إنتشر تيار الشغب المدمر في ملاعب كرة القدم المصرية مع بداية الموسم 98-1999، وتعرض ناديا المصري البورسعيدي والشرقية لعقوبتين رادعتين من اتحاد الكرة. أفلتت أندية اخري من العقاب. ولكن الظاهرة المزمنة لشغب الملاعب المصرية أطلت برأسها مبكرا هذا الموسم، وطرقت جرس الانذار للادارة والشرطة قبل أن تتحول الأمور الى كارثة قومية. وبات الشغب منتشراً في الملاعب العربية. وشهدناه في المبارة النهائية لدورة النخبة العربية الاخيرة في تونس بسبب اعتراضات لاعبي الافريقي التونسي على قرارات الحكم المغربي عبد الرحيم عرجون في مباراة الشباب السعودي، وتكرر في مباراة النخبة اللبناني والجيش السوري في نصف نهائي كأس الكؤوس العربية الاخيرة في بيروت، وانسحب الاهلي المصري من كأس أبطال الاندية العربية التي ستقام في جدة احتجاجاً على شغب جمهور الهلال السعودي ضده في نهائي دورة الصداقة في أبها. شغب 98-99 مباراة المصري وبلدية المحلة في بورسعيد شهدت انفلاتاً هائلاً لجمهور بورسعيد في الدقيقة 85، وكان الحكم الدولي رضا البلتاجي احتسب خطأ ضد محمد حشمت مهاجم المصري. واعترض حشمت على القرار واستحق الانذار، وبعدما ازدادت اعتراضاته لم يجد الحكم بداً من طرده... وفقد اللاعب اعصابه واندلعت شراره الشغب في الملعب والمدرجات، وألقت الجماهير الحجارة والزجاجات والاجسام الصلبة على الملعب وهتفت بعبارات نابية ضد الحكم الذي هدد بالغاء المباراة. واستمر التوقف طويلاً رغم أن القانون ينص على الغاء المباراة اذا طال التوقف عن 5 دقائق. وزاد الطين بلة مع رضوخ الحكم لتهديدات الجماهير الغاضبة، وتحولت كل قراراته لمصلحة المصري. وسجل هدف الفوز الذي اعطى الجماهير المشاغبة انطباعاً قوياً بقدرتها على التأثير على الحكام للرضوخ أمامها. وتكرر الموقف في مباراة الشرقية ضد الاتحاد في الزقازيق. ولم تكن المباراة مذاعة ايضاً مثل لقاء بورسعيد. وهتفت جماهير الشرقية كثيرا ضد الحكم القاهري عباس احتجاجاً على قراراته، ووصلت ذورة الغضب الجماهيري عندما احتسب الحكم ضربة جزاء للاتحاد واعترض عليها لاعبو الشرقية بشدة وسجل منها الاتحاد هدف السبق. وإزداد الشغب عنفاً وانتشاراً وأوقف الحكم المباراة مراراً ليتمكن الأمن من السيطرة على المدرجات وايقاف الشغب. وتغيرت قرارات الحكم تماماً لمصلحة الشرقية واهداه العديد من القرارات التي سهلت احرازه لهدف التعادل. وخرجت الجماهير مجدداً بانطباع مؤسف عن قدرتها على تعديل النتيجة لمصلحة فريقها عن طريق الشغب. وتعرض ناديا المصري والشرقية لعقوبة من اتحاد الكرة بالغرامة خمسة الاف جنيه، وهو مبلغ تافه لا يعادل التعادل أو الفوز الذي حصل عليه الناديان من ضغوط الجماهير. الهتافات الخارجة وظاهرة الشغب في الملاعب المصرية متنوعة. الهتافات الخارجة عن الأدب من الجماهير بصورة جماعية صارت قاعدة في كل المباريات، ولا تلفت الآن نظر أي حكم لايقاف اللعب أو التهديد بالالغاء. ويذكر التاريخ ان الحكم القديم جلال قريطم كان لاعباً في الزمالك ومنتخب مصر في الاربعينات اعتزل التحكيم نهائياً في الخمسينات احتجاجا على هتافات جماهير الاهلي ضده "شيلوا الرف". ولا تمر مباراة الآن دون هتافات قاسية من الجماهير ضد الحكام، وكان آخرها من جمهوري الزمالك ثم الاهلي ضد الحكم الدولي الشهير جمال الغندور في مباراتي الزمالك ضد الكروم في الاسكندرية والاهلي ضد غزل المحلة في المحلة. ولم يتحرك الغندور لإيقاف المهزلة. العجيب ان تلك الهتافات المؤسفة امتدت الى المباريات الدولية. وكان آخرها في مباراة منتخب مصر واثيوبيا للشباب في بورسعيد في التصفيات الافريقية. وهتفت جماهير بورسعيد ضد النادي الاهلي الذي لم يكن طرفاً في المباراة. وكان طبيعياً ان ترد جماهير الاهلي بسبّ بورسيعد في اقرب مباراة له وتفاقمت الامور في مباراة الناديين معا في القاهرة وحشدت الشرطة اكثر من ألف رجل أمني للحيلولة دون اشتباكات الجماهير. ومنعت الشرطة اكثر من 50 مشاغبا من دخول الملعب ونجحت في انهاء المباراة بسلام. والشغب ليس قاصراً على الملاعب فقط. ولكنه يمتد خارجها ايضا ليشمل المناطق المحيطة بها. الاسماعيلي والمصري وتأججت الاوضاع بين ناديي الاسماعيلي والمصري وجماهير الناديين اللذين ينتميان لمدينتي الاسماعيلية وبورسيعد المتجاورتين، وباتت مباريات الناديين اشبه بمعركة حربية في الملعب وخارجه. وكانت البداية بعيده تماماً عن الملاعب... إذ تعرضت مجموعة من جماهير الاسماعيلي الغاضبة من خروج فريقها من كأس مصر على يدي المصري البورسعيدي بالقاء الحجارة على جماهير المصري العائد من القاهرة، على الطريق الزراعي العابر الى الاسماعيلية، بعد فوز المصري بالكأس في القاهرة. ونجم عن ذلك اصابات بالجملة بين جماهير المصري وتحطيم عدد من السيارات وخسائر مالية ضخمة. وترك الحادث المباغت شعوراً هائلاً بالغضب والرغبة في الثأر في بورسيعد. وجاءت مباراة الناديين في الدوري في بورسعيد الموسم الماضي غير مهمة للطرفين، لكن جماهير بورسعيد اصابت بحجارتها الطائرة كل لاعبي الاسماعيلي وجهازهم الفني دون ان يتدخل الحكم لايقاف المهزلة. ولم يجرؤ متفرج واحد من الاسماعيلية على الذهاب الى بورسعيد لمشاهدة المباراة. ورغم محاولات رئيس الناديين، المهندس اسماعيل عثمان من الاسماعيلي وعبدالوهاب قوطة من المصري، تهدئة الاجواء واقامة مباراة ودية في بورسعيد وتبرع عثمان بمبلغ نصف مليون جنيه للمصري، إلا أن التوتر ظل قائما ووصل ذروته في لقاء الناديين الأخير في الدوري في الاسماعيلية. مرت المباراة هادئة ومتكافئة في ظل تحكيم ممتاز للدولي عبد الستار علي وتعادلا 2-2، لكن جماهير بورسعيد المتعطشة للثأر خرجت من الملعب لتحطم كل شيء في طريقها، واستولت على كل محتويات مطعم النادي وخلفت وراءها اطلالاً مؤسفة. وسرت اخبار الاعتداء سريعاً في الاسماعيلية، وجاء رد الفعل فورياً واعتدى انصار الاسماعيلي على سيارات بورسعيد الماره امام المدينة وزادت الخسائر على مليوني جنيه. ووقف اتحاد الكرة عاجزاً عن مواجهة هذا الشغب بدعوى انه حدث خارج حدود الملاعب. مدربون ولاعبون وتكمن بذور الشغب دائما في اللاعبين والمدربين المتخصصين في الاعتراض على قرارات الحكم بشكل يثير الجماهير المتحفزة