعي الذي لن يؤتي ثماره إلا على دعامة الاجتهاد وحرية التفكير قد أصبح عند البعض من قبيل البديهيات، فإنه لا يزال عند الكثيرين في عداد ما لم يفكر فيه بعد. إننا ندعو إلى إعطاء العقل حريته ليمارس وظيفته ويفكر ويحلل ويستدل ويستنتج، لأن العقل هو دليل الوحي ووسيلة فهمه ونقله ومحل تكيفه. وشريعة الله لم تنزل لإعلان تعطيل العقل وإلزام المؤمنين تنفيذ أحكامها من دون تعقل أو تدبر. وأزمتنا الفكرية اليوم هي نقل القدسية وإعطاء طابع العصمة للاجتهاد البشري المظنون، الأمر الذي أدى إلى اعتبار فهم عصر يصلح لكل العصور، ما أورثنا كسلاً في الفكر وتخاذلاً في العقل وتوقفاً عن الاجتهاد والإبداع. إننا نجني جناية عظمى حينما ندّعي أن الكتب القديمة فيها الإجابة على سؤال جديد، ذلك أن لكل عصر مشكلاته ووقائعه وحاجاته المتجددة. وصوابية اجتهاد جيل ما وإبداع الحلول لمشكلات عصر معين لا يعنيان أبداً امتداد صوابية وصلاحية ذلك الاجتهاد لكل العصور، وإلا لكان اجتهاد خير القرون يكفي لكل العصور ولا حاجة لاجتهاد من بعدهم. لقد تحولت فهوم السابقين وتجاربهم واجتهاداتهم عقبات وقيوداً تحول دون العقل وطلاقته وحريته في النظر والاجتهاد والعودة إلى الينابيع الأصلية في الكتاب والسنة. وعلينا أن نخضع تلك الاجتهادات والفهوم للتعديل والإضافة والإلغاء بما تقتضيه ظروف الحال ومقتضيات الواقع، يواكب ذلك كله نشاط عقلي دائب قوامه تقليب النظر باستمرار في المعارف المكتسبة والتجارب الحاصلة بقصد تصحيحها وإثرائها وتكييفها. إننا نخطئ أكبر الخطأ حينما نرفع آراء وفهوماً واجتهادات إلى مرتبة العصمة، ونصفها بأنها هي أحكام الشريعة والفهم الصحيح للوحي الإلهي، وما عداها من تفسيرات وفهوم وتأويلات مخالفة فهو انحراف وإلحاد وابتداع في الدين. فإن التأمل في الوحي الإلهي وتفسيره نتاج إنساني تاريخي، فإذا كان الأسلاف مارسوا حريتهم في هذا التأمل وفي غيره مما عرض لهم بطريقتهم ومناهجهم وأدواتهم الخاصة، فليس من مانع يمنع من أن نمارس نحن اليوم تأملاتنا بطرقنا ومناهجنا وأدواتنا. "إن القرآن الكريم ليس هو علوم القرآن، وإن علوم أصول الدين أو الفقه ليست هي الدين نفسه. فهذه العلوم جميعاً - لا استثناء لواحد منها - هي كلام تاريخي على الدين وعلى الوحي، وهي بهذا الاعتبار تاريخية إنسانية. أما الوحي نفسه فهو الإلهي وهو المجاوز للتاريخ. تلك العلوم تراث، أما الوحي فليس بتراث. إن التراث هو الذي ينجم عن عملية الالتقاء بين الإنسان القابل من ناحية وبين الوحي الفاعل من ناحية، ومن هذا الالتقاء وعبر الشروط التاريخية نجمت العلوم الإسلامية المختلفة". إن تلك العلوم والمناهج والقواعد هي من وضع بشر مثلنا اجتهدوا فوضعوا تلك القواعد للتفكير والمنهج، ولا شيء يمنع اليوم من اعتماد قواعد منهجية أخرى إذا كان من شأنها أن تحقق الحكمة من التشريع في زمن معين بطريقة أفضل، فإن تلك القواعد بنيت على اجتهاد وظن وليس فيها شيء من القطع واليقين باعتراف أصحابها أنفسهم. فإن القواعد التي ينبني عليها الفقه الإسلامي لم تكن قواعد مرسومة تؤطر التفكير الاجتهادي في عهد الصحابة والخلفاء الراشدين وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال الجويني: "لم ير لواحد منهم في مجالس الإستشوار - أي البحث - تمهيد أصل أو استثارة معنى ثم بناء الواقعة عليه ولكنهم يخوضون في وجوه الرأي من غير التفات إلى الأصول كانت أو لم تكن". لقد كانوا يرسلون الأحكام ويعلقونها في مجالس الإستشوار بالمصالح الكلية. يتفق المسلمون على أن القرآن والسنة الصحيحة هما مصدر التشريع في الإسلام ويختلفون في ما عداهما. ويقيم أهل السنة لاجتهادات الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم شأناً عظيماً، والجمهور منهم على أن سنتهم واجتهاداتهم من مصادر التشريع، معتمدين في ذلك على ما ورد من أحاديث تحث على الاقتداء بأبي بكر وعمر، وما يروى من وصية الرسول صلى الله عليه وسلم بالأخذ بسنتهم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ..." قاصرين هذا الوصف "الخلفاء الراشدين" على الخلفاء الأربعة من الصحابة رضي الله عنهم دون من عداهم من الخلفاء والعلماء من الصحابة الذين عاصروهم أو من جاء بعدهم من مواكب الفقهاء وقوافل العلماء من المفكرين والعباقرة في كل عصر. يخصون هذا الوصف بجنس معين من الخلفاء وهم الساسة والحكام، وبنوع معين وهم الخلفاء الأربعة الأوائل. والحق أن الخليفة هو كل من خلف الرسول صلى الله عليه وسلم في أمته، فإن القيادة الدينية والسياسية كانت بيده ولما توفاه الله خلفه في أمته ورثته من أهل العلم والأمر وكانوا أمراء علماء. والخليفة هو الوارث "فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب"، وفي الحديث "وإن العلماء ورثة الأنبياء". والخلفاء الراشدون هم كل من خلفه في القيادة الفكرية أو السياسية والراشدون المهديون هم الذين شهدت لهم الأمة بالعلم والصلاح والهداية. وإذا كان من المتفق عليه أن الأمة لا يقودها ولا يخلف نبيها فيها إلا من توافرت فيه الأهلية بالعلم والكفاءة من قادة الفكر والسياسة. ووصيته صلى الله عليه وسلم بالأخذ بسنتهم والإقتداء بمن نص عليه منهم أبو بكر وعمر وصاية عامة بشرطها وهو الإقتداء والطاعة والاتباع بالمعروف. فإن من ظهر عليه الصلاح وشهد له أهل العلم بالاجتهاد في الدين والإحاطة بعلوم الإسلام كان قدوة وإماماً يحسن الإقتداء به والأخذ بسنته. ولا يعني ذلك إدعاء العصمة له ولا أن آراءه واجتهاداته حجة وشرع، بل يعتد بخلافه وللعامي أن يقلده وللعالم والمجتهد أن يستفيد من طريقته في فهم النص والتعامل مع الوحي ومنهجه في البحث، وكان أولى الناس بهذا الخليفتان الراشدان أبو بكر وعمر. فإن كنا نفهم بعد كل هذا أن الأمر بالإقتداء هو أن نجعل أفعالهم واجتهاداتهم وأقضياتهم شرعاً وديناً فقد أسأنا الفهم، فإن الاجتهاد - أياً كان في دلالته على الحكم الشرعي - هو ظني، وعلى هذا فيمكن أن يتغير فيه النظر في أي وقت تجدُّ فيه ظروف تبرز هذا التغيير. فإن اجتهاد عمر في سهم المؤلفة لا ينسخ هذا الحكم الشرعي الذي دلت عليه آيات الكتاب العزيز دلالة قطعية، وعمل له الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر من قبله، وإنما يقتصر فقط على الافتاء بحكم يراه مناسباً للظروف المستجدة ومحافظاً في الوقت ذاته على مقاصد الشريعة. فإن المخالفة الظرفية والخاصة هي اجتهاد في إعمال شروط الحكم وهي التي تدخل في مهمة المجتهد، أما النسخ وإلغاء الحكم الشرعي نهائياً فلا يملكه أحد. وإن كنا نفهم أن الاقتداء هو اتباعهم في ما وافقوا فيه الوحي، فإننا