طرحت "نوفيل" الاسبوع الماضي خدمة خاصة للتخفيف من معاناة المتصفحين في بيئة انترنت، الا ان احد خصائص هذه الأداة المجانية التي اطلقت عليها الشركة الاميركية الناشطة في مجال التشبيك والبرمجيات اسم "ديجيتال - مي" جاءت في اطار جدل محتدم حول مسألة حماية جمهور المتصفحين من احتمال تعرض خصوصياته لمخاطر "الاتجار بالمعلومات الشخصية" او مجرد استغلالها بنية غير حسنة. وقالت باميلا ماهوني ممثلة الشركة عن مشروع ديجيتال - مي ل"الحياة" في اتصال هاتفي: "ان الخدمة التي طرحناها معنية براحة المتصفحين في المقام الاول ولم يكن هدفنا تقديم أداة تكون الحماية غرضها الرئيسي، سوى ان هذه الخدمة تتيح للمتصفح وسيلة مضمونة لحماية معلوماته الشخصية بحيث يكون هو الوحيد القادر على الوصول اليها والتصرف بها بلا استثناءات، بما فيها نوفيل نفسها". ويمكن التنبؤ بوظيفة الخدمة الجديدة لكن الأهم منها زيارة بعض المواقع التجارية والتطوعية التي تري المتصفحين ما ينتظرهم في عالم انترنت. وعلى سبيل المثال، سيكتشف المتصفح الذي يزور الموقع التجاري "www.anonyomizer.com" المتصفح المستتر ان الخوادم قادرة على رصد كل نقرة من نقرات فأرته وعنوانه الالكتروني وموقعه الجغرافي وهوية حاسوبه الشخصي وأدواته التصفحية وربما اسمه الحقيقي. وبرزت غالبية هذه الخدمات التجارية والتطوعية حديثاً وأخذت على عاتقها ما تراه ضرورة تحذير المتصفح من انكشاف خصوصياته ومعلوماته الشخصية على الآخرين الذين يمكنهم ببساطة استخدامها او استغلالها في أسوأ الحالات لأغراض متنوعة لا سيما حين يعمدون الى اعداد ملف عن هوية المتصفح وموقعه الجغرافي وقدرته الشرائية ورغباته وهواياته ومشاركاته في الحوارات الالكترونية وغيرها وباختصار كل نشاطاته في انترنت. وتنطلق المواقع التطوعية من شعارات مغرية تتمحور عموماً حول حرية التعبير عن الرأي الا ان شركة "المتصفح المستتر" تعتبر نفسها احد الرواد في مجال تقديم حماية مضمونة للمتصفح ومعلوماته الشخصية عن طريق سلسلة تقنيات التشفير التي توفر، حسب تأكيدات مسؤولي الشركة المعنية، حماية للتصفح العشوائي والبريد الالكتروني والنشر الالكتروني وخدمة انترنت علاوة على خدمة طرحتها حديثاً وتتمثل في حماية اجهزة المتصفح من الفيروسات. ويقوم مبدأ الحماية على مرافقة المتصفح في نشاطاته التصفحية وحمايته من مخاطر اقتحام خصوصياته في كل صفحة من صفحات المواقع التي يزورها، اما آلية عملها فتتلخص في دورين اساسيين اولهما ابطال مفعول "الكعكات الالكترونية" التي تبثها بعض المواقع في القرص الصلب لجهاز المتصفح باعتبارها أدوات تقليدية للرصد والتجسس وثانيهما تحييد دور "جافا" و"جافا سكريبت" في افشاء اسرار المتصفح عن طريق أداة التصفح. ولكي تتاح للمتصفح فرصة الاستفادة من تقنيات الحماية لا بد له من الاشتراك في خدمات الموقع، وتطرح الشركة خدمة الحماية للنشاطات التصفحية كخدمة رمزية بالمجان او كخدمة "نخب اول" مقابل اشتراك سنوي ولكنها توفر الخدمات الاخرى المدعومة بتقنيات الحماية مثل البريد الالكتروني وخدمة انترنت والنشر الالكتروني مقابل اشتراكات نصف سنوية او فصلية. وتقول شركة موقع "المتصفح المستتر" مقرها في ولاية كاليفورنيا التي تنحصر غالبية خدماتها داخل الولاياتالمتحدة ان تقنياتها توفر لمشتركيها في الوقت الحالي حماية تصفحية بمعدل مليون صفحة الكترونية يومياً. وبلغ عدد الصفحات التي "سترتها" منذ انشائها اواخر سنة 1996 زهاء 256 مليون صفحة. ورغم تميز شركات الحماية التي على شاكلة شركة المتصفح المستتر الا انه يؤخذ عليها رهانها على ثقة المتصفح الذي لا يجد بديلاً عن وضع ثقته المطلقة في ما تقوله هذه الشركات وتعد به، ما اتاح لمشاريع منافسة دخول السوق على اجنحة مبادرات تقنية تعد