كازينو جديد في أريحا، ومبنى آخر فاخر في منطقة تقع بين منازل متواضعة وبيوت من اللبن والصفيح والاسمنت المتداعي أكلها زحف الزمن والتقادم الذي خرب مخيم عقبة جبر، وإلى الشرق يطل المبنى على مخيم نويعمه حيث مجتمع اللاجئين الفلسطينيين القادمين من اللد والرملة. كأنه يشي لهذين التجمعين بشيء من ثمار اتفاقيات أوسلو المرة وتطبيقاتها بسلام طاولات الربح والخسارة. ويتقدم الكازينو كمؤشر على الحدود التي تضعها الدولة الصهيونية بينها وبين الشعب الفلسطيني، حيث تحمل الفلسطينيين مسؤولية الخطيئة في العرف اليهودي فيما ينعم المقامرون من اليهود بارتكاب هذه الخطيئة والحفاظ على ما يتباهى به المجتمع اليهودي من قيم العائلة والاخلاق وفق ميرون بنفينستي الباحث في مركز القدس للأبحاث ومستشار تيدي كوليك الرئيس السابق لبلدية القدس. كازينو أريحا يقع بين مخيمي عقبة جبر والنويعمه، ففي المنطقة الفاصلة أراضٍ عربية فلسطينية واسعة تمت مصادرتها وملاحقة حتى الماشية التي تقتات من عشبها اليابس والأخضر، وإلى الشرق أكثر يقبع المستوطنون من "يهود الموج" أو طلائع مشروع إحياء البحر الميت بمنشآت صناعية متطورة مصنع كاليا للبوتاس، ومواقع سياحية تتصل مباشرة بالمستوطنات والطرق الالتفافية وصولاً إلى مناطق داخل الخط الأخضر الذي يفصل فلسطين 1948 عن فلسطين 1967 من دون المرور بتجمعات فلسطينية. كازينؤ أريحا، شركة استثمارية متعددة الجنسيات عابرة للقارات من عصر العولمة: إسرائيلية - استرالية - فلسطينية - نمسوية... تساهم في مسيرة السلام بتشغيل العمال الفلسطينين في خدمة لاعبي الحظ الإسرائيليين والآخرين القادمين. كازينو أريحا - 150 مليون دولار كاستثمار - 220 ماكنة لعب قمار - 35 طاولة حظ - نماذج بيسك متعددة للرقص المتنوع. وهناك كبار من السلطة شركاء في ملكية الكازينو، هناك السيد خالد سلام المساهم باسم السلطة والمستشار الاقتصادي باعتباره مؤتمناً على الصندوق السري للحساب الآخر الموضوع خارج الحسابات المالية لوزارات السلطة المسؤولة، وفي أربع بنوك رئيسية. كازينو أريحا، تم افتتاحه بعد أيام قليلة من قيام المستعربين بقيادة الجنرال مئير ديغن بقتل الشهيدين عماد وعادل عوض الله بعد مراقبة تحركاتهما بواسطة طائرة استطلاع صغيرة تحطمت إلى الغرب من مدينة الخليل. كلوديا شيفر صاحبة الحضور الدائم في المجتمع المخملي، اعتذرت عن عدم المشاركة في افتتاح الكازينو، ويبدو وبتفسيري الشخصي أن خلفية هذا الاعتذار تعود إلى شعور واضح بمدى هشاشة الوضع والمناخات السلبية التي تلبد أجواء مسيرة تسوية أوسلو، فالكازينو يقع في حدود جغرافية القمع والحرمان واللاجئين وليس في أجواء لاس فيغاس أو الشاطئ اللازوردي. تم افتتاح الكازينو ودنيس روس يتنقل بين غزةوالقدس وتل أبيب والمفاوضات تدور حول ورقة أحمد قريع أبو العلاء واسحق مولخو مستشار نتانياهو، وهي الورقة السرية التي تضمنت تفاهماً بين الطرفين حول المبادرة الأميركية. إلا أن لجنة المفاوضات الفلسطينية رفضتها، ما استدعى حركة ديبلوماسية نشطة للسيد روس لم يعطلها افتتاح كازينو أريحا ومشاركة بعض أركان السلطة الفلسطينية والصف الواسع من عقداء وضباط أجهزة الأمن الذين يتمتعون بحضور لامع ودائم في كل المناسبات من أفراح وأتراح، بدءاً من ضرب نواب مجلس السلطة التشريعي وصولاً إلى حضور افتتاح الكازينو. كما تمت حفلة الافتتاح والطوق الإسرائيلي وعملية الاغلاق الشامل تحيط بالأراضي الفلسطينيةالمحتلة من جانب واحد، بمعنى يمكن للإسرائيليين الدخول والخروج إلى الأرض المحتلة عام 1967 والوصول إلى الكازينو، فيما يحظر على الفلسطينيين تجاوز المعابر والانتقال بين المدن الفلسطينية. المستثمرون الإسرائيليون دفعوا باتجاه إقامة الكازينو، حيث يوفر الفرص الجيدة لاشغال فنادق القدس بالقادمين من السياح، وسياح الطاولات وماكينات الحظ الذين لا ينقطعون صيفاً وشتاءً، وبالاستقادة من خبرات ارفين موسكوفيتش المتمول الإسرائيلي - الأميركي وصاحب عدد من صالات الحظ في عدد من الدول، والمساهم الأول في استثمار عائداته المالية في نهب الأراضي واستيطانها وتهويدها في منطقة القدس. والنية تتجه إلى جلب الزبائن من تركيا التي بدأت تزيد من القيود على سياح الطاولات وأصحاب صالات الحظ، بل اوقفت معظمها. عند اليهود - الخطيئة تقع على الفلسطينيين، والخاطئون من اليهود يرتكبون الأثام في مناطق خارج الخط الأخضر. والفائدة الاقتصادية للمستثمرين، والسيد خالد سلام على الخط في الصندوق السري في البنوك الإسرائيلية الأربعة. على أمل أن تحسن هذه الأموال من الواقع المأسوي لاتفاقيات لها بداية وليست لها نهاية... كازينو أريحا، لا نستطيع أن نتطرف ونقول إنه فاجعة بالمعنى التام والكامل للكلمة، في المقابل نقول إنه عمل مستهجن في وضع خاص آخر يعيشه الشعب الفلسطيني، فمشاريع التنمية الحقيقية التي تزيد من فرص السلام والشعور بنتائجه يجب أن تتوجه أولاً نحو إعادة بناء بنية تحتية دمرها الاحتلال على مدى عقود، ففقدان مياه الشفة الشرب في الخليل وبيت لحم وغزة وباقي الأراضي الفلسطينية، وضرورة تأمين ماء الحياة تعلو على أي مشروع آخر، ومشاريع استثمار الصناعات الزراعية تصنيع المواد الزراعية التي تتعرض للتلف والكساد بسبب الاغلاق المتكرر في الضفة والقطاع أجدى من كازينو يعمل فيه الفلسطينيون كأجراء. وحتى لا نسيء الظن، نسأل السيد محمد زهدي النشاشيبي أبو زهدي وزير المال الفلسطيني إن كانت عائدات الكازينو ستصب في وزارته أم لا. وإذا لم يكن في الامكان الاجابة لاعتبارات لا شأن لنا بها، نسأل الآنسة عبلة النشاشيبي التي تقوم بإعداد الموازنة باعتبارها المدير العام للموازنة في الوزارة. * عضو اللجنة المركزية للجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين.