ومضات تتوهج ثم تخبو، مبادرات ما إن تبدأ حتى تتوقف، وتجارب ومحاولات تتعثر، فلا تصمد. ذلك هو حال مسرح الطفل في سورية. فبعيداً عن الاجترار اليومي والهائل لأفلام "الكرتون" في فترات البث المتلاحقة ل"أعزائنا الأطفال" من شاشات تلفزيوناتنا العربية، والتخمة التي أصابتهم من جراء ذلك، يبقى مسرح الطفل الحيزّ الضروري والصحي، والدور الفاعل في تربية الطفل وتكوين نفسيته. فالمسرح هو النافذة التي يهب منها الهواء النقي والطازج والمشبع بروح الجماعية والبهجة والحيوية. والمسرح ضروري للطفل، ولا يغنيه عنه ذهابه الى السينما أو مشاهدته للتلفزيون، فالطفل يذهب الى المسرح بشوق اكثر ويحس بالحياة أكثر من خلال مشاهدته للعروض المسرحية لأنها تعطيه احساساً أكبر بالحقيقة وأعمق مما لو رآها على الشاشة، ما يوقظ أحاسيسه وينمي مرحلة احساسه بما يتواصل معه، فيما راحت غالبية الجهات المعنية تتنافس لتقديم أفضل الأطر التي تساهم في توفير متطلبات عالمه الخاص بشكل متناسب. ولأن مسرح الطفل في سورية لم يأخذ حقه الكامل بعد في التحقق والانتشار، كانت هذه الوقفة... للبحث مجدداً عن صيغة أفضل لتواجد هذا المسرح وآلية عمله وانتشاره. وتبرز في هذا المجال أربع صيغ أو أربعة اشكال، تجسدت من خلالها أبرز هذه المساهمات: أولاً: "مسرح الكبار للصغار" وهو الإطار الذي ارتأته منظمة طلائع البعث وأدرجته ضمن نشاطاتها الفنية المسرحية، واذا كان قد لقي هذا الشكل بعض انفراج ورواج خلال عروض استقطبت جمهوراً واسعاً من الاطفال، فقد انحصرت غالبيتها ضمن فعاليات مهرجانات طلائع البعث التي تقام كل عام في احدى المحافظات السورية، وبالتالي ينسحب عليها تصنيف الفعاليات الرسمية المرتبطة بالمناسبات، ونذكر في هذا المجال، العروض التي قدمها فرع حلب على مدار عدة مهرجانات وكانت من اخراج نادر عقاد. ثانياً: تجربة وزارة الثقافة عبر فرقة "مسرح الاطفال"، وهي التجربة التي كانت حدثاً بارزاً في حينه، وقد قام الفنان عدنان جودة خريج الاتحاد السوفياتي آنذاك بالعبء الأكبر في هذه الجربة ليقدم من تأليفه واخراجه مواسم مسرحية عدة للاطفال، تألقت فيها وعلى مدى خمس سنوات مسرحيات: علاء الدين والمصباح السحري 1983، خطيبة الأمير 1984، القط أبو جزمه 1985، بدور والأقزام السبعة 1987، علي بابا والأربعيون حرامياً 1988. ثم توقفت هذه التجربة الرائدة. وكان لها أن تستمر مع عدنان جودة، أو مع غيره. ولوزارة الثقافة السورية تجربة اخرى تجلت في مسرح العرائس الذي تأسس العام 1960، بمساعدة خبراء من يوغوسلافيا ورومانيا وتشيكوسلوفاكيا، والذي بدأ عروضه للاطفال العام ذاته. وكانت عروض مسرح العرائس تقام في المدارس لعدم وجود مقر ثابت له. وفي العام 1974 أصبح للمسرح مقر ثابت تقام فيه العروض لجميع مدارس دمشق، ويتسع لحوالى 300 طفل، وتقام فيه عروض صباحية للمدارس. يقدم مسرح العرائس كل عام مسرحية أو مسرحيتين، واشترك في مهرجانات عدة في فرنسا ومهرجان النهر الصناعي في ليبيا ومهرجان الطفل في الامارات ومهرجان البحر المتوسط للدمى في لبنان. وقدم مسرحيات عدة محلية ومترجمة، من بينها: مسرحيتا "الكلب الأزرق" و"الأصدقاء الستة" عام 1993 اخراج سلوى الجابري، ومسرحية "الأيدي" 1997 من اخراج دورينا تاناسيسكو، ومسرحية "جحا والملك زعفران" 1998 من اعداد واخراج وليد عمر، ومسرحية "الفيل الصغير" 1999 من اعداد واخراج سلوى الجابري. ثالثاً، تعاون الفرق المسرحية الخاصة مع منظمة "طلائع البعث" في هذا المجال لتقديم مواسم مسرحية للاطفال في غير مناسبة، كانت مثمرة في أكثر من مكان. ففي دمشق، بدأت فرقة مسرح الطفل العربي بزخم، وبات لها أكثر من موسم مسرحي، في عروض جميلة، كتبها عيسى أيوب، وأخرجها سعيد خوخدار، فقدمت العام 1988 مسرحية "المزرعة" التي عرضت ايضاً في دولة الامارات، ومسرحية "الاحتفال" العام 1989 التي عرضت في جميع مدارس دمشق وريفها، وفي محافظات حلب وحماة والرقة، ومسرحية "الديك الطائش" العام 1990... أما في حماة، فقد قدم الفنان سمير الحكيم وفرقته مسرحياته ناجحة ساهمت كثيراً في إغناء هذا الجانب التربوي الفتي الحيوي في حماة ومناطقها. وكذلك في أدلب، حيث قدمت مع فرقة المسرح البلدي بإدارة محمود عبدالعزيز أحمد مسرحيات "كان يا ما كان" العام 1987 و"الأميرة والأقزام السبعة" العام 1988. رابعاً: تجربة الفرق المسرحية الخاصة، في تقديم عروض مستقلة لجمهور الأطفال بهدف تعويدهم على ارتياد المسرح كنشاط ثقافي وفني مستقل. وربما كان السّباق في هذا المجال زياد مولوي عبر مسرحياته الثلاث "الشاطر زياد"، و"حكايا عمو زياد" و"زياد النبهان". في العام 1990، قدم أوجا أبو الدهب مسرحيته "أسرار الشاطر حسن" على مسرح الاتحاد العام لنقابات العمال في دمشق، وكان يمكن لتجربته، بما تضمنته من عوامل أكثر فنية والتزاماً، ان تستمر وتنجح، لو لم يتجه أوجا أبو الدهب الى الاعمال التلفزيونية. وتبقى فرقة "شارلي شابلن الشام" لمخرجها وبطل استعراضاتها نزار البدين ذات استمرارية وحضور ملحوظين في مواسم مسرحية عدة: استعراض "بس بس نو" 1988 و"شارلي شابلن ورفاقه في المدرسة" 1989 و"شارلي وأمنيات الربيع" و"شارلي وحورية البحر" 1990... ولعل اعتماد هذه الفرقة على الطابع الاستعراضي المميز، بأغانيها الخاصة ولوحاتها الراقصة والتي لا تتقيد كثيراً بالطابع التقليدي، أعطاها مدى واسعاً جابت خلاله جميع المحافظات السورية، بالإضافة الى عروضها المجانية للايتام والمعوقين. وبعد، فإن التعثر الذي يرافق ويطغى على معظم هذه المحاولات والتجارب يستدعي جهود الكل لتأسيس مسرح الطفل في سورية بشكل يبقيه حيوياً وفاعلاً، وذلك عن طريق البحث عن صيغة أفضل، لنربح طفلنا العربي سوياً، مبدعاً وناجحاً.