ستة اشهر قبل نجاح الثورة الاسلامية في ايران ومغادرة الشاه البلاد وتحت ضغوط الدول الغربية بدأ النظام الايراني يتكلم عن توسيع دائرة الحريات والسماح للاعلام بالتعبير عن تعددية الافكار. بيد ان هذه التصاريح لم تجد تطبيقاً لها على ارض الواقع، والامر ليس وحده نتيجة الضيق الزمني، بل ان سياسة الشاه "الجديدة" كانت مجرد كلام لمماشاة الخط الاميركي الجديد الذي بدأ مع الرئيس كارتر التشديد على حرية الانسان وحقوقه... صحافة ايران كانت تحت رقابة صارمة ولم يكن من حرية محدودة في التعبير سوى في صحف الكاريكاتور والمقالات الساخرة كمجلة "توفيق" التي، عبر القراءة بين سطورها، كان يمكن لمح نقد النظام. اعلام ايران الشاه افرز ايضاً العديد من المجلات المخصصة كالمجلات النسائية او الرياضية، التي مثلها تطرقت لمواضيع اجتماعية او نقدية. صحيفتا "كيهان" و"اطلاعات" كانتا الاكثر توزيعاً وانتشاراً. والرقابة على المقالات المنشورة كانت بالطبع اشد الصرامة. حرية الاعلام كان يجدها الايرانيون في اصغائهم للاذاعات الاجنبية: "بي. بي. سي" صوت اميركا واذاعة اسرائيل وأيضاً في محطة التلفزيون الاميركية التي كانت تبث من... طهران للآلاف من الاميركيين الموجودين في ايران، وكأنها على الأرض الاميركية بما في ذلك بثها النشيد الوطني الاميركي في بداية البرامج ونهايتها. الثورة الخمينية أدت في اشهرها الأولى الى انفتاح اعلامي لا مثيل له في تاريخ ايران الحديث. لم يعد هناك حزب او مجموعة دون وسائل اعلام ناطقة باسمه. اما التلفزيون والاذاعة فقد اصبحا خلال هذه الفترة مركزين للصراع بين مختلف الآراء، صراع كان يمكن للمشاهد تتبعه عبر الفوضى الملحوظة على الشاشة الصغيرة والنقاشات الحادة بين الصحافيين. ابن الثورة المدلل في بدايتها بني صدر اصدر صحيفة "انقلاب اسلامي" التي سرعان ما تحولت الى وسيلة الاعلام الأولى. الثورة الخمينية ادت ايضاً الى ولادة صحافة ايرانية في المهجر. بريطانيا والولايات المتحدة. "كيهان"، صحيفة ايران الأولى، اختارت لندن مركزاً جديداً لها لتبث رسالة سياسية تدافع عن وجهة نظر شاه ايران وخليفته. بيد ان للهجرة بعض الفوائد، اذ ان "كيهان" تحولت، عبر السنين، من صحيفة ناطقة باسم خط سياسي معين تعطي للأيديولوجيا حصة الأسد، الى صحيفة حديثة متعددة الآراء ومهنية على قدر المستطاع. هذه القفزة النوعية جرت وقت كانت الثورة الايرانية بدأت تقتل اطفالها وتلغي حرية الرأي والتعبير. سنة 1984 شهدت المرحلة الاكثر سواداً في تاريخ الحريات في ايران: اغلاق الصحف، هرب المثقفين الى الخارج، فرض رقابة صارمة... وبالطبع الحرب بين ايران والعراق ساهمت في تكريس جو التعتيم باسم المصلحة الوطنية وأمن الدولة. كان على طهران انتظار التسعينات ووصول رفسنجاني الى سدة الحكم. ظهور صحف "كسلام" او "همشهري" مواطن التي اسسها رئيس بلدية طهران، كان من اولى التغييرات الجديدة التي طرأت على منافع الحريات العامة في ايران. فالصحيفتان عبرتا عن خط تحديثي في الشكل والمضمون، مع التركيز على النقد الاجتماعي وصحافة الريبورتاج. وسرعان ما قفزت مبيعات الصحيفتين الى ما فوق مئتي الف عدد يومياً. مجلة اخرى ظهرت سنة 1992 كانت ايضاً رمزاً لانفتاح ايران على العالم: "صفحة اولى" مجلة كانت تترجم مقالات الصحافة الدولية للقارئ الايراني معطية بذلك آفاقاً جديدة للمواطن بعد انغلاق على العالم دام اكثر من عشر سنين... فترة رفسنجاني كانت نوعاً ما تهيئة للمرحلة الحالية. اذ ان الرئيس خاتمي كان وقتذاك وزير الثقافة وبدأ يعطي تصاريح عمل لكل مشروع اعلامي "معقول" ضمن شروط المرحلة. التسعينات شهدت ايضاً صعوداً في مبيعات الصحف نتيجة تحول معظم رجالات ايران الى... صحافيين للتعبير عن آرائهم، خصوصاً ان الرقابة على الكتب كانت اشد تحكماً. وصول خاتمي الى سدة الحكم في شهر ايار مايو 1997 شكل قفزة نوعية في عالم الاعلام، اذ ان شعارات الرئيس المنتخب دارت حول حرية التعبير وبناء دولة القانون. بيد ان نجاح خاتمي لم يعن نهاية المحافظين الايرانيين ونهاية نفوذهم على وسائل الاعلام. ففي المرحلة الأولى جرى نوع من "توزيع الحصص" اذ ظلت محطتا الاذاعة والتلفزيون تحت جناح المتشددين في الجمهورية الاسلامية، بينما بدأ عدد كبير من الاعلام المكتوب، صحف ومجلات، في الصدور وخلق مراكز حوار ونقاش تطاول مجمل المواضيع الحساسة. بيد ان هذا التوزيع لم يدم طويلاً وبدأ المحافظون يشنون هجماتهم على رموز النظام الجديد، بعد شهور قليلة بعد وصول خاتمي الى الحكم. اعتقال رئيس بلدية طهران ثم الافراج عنه وما رافقه من حملة في الصحف للدفاع عن رمز الاصلاح اظهر للمحافظين انه لم يعد من السهل العودة الى الوراء. سنة 1998، اظهرت الاحصاءات ان ايران تطبع حوالى الف صحيفة ومجلة وان هناك سبع عشرة صحيفة يومية تصدر من طهران في الصباح وأربعاً في فترة بعض الظهر. كذلك فان عدد النسخ المطبوعة قفز من مليون ونصف المليون عدد سنة 1997 الى ما فوق الثلاثة ملايين حالياً... اضف الى ذلك تحديثات مهمة في وكالة الاعلام الوطنية ايرنا التي زادت على لغاتها المعتمدة الفارسية والانكليزية والعربية، نسخة يمكن لفاقدي البصر قراءتها، وكانت من أولى وكالات الاعلام في العالم في دخول انترنت. هذا الوجه المشرف للاعلام الايراني لا يعني نهاية المصاعب. المحافظون استطاعوا اغلاق صحيفة "جامعي" المجتمع ومن ثم مطبوعة "توس" التي تعرض العاملون فيها الى اعتداءات قامت بها في ايلول سبتمبر 1998 مجموعات من حزب الله. كذلك فان عدداً من الصحف تلقى تهديدات صريحة بعد الحملة الصحافية ضد مقتل المثقفين والسياسيين في الاشهر الماضية. صحيفة "زن" المرأة، التي تديرها فايزة رفسنجاني، أُغلقت لفترة اسبوعين، اما صحيفة "خورداد" ايار، باسم الشهر الذي وصل فيه خاتمي الى الرئاسة، فقد تعرضت هذا الاسبوع لاعتداءات بالقنابل.