المتصفح ليس بالدرجة المطلوبة من الحماية وحسب بل تمنحه ايضا سيطرة كاملة على معلوماته الشخصية وخصوصياته مهما تعددت المواقع التي يزورها في جولاته التصفحية. ويبرز من المشاريع الجديدة المنافسة شركة كندية تشكلت في مونتريال قبل عامين تحت اسم "زيرو - نوليدج سيستمز" وتعمل في الوقت الراهن على طرح برمجيات متخصصة يفترض، حسب قول مؤسسها اوستن هيل، ان "تحدث ثورة على صعيد حماية المعلومات الشخصية للمتصفحين من كل عمليات الرصد التي تمارسها الحكومات والشركات على حد سواء". وتطلق الشركة المذكورة على برمجياتها اسم "فريدوم - 1" وتقول انها مصممة لمنح المتصفح القدرة على انشاء هويات الكترونية منفصلة عن بعضها بعضاً بما يسمح في استخدامها لاغراض متعددة كأن تكون للمتصفح هوية خاصة لزيارة المواقع المرتبطة بنشاطاته العملية وهوية اخرى لنشاطاته الاجتماعية وثالثة خاصة بالمشاركة في الحوارات الالكترونية علماً انه لن يكون هناك سقف لعدد الهويات التي يمكن للمتصفح حيازتها. ويعتقد هيل ان برمجياته التي لا تزال تحت التطوير ستضمن للمتصفح حماية كاملة عن طريق تنوع الهويات الالكترونية فضلاً عن ان شركته تخطط لاقامة خوادم متخصصة في انحاء مختلفة من العالم وظيفتها تشفير محتويات البريد الالكتروني ونشاطات التصفح وحفظها بحيث لا يصل اليها احد سوى المتصفح المعني بها مؤكداً انه حتى شركته لن يكون لديها القدرة على رصد نشاطات المتصفحين وبالتالي القدرة على افشاء اسرارهم. ولفت ايضا الى ان شركته تتمتع بميزة ذات اهمية كبيرة في مجال حماية المعلومات الشخصية على وجه الخصوص اذ ان هويتها الكندية تجعلها غير معنية بالقيود المفروضة على الشركات الاميركية في ما يتعلق باستخدام تقنيات التشفير العالية التي تصنف في الولاياتالمتحدة وتعامل باعتبارها اسراراً عسكرية. ولم تنكر الشركة الكندية في اي حال ان برمجياتها لا تختلف كثيراً عن ادوات تخطط مايكروسوفت لطرحها وكذلك الخدمة الجديدة التي كشفت عنها نوفيل الاسبوع الماضي لا سيما على صعيد اتاحة الفرصة امام المتصفح لانشاء هويات الكترونية متعددة تمكنه من حماية خصوصياته والتحكم بنوع المعلومات التي يرغب في افشائها طواعية. ولكن ماهوني اشارت الى ان خدمة ديجيتال - مي ليست معنية بمسألة الحماية بقدر ما هي معنية بالتخفيف من المعاناة التي اصبحت سمة التصفح في هذه الأيام وقالت: "المؤكد ان مساحة التصفح اتسعت بشكل هائل وصار لزاماً على المتصفح حفظ عدد لا ينتهي من الأسماء المستعارة والمفاتيح السرية وتزويد المواقع بالمعلومات الشخصية التي يرغب بالافصاح عنها طواعية، ووجدنا اننا سنقدم خدمة مفيدة بتوفير اداة تسمح بالاستجابة لهذه الضرورات بأقل قدر من العناء". وأضافت: "هذا لا يقلل من اهمية حماية المعلومات الشخصية ومن المؤكد ان مسألة الحماية بحساسية قد تختلف في حدتها عن البعض الآخر كما يختلف في مدى استعداده لتقديم معلوماته الشخصية للآخرين الا ان الكل يرغب في ضمان ان تستخدم هذه المعلومات الاستخدام الصحيح ولا تتعرض للاساءة او الاستغلال او العبث". ولخصت ماهوني باضافتها موقف شركة نوفيل ومعها غالبية شركات صناعة انترنت من الجدل القائم حول مسألة الحماية وهو جدل قديم نسبياً ويدور بين طرفين يعتقد احدهما الذي تمثله جمعيات معنية بحماية المستهلك ان جمع المعلومات الشخصية من المتصفحين يفتح الباب امام احتمال اساءة استخدامها بينما يعتقد الثاني الذي تمثله الصناعة ان المعلومات الشخصية ضرورية اذ انها تمكن الشركات من تحسين خدماتها. لكن الأهم من الجدل ما يقف خلفه اذ يعتقد الطرف الاول ان مخاوفه مبررة بينما يصر الطرف الثاني على ان مسألة الحماية يمكن معالجتها من دون حاجة الى تدخل الحكومات وسن قوانين يراها اقطاب الصناعة ضارة بمستقبل انترنت.