لم يظهر ما يشير الى تراجع هستيريا "حرب البقر" مع فرنسا التي تجتاح بريطانيا منذ أيام، فيما عقدت نقابة المزارعين أمس مؤتمراً في لندن مع ممثلي الاسواق الكبيرة بحضور وزير الزراعة البريطاني نيك براون لاطلاق "ماركة الاطعمة البريطانية الجيدة". وقال براون الذي كان اعلن انه لم يعد يتناول المأكولات الفرنسية، ان المزارعين البريطانيين يريدون الترويج لجودة مأكولاتهم، لكنه نفى انه يشجع على حرب تجارية بين البلدين. ورفض رئيس الوزراء توني بلير أمس حظر واردات اللحم الفرنسي. وقال امام مجلس العموم ان حرباً تجارية عبر بحر المانش ستكون "بمثابة انتحار" بالنسبة الى المصالح البريطانية. ورداً على مطالبة زعيم المعارضة ويليام هيغ بفرض الحظر "دفاعاً عن بريطانيا"، اعتبر ان مثل هذا الموقف سيكون غير شرعي واحمق وغير مسؤول، وسيلحق ضرراً هائلاً ببريطانيا. وساهم الحصار الموقت الذي فرضه المزارعون الفرنسيون اول من امس على مرفأ كاليه، والصور الفوتوغرافية المثيرة لحرق اطارات السيارات، في تأجيج مشاعر الغضب وسط الكثير من البريطانيين. وانغمست وسائل الاعلام، خصوصاً الصحف الشعبية، في حملة هستيرية مناهضة للفرنسيين. وكان النزاع نشب اثر رفض فرنسا الامتثال لقرار الاتحاد الاوروبي رفع الحظر الذي فرض منذ 3 سنوات ونصف سنة على لحم البقر البريطاني بسبب المخاوف التي اثارها مرض جنون البقر وامكان انتقاله الى البشر. وأقر الاتحاد الاوروبي ان لحم البقر البريطاني لم يعد يمثل خطراً على الصحة. لكن فرنسا تدعي ان لديها ادلة علمية على عدم سلامة هذا اللحم. ومن المقرر ان يجتمع خبراء كبار في المفوضية الاوروبية اليوم وغداً لتقويم ما اذا كان لدى فرنسا حقاً ادلة جديدة. وكان براون ذكر ان بريطانيا درست التقرير الفرنسي واتضح ان فرنسا لا تملك ادلة جديدة. وتطور النزاع الناجم عن استمرار الحظر الفرنسي على لحم البقر البريطاني الى "حرب" عندما كُشف ان المزارعين الفرنسيين اعتادوا استخدام الرواسب الطينية في مياه الصرف الصحي ومعادن ثقيلة ومواد خطرة اخرى في إعلاف ماشيتهم. واكدت "لجنة سلامة ومعايير الغذاء المشتركة" التابعة للحكومة البريطانية امس ان الرواسب الطينية في مياه الصرف الصحي اُستخدمت علفاً للماشية في فرنسا، لكنها قالت ان هذه المواد عولجت حرارياً قبل ذلك، ما يُفترض ان يؤدي الى قتل كل الجراثيم المسببة للامراض. واوضحت اللجنة انه على رغم ان هذه الطريقة "تثير اشمئزاز المستهلكين وتعتبر غير مشروعة بموجب قوانين المجموعة الاوروبية"، فانه "لا يوجد اي خطر مباشر على الصحة العامة، وبالتالي ليس هناك أي اساس لفرض حظر على المنتجات الفرنسية". لكن بعض العلماء حذر من مخاطر محتملة على الصحة العامة. وتبدو الحملة الحالية المناهضة لفرنسا في بعض وسائل الاعلام البريطانية مبالغاً فيها لدرجة لا تتناسب مع قضية سلامة لحم البقر. وقالت انيسة الحلو، الكاتبة اللبنانية السورية التي ألّفت كتباً عن الطبخ وكانت تقيم في فرنسا، ل "الحياة" ان هذه الحملة "سخيفة تماماً، اذ يدور النزاع حول مشاعر قومية اكثر من اي شىء آخر، ويصح هذا على الجانب البريطاني اكثر مما هو عليه في الجانب الفرنسي. انها تقوم بشكل اساسي على الانفعال". واضافت الحلو ان من المهم ادراك ان كل وسائل الانتاج الحيواني الحالية، سواء في بريطانيا او فرنسا، يمكن ان تكون خطرة. وتفشى مرض جنون البقر في بريطانيا ذاتها نتيجة لخفض درجة الحرارة في العملية التي يُنتج فيها "العلف العجيب" للماشية. وقالت "ينبغي ان نعود الى الطرق التقليدية ونشجع الانتاج الطبيعي".