كنتُ ملتبساً، في الجوانحِ ليل طويلٌ وتحت الشغافِ جروحٌ. شغفتُ بها حين جاءت وألقتْ عليّ مباهجها في مساء الرباط، أكانَ مساءُ الرباطِ خليطاً من الريحِ واللازوردْ؟ لذا سوف يجرحني احمرٌ للشفاه هناكَ ويلكزني عطرها، حطَّ عطرٌ على ساعديّ توغّلَ فيَّ وراح يحاصرني في مساء الرباط. فأيُّ وثاق أتى ايّ وردْ؟ أكان مساءُ الرباطِ خليطاً من الريح واللازورد أتيتُ انا من جسور زجاجيةٍ من مساءٍ تحجّرَ فيه الضبابُ - النباتاتُ من معدنٍ والنجومُ صناعيةٌ والمرايا ملبّدةٌ بالسحاب، فأيَّ البلادِ أتيتُ؟ وأيّ ربيع يخاصرني في مساء الرياحينِ؟ يشربُ عني الرياحَ ويأخذني صوبَ بابِ الرواحِ فهأنذا في السويقةِ، أبتاعُ تيناً لتيهي وخوخاً لخوفي وأمضي… السقوفُ مقصّبةٌ، والدريبةُ تفضي الى الروحِ، ثمةَ رائحةٌ في الزقاقِ سأحضنها… … صلبةٌ كانت الرائحة، تستردُ الصلابةَ من قهرمانٍ قديمٍ من الندِّ والزعفرانِ المندّى بأنفاسِ سيدةٍ، قد تكون خلاسيةً، بزغتْ من دجى الاندلس، فتوارت هنا بين اكياس حنّا ولوزٍ وتمرٍ يضيءُ الليالي، سأتبعها في الطريقِ المؤدي الى البحرِ، ثمةَ لودايةٌ تتمرغُ في حجرٍ غابرٍ، وتباغتني بمقاهٍ معلّقة في الأثير، يمسّد اطرافها الماءُ، فيها الحوائط منقوعةً ببخارِ السواحلِ، ريحانةٌ وربيعٌ هنا وكعوبُ غزالٍ وحلوى من الموجِ، تصعدُ زرقتها لتغطي المناضدَ بالأزرقِ، فالريحُ زرقاءَ، بانت لنا في مساءِ الرباط * * * سأتبعُ رنّتها في الصباحِ وأتبعُ ذاكَ الندى في قطار الخميس، سأتبعُ فتنتها في الأزقةِ بين الحوانيتِ ذاتِ الأغاني الرهيفة، بين الحوانيتِ ذاتِ الخيالِ المطعّم بالفضةِ الطازجة بالحرائرِ والقطرةِ الذهبيةِ، هأنذا سوف أتبعها للحبوسِ حبيس الصدى في الخطى الناعساتِ، حبيس الأنوثةِ حين تفيضُ على شجرٍ قرب نافذةٍ في قطارِ المساءِ، سأتبعها للأقاصي أقصُّ عليها النوادرَ عن مغربٍ غامض وقراصنة في سلا يشربون عصير الحجارةِ، او يغتدونَ بريح ويلتهمون المسافاتِ فوق سطوح السفائن مثل شريحةِ خبزٍ ويحتلمون بيابسةٍ تصطفيها دعةٌ ورخاءْ على سطحِ باخرةٍ في سلا غفتْ رئتي في الهواءْ فالشجيراتُ تأتي إلينا من التلِّ نحو المياه لتمسحَ أسماءنا بالثمارِ، فينداحُ صوتٌ لعبدالوهاب، ليقتحمَ الليلَ والقطراتِ الاخيرةَ في قدحٍ سارحٍ بالنبيذِ، ليخترقَ النومَ في أرجلٍ، تتعانقُ تحت الشراشفِ والطاولاتِ وتحلمُ بالأبديّة أقول لها: سوف اكسرُ هذا الاصيلَ أُشظيهِ ثم أجمعهُ من مياه البحارِ له الف لونٍ ولونٍ، لأصنع منه مرايا صغيرة وراووق مكحلةٍ وحُقَّ عبيرٍ ومسكٍ، هنا فوق سطح باخرةٍ في سلا سأقولُ هلا بالمياهِ العميقة بهذا المحيط الذي يتسرّبُ نحو سراويلنا بالزوارقِ محجوبةً بالرذاذ بتلك القناديلِ تِدخلُ أعماقنا بالشجيرات تحتلُّ احلى المقاعد بالريحِ تلسعنا بالشراع المسافرِ في الجلدِ بالسمكِ المتقافز في الذاكرة بالقرنفل يخدشنا بالرياشِ مبللةً بالنسيم بخيط الصباحاتِ يسحبنا للقلاعِ وللسورِ ذاك الذي صبغتهُ الأصائلُ والشفقُ المستديم أقولُ هلا لزهيرات خشخاشةٍ تتدحرجُ نحو الرغاب لقنّب هندٍ لقصائدَ يكتبها الرعدُ تطلعُ بين شقوق الصخورِ لسيدةٍ سهمتْ تتقرّى سطور الذرى لمساء الرباطِ ومقهى السلامِ أقولُ سلاماً. 4/7/1999 * السويقة، باب الرواح، الدريبة، اللوداية، الحبوس، سلا، هي مواضع مغربية تقع ما بين العاصمة الرباط والدار البيضاء.