نكون قد فرغنا الحديث من معناه إذ لا خصوصية لهم في ذلك، فإن هذا يشمل الخلفاء وغيرهم. وكذلك إن قصرنا الإقتداء على الاكتفاء بنقل الوقائع التي اجتهدوا فيها وأقضياتهم التي أمضوها. من بين هؤلاء الخلفاء الراشدين شخصية مجددة حظيت بعناية إلهية واهتمام من لدن النبوة ورعاية ظاهرة، هو عمر بن الخطاب الخليفة الثاني. وقد تمثلت تلك الرعاية بنزول الوحي موافقاً له في وقائع مشهورة، وإشادة الرسول بتقواه وعلمه وإيمانه والإخبار بأنه محدث ملهم، إضافة إلى ما أوتيه من خبرة اجتماعية وحس قانوني مرهف وحرص على توخي المصلحة في نظرته إلى الأمور ما جعل تفكيره في الشأن الاجتماعي يلتقي مع مقاصد الشريعة التي تلتقي عند مقصد واحد أساسي هو المصلحة العامة. وإذا كان ابن الخطاب عالماً وأميراً ومجدداً، فإن كل من كان من الخلفاء الراشدين كان من المجددين الذين جاء ذكرهم في الحديث. غير أن تحديد الحاجة إلى التجديد بمئة سنة لا مفهوم له، فقد تدعو الحاجة إلى ذلك في أقل من مئة سنة، وقد يبعث مجددون في فترات زمنية متقاربة. فإن هؤلاء المجددين وإن كانت مهمتهم واحدة وهي إحياء الإسلام وبعثه إلا أن مناهجهم متنوعة. أولاد علات مهمتهم واحدة ومناهجهم في قراءة النص وآليات الفهم وطرق استنطاق الوحي متنوعة. فمن المجددين من تنحصر مهمته في تجديد المعاني والمفهوم للنص، ومنهم من تكون وظيفته تجديد أساليب عرض المعاني والحقائق تجديداً يتسم بالبهاء والقوة والمناسبة الظرفية. فكيف نفهم الوصاية والأمر بالأخذ بسنة الخلفاء الراشدين ونحن نعلم تاريخياً أن الصحابة اختلفوا وأن عمر خالف أبا بكر وعلياً خالف عثمان، بل قال ابن عباس كلمته المشهورة: "يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون قال أبو بكر وعمر"، معلناً خلافه لهما في مسألة التمتع في الحج. فإذا كنا مأمورين بالإقتداء والأخذ بسنة الخلفاء الراشدين، وأمرنا الله في كتابه بطاعة أولي الأمر ومنهم العلماء وكان موضوع رسالته صلى الله عليه وسلم أنه "يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم"، وكان وضع الأصار والأغلال وإحلال الطيبات من المعروف الذي بعث ليدعو إليه ويأمر به، علمنا أن المعروف هو الضابط للإتباع والإقتداء وأن المعروف أعم من أن يكون في القربات وأن المنكر أشمل من أن يخص بالمعاصي والمحرمات. فتارة يكون المعروف ما ظهرت مصلحته، وتارة يكون المعروف ما هو الأيسر والأسمح، وقد يكون المعروف ما هو الأوفق لمقتضيات الواقع ومستجدات العصر، وحيناً يكون المعروف ما جاء مساوقاً لمقاصد وكليات الشريعة، فإنها قد اشتملت على كل ما فيه خير الناس ومصلحتهم في دنياهم وآخرتهم، وعلى كل ما يدرؤ الشر والفساد عنهم أفراداً وجماعات في معاشهم ومعادهم. فإن هذه الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد، ولما كان مقصد الشارع الأول والأخير هو مصلحة الناس فإن اعتبار المصلحة هو الذي يؤسس معقولية الأحكام الشرعية ويلزم العالم والمجتهد كذلك أن تكون فتاواه واجتهاداته قائمة على هذا الأساس، وهو المعروف الذي يرسم للخلفاء المجددين مناهجهم ويختط لهم طرائقهم مما يحدو بكل فكر تجديدي إلى الإقتداء بهم في اعتبار المصلحة ومقاصد الشرع، وقد أمرنا بالإقتداء بهم والأخذ بسنتهم. ولما أراد أمير السرية من جنده أن