ايضاً. وهناك عدد من اللاعبين الذين اعتادوا هذا الجانب من الشغب وعلي رأسهم الشقيقان حسام وابراهيم حسن لاعبا الاهلي صاحبا الرقم القياسي من العقوبات والايقافات من اتحادات الكرة المصرية والعربية والافريقية والدولية. وكانت مباراة الاهلي والاسماعيلي هذا الموسم مسرحا لحلقة جديدة للثنائي حيث تعرض ابراهيم حسن للانذار مرتين وطرده الحكم محمد عبدالمجيد بعد 55 دقيقة وخرج المطرود في هدوء. ولكن شقيقه حسام اعترض على الحكم بشكل صارخ بل وامسكه من ذراعه واسقط البطاقة الحمراء من يده وشده من قميصه بشكل غريب واكتفى الحكم بانذاره بدلا من طرده. وكاد سامح وهبة مدير الكرة في المنصورة يفسد مباراة فريقه ضد الزمالك في القاهرة في الدوري عندما اعترض على قرار الحكم الدولي عبدالحميد رضوان بانذار تامر عبدالحميد لاعب المنصورة. واندفع وهبة الى الملعب محاولا الاعتداء على رضوان، واقتحمت الشرطة الملعب على الفور لحماية الحكم وابعاد المعتدي وتوقف اللعب خمس دقائق كاملة اشهر الحكم خلالها البطاقة الحمراء للاداري وطرده نهائياً من الملعب. وقرر اتحاد الكرة بعدها ايقافه لمدة عام كامل. الغريب أن هذه الواقعة لم تكن الأولى من سامح وهبة الذي فعلها مرارا من قبل دون ان ينال ابدا العقوبة المناسبة. وتعرض جوزيف هيكرزبرغر النمسوي المدير الفني للمقاولين العرب للطرد ايضاً من الحكم الدولي حسن علي في مباراة الزمالك بسبب اعتراضه على قراراته. واقتحم هيكرزبرغر الملعب ايضاً متجهاً نحو الحكم. وتغاضي الحكم احمد عودة عن طرد الألماني مايكل كروغر مدرب المصري البورسعيدي في مباراة الاهلي رغم تكرار اعتراضاته بشكل علني ومثير للجماهير. وكاد الحكم الدولي عبد الستار علي يلغي مباراة الشرقية والزمالك بسبب القاء جماهير الشرقية للزجاجات على لاعبي الزمالك وهي واقعة متكرره في معظم الملاعب. الأسباب "الحياة" حاورت عدداً من خبراء كرة القدم في مصر عن اسباب الشغب وطرق العلاج. عبدالمجيد نعمان اقدم الصحافيين الرياضيين في مصر واكبرهم سناً قال "نقص الوعي في المنازل والمدارس والاندية هو السبب الرئيسي للشغب، وانتشار البطالة يدفع عدداً من المتفرجين غير العاملين الى تفريغ شحنات الكبت والغضب في الملاعب". ويزداد حجم الشغب دائماً بسبب عدم مواجهة المخطئين بالعقوبات العنيفة وتدخل جهات رياضية لتخفيف العقوبة عن انصارها. عديل القيعي مدير النادي الاهلي السابق وعضو لجنة المسابقات في اتحاد الكرة قال: "تدليل اتحاد الكرة للجماهير المشاغبة هو السبب في اندلاعه لاسيما في ملاعب اندية الاقاليم مثل بورسعيد والزقازيق". واخيرا،ً سبّت جماهير بورسعيد النادي الاهلي في مباراة قومية لمصر ضد اثيوبيا بوجود كل اعضاء مجلس ادارة اتحاد الكرة. وللاسف، ابدى عدد منهم سعادة بسماع تلك الهتافات واشادوا بجمهور بورسعيد بعد المباراة. ويزيد من الشغب في مصر التصرفات غير المسؤولة من النجوم الكبار في الاندية. الحكم الدولي القديم حسين فهمي قال: "الشغب في مصر يعود بالدرجة الأولى للضغوط الاقتصادية التي يعاني منها الشعب بسبب الأحوال الاجتماعية الصعبة ويتجه الشخص