تناقلت وسائل الإعلام أخيراً خبراً علمياً مفاده أن التلسكوب "هابل" الذي يسبح في الفضاء أرسل الى وكالة الفضاء الأميركية "ناسا" صُوراً جديدة تُظهر مجرّاتٍ لم تكنْ مرصودةً من قبل، ففتحت بذلك نافذة جديدة نحو أجزاء مجهولة من الكون. وكان - بسبب من ذلك - أن ارتفع عدد المجرّات كما يقدِّره العلم من 80 الى 125 بليوناً! ما أغرب هذا التسارع في تزايد المعلومات التي بات في إمكان البشر الحصول عليها، بفضل التطور الهائل الذي تحقق في وسائل الاكتشاف والرصد. وما التلسكوب "هابل"، من بين هذه الوسائل، إلا عيْنٌ جبّارةٌ ترى الى مسافات تُقدر بمليارات السنين الضوئية. وهو بذلك لا يرى الى حاضر الكون فقط، وإنما يستطيع أن يرى الى ماضيه وأن يتطلع الى مستقبله، لأن الصور التي يلتقطها يمكنها أن تعطينا فكرةً عن ولادة المجرّات، وكذلك عن مسارات تطوّرها. وما أغرب التسارع أيضاً في تغير تصوراتنا أو في نموها حيال هذا الكون الشاسع الذي يسبح كوكبنا في فضاء إحدى مجرّاته. لقد كان لهذه التصورات أن تتبدل وتغتني خلال عقود أو سنوات قليلة، الأمر الذي لم يحصل مثله على مدى آلاف السنين من الحياة البشرية. ومن الطبيعي أن يكون لهذا الأمر انعكاساته المباشرة أو غير المباشرة على أنماط عيشنا وعلى طُرق تفكيرنا، جماعات وأفراداً. وإذا كانت هذه الانعكاسات لم تترك آثارها الواضحة في مجتمعاتنا حتى الآن، فإن هذه الآثار لا بدَّ لها أن تظهر على نحوٍ أو آخر في المستقبل، ولن يكون في معزلٍ عنها أيُّ بلدٍ من البلدان، متقدماً كان أو متخلفاً. لكم يشعر الواحد منّا، في أي بلدٍ كان، بنوع من الفخر لأنه يعيش في هذا العصر الذي يشهد ظهور انجازاتٍ علمية باهرة، تُوسع من آفاق تصوُّره، وتمنحه الإحساس بعظمة العقل. لكم يشعر الواحد منا بأنه محظوظٌ لأنه يستطيع أن يتابع يومياً، من خلال الصحف أو غيرها من وسائل الإعلام، أخباراً علمية تأتي دائماً بالجديد الذي يمنحه المزيد من تفتح الذهن، والمزيد من المعطيات للتأمل والاستبصار. وكم يشعر الواحد منّا - في بلدان العالم الثالث - بالأسى لأنه لا يملك سوى تلقّي النتائج، فلا يشعر بأنه شريكٌ في تحقيق تلك الإنجازات التي تأتينا أخبارها من البلدان المتقدمة. ويبلغ الأسى ذروته بالواحد منّا - في بلدان العالم الثالث - عندما يتنبّه الى أن المزيد من التقدم العلمي في بلدان قليلة إنما يؤدي الى المزيد من السيطرة على البلدان الكثيرة الأخرى. وهذه السيطرة تتجلى أحياناً في مظاهر من الاستغلال يمكن أن تتجاوز كلَّ حدّ. هل يستطيع العلم أن يوحِّد العالم فعلاً؟ بكلمةٍ أخرى، هل تستطيع الإنجازات العلمية أن تكون مِلْكاً لجميع البشر بحيث يشعرون جميعاً، على اختلاف أعراقهم ومعتقداتهم ومستويات عيشهم، بأنهم يتحمسون لها، ويستفيدون منها، ويجدون فيها سبيلاً للتقدم والارتقاء. ليس هنالك ما يشجِّع كثيراً في هذه الوجهة. ففي حقول العلم أيضاً، هنالك أقوياء وضعفاء، وليس القويُّ كالضعيف فيما يتعلق بالنتائج أو الإنجازات. وكم هو طريفٌ أن نتذكر هنا حدوساً لبعض المفكرين الذين نظروا بحذرٍ الى مسيرة العلم في بعض مناحيها. فالشاعر الألماني غوته، الذي عاش زمان الثورة الصناعية في أوروبا، تنبّأ بأنّ التقدم الصناعي - العلمي يمكن له أن يجرَّ على البشرية مزيداً من الشقاء. وكذلك عبَّر المسرحي السويسري دورنمات عن ارتيابه حيال ما يؤديه العلم من خدمات لشركات أو مؤسسات خفيّة ذات أغراض غير علمية... وذلك في مسرحيته المعروفة "علماء الفيزياء". ولكن على رغم كل هذا، ليس لنا إلا أن نُقر بعظمة العلم وقدرات العقل، وأن نبتهج كلما انفتحت نافذةٌ جديدةٌ في الكون. * كاتب لبناني.