يدخلوا النار التي أججها لهم قال لهم صلى الله عليه وسلم: "لو دخلتموها ما خرجتم منها إنما الطاعة في المعروف"، فإن النار قد تكون ناراً من المشقة والتحجير والتخلف بإهلاك المواهب ومنابع الإبداع وقتل الحريات يراد من الأمة اقتحامها والتردي فيها. لذا فإن من مهام الفكر والفقه التجديدي اليوم إعادة النظر في جل الأحكام التي بنيت على قاعدة سد الذرائع سواء ما كان منها نصاً اتضح للفقيه أن تحريمه هو من باب تحريم الوسائل والذرائع أو كان اجتهاداً لعصر معين أو كان فتوى من عالم معاصر، فإن هذا مطلب ملح في عصرنا هذا خصوصاً وقد تعقدت فيه أمور الحياة وجَدَّتْ ضرورات وحاجات وأصبح ما كان يعد في السابق ترفاً وكماليات أو تحسينات أشبه بالضروريات التي لا تقوم مصالح الناس إلا عليها. فإننا نجد فتاوى لبعض المفتين حرموا فيها كثيراً مما أباحه الله وأذن به لعباده، بل منعوا بعض الواجبات بحجة سد الذرائع وإغلاق أبواب اعتقدوا بأنها مفضية إلى الحرام، وغفلوا عن أننا في عصر تيسر فيه الحرام البين وسهلت طرقه ووصل إلى كل بيت. وما علموا أن أبوابهم التي أغلقوها لم تفتح بل كسرت واجتثت، فلما لم يجد الناس سوى المنع والتحريم حيثما توجهوا تقحّم الكثيرون الحرام البيّن الواضح غير آبهين بتلك الفتاوى. ففي مثل هذا العصر الذي لا تقوم مصالح الناس فيه إلا بأحد أمرين: إما بارتكاب الحرام البين أو المباح والمشتبه الذي قد ينطوي على بعض المفاسد أو يفضي - إذا أسيء استعماله - إلى المحظور، فإنه بناء على قاعدة المصلحة في الشريعة التي هي العلة الأولى في أحكامها يتعين بل يجب التيسير على الناس وتوسيع دائرة المباح. ومن ذلك الأحكام التي حرمت تحريم الوسائل، فإن الشارع قد أنزل المصلحة الراجحة والحاجة منزلة الضرورة، كما في إباحته الكذب الذي هو من الكبائر وأعظم المحرمات حينما يترتب عليه المصلحة كحديث الرجل مع زوجته والإصلاح بين الناس. وكما أذن للحجاج بن علاط أن يكذب على المشركين ويفتك ماله منهم وأن لا يظهر لهم إسلامه، فأذن له أن يقول ما يعينه على تخليص ماله، وكالخيلاء ومشية التبختر في الحرب كيف أصبح هذا الخلق المتوعد عليه بالعذاب المكروه عند رب العالمين محبوباً عند الله فقال: "إن هذه لمشية يكرهها الله إلا في هذا الموضع" لما رأى أبا دجانة يمشي بين الصفين مشية الخيلاء. وكالتصوير الذي صحت النصوص بحرمته وعذاب فاعليه فقد أذن لعائشة أن يكون لها لعب من بنات وخيول وجنحة، بل إن المكروه ليغدو طاعة لله حيث نذرت امرأة أن تضرب الدف على رأسه صلى الله عليه وسلم إن رده الله سالماً، فأمرها أن تفي بنذرها، ولم يأمرها بعدم الوفاء أو بالكفارة وهو القائل: "من نذر أن يطيع الله فليطعه"، فجعل فعلها طاعة حيث كان في إظهار الفرح والسرور مصلحة ظاهرة وتوسعة وتيسير. فإنك لا تجد مباحاً بل ولا واجباً إلا وقد يكون في فعله بعض المفاسد إما باشتماله على ذلك وإما بإفضائه إلى المحظور. ولكن الشريعة لا تأذن ولا توجب إلا ما فيه مصلحة محضة أو مصلحة راجحة، فالعبرة بالأغلب. وكون بعض الناس قد يسيء استعمال الجائز والمباح لا يجعل ما أباحه الله ورسوله وأذن به حراماً، فإن الشرع يبين للناس حدود الحلال والحرام ويكل الناس إلى إيمانهم وواعظ الله في قلوبهم والرقابة التي تردعهم عن محارم الله. * كاتب سعودي