المكبوت اجتماعياً الى الملعب للتنفيس عن مشكلاته بالسب والقاء الحجارة واثارة الشغب". وعلاج الشغب في الملاعب المصرية ليس قاصراً على اتحاد الكرة والاندية ولكنه يحتاج ايضاً الى علاج المستوى الاجتماعي والاقتصادي واعادة السلوكيات والانضباط الى الشارع المصري. حمادة امام كابتن الزمالك وأشهر لاعبيه في الستينات والمعلق الشهير حالياً ووالد حازم امام النجم المحترف في اودينيزي الايطالي قال: "جميع عناصر اللعبة مسؤولون عن الشغب وتفشيه بداية بمجلس ادارة اتحاد كرة القدم ولجانه المختلفة الى الاداريين والمدربين واللاعبين في كل الاندية والحكام ايضاً... يجب ان تتضافر كل الجهود لمحاربة الشغب قبل انتشاره القاتل ولا يمكن لجهة واحدة مهما بلغت قوتها أن تتصدى بمفردها للشغب. واعتقد ان المصالح الشخصية أولا والتعصب للاندية ثانيا وراء الشغب الذي ازداد في السنوات الاخيرة". رسالة دكتوراة الدكتور عطا حسن المدرس في كلية الاعلام في جامعة القاهرة حصل على درجة الدكتوراة في رسالة عن "احداث العنف في ملاعب الكرة"، وجاءت الرسالة بالغة الصراحة في الاشارة الى أن تجاوز رجال الأمن لحدود الدور المنوط بهم وعدم تعاون الجهات المعنية مع اجهزة الامن تمثل عنصراً رئيسياً للشغب. وجاءت قلة الوعي الجماهيري وانفعالها الزائد ودخول فئة مندسة بين الجماهير في المدرجات تمثل عنصراً ثانياً وهاماً في اندلاع الشغب. ووضع الدكتور عطا المسؤولين في الاندية سبباً ثالثاً للشغب ازاء تدليلهم الزائد وتجاوز اخطائهم والضغوط للحيلولة دون تعرضهم للعقوبات. ويصل الامر الى حد الكذب من مسؤولي الاندية لتبرير اخطاء اللاعبين لاسيما النجوم. ويجيء دور اللاعبين في اعتراضاتهم على الحكام واشاراتهم الخاطئة المثيرة للجمهور. وتعمد اللاعبين للعنف والايذاء يثير الجمهور ايضا. وتمر معظم الاخطاء بلا عقوبات داخل الملعب بسبب سلبية الحكام في مواجهة النجوم والجماهير. واقترح الدكتور عطا تصعيد العقوبات الى ذروتها ضد مثيري الشغب مع فرض عقوبات خاصة ضد الجمهور باقامة المباريات وراء ابواب مغلقة. واخيرا مبادرة الحكم بالغاء المباراة. العلاج اغلب الخبراء اتفقوا على جانبين رئيسيين في العلاج: اولهما الحكام... وأهمية قيام الحكم بردع الشغب فورياً في الملعب سواء بطرد المدرب او اللاعب المخطئ او اخلاء المدرج المثير للشغب، او بالغاء المباراة في حال تفاقم الامور. واستبعاد الحكم الضعيف او الجبان ضرورة ملحة لضمان استقامة عنصر التحكيم في المسابقات المحلية. وثانيهما الردع السريع والمناسب من اتحاد الكرة لكل حوادث الشغب دون النظر لأي اعتبارات. وتدرج العقوبات من الانذار الى الشطب للاعبين والاداريين، بشرط اللجوء أولا الى التحقيق، وتوقيع العقوبات العادلة والمتساوية بين الاندية أمر بالغ الأهمية بحيث تأتي العقوبات ضد الاهلي أو الزمالك مماثلة لعقوبات القناة والكروم. وسبق للاتحاد ان انزل اندية كثيرة الى الدرجة الثانية لانسحابها من المباريات لكنه عجز عن فعل ذلك مع الاهلي عندما انسحب امام غزل المحلة عام 1988 وضد الزمالك عندما انسحب امام الاهلي عام 1996.