وافق مجلس إدارة نادي مانشيستر يونايتد في الأسبوع الماضي على عرض البليونير الاسترالي وصاحب إحدى أكبر امبراطوريات الاعلام في العالم روبرت ميردوخ شراء النادي بمبلغ 625 مليون جنيه استرليني. ومنذ الاعلان عن وجود مفاوضات بهذا الخصوص، بدأت حملة قومية في بريطانيا شارك فيها سياسيون وبرلمانيون وإعلاميون وهيئات غير حكومية ضد الصفقة وضد "الاسترالي" ميردوخ العازم على تجريد الانكليز من تراثم الوطني. مصطفى كركوتي يقول في التقرير التالي إن مصير الحملة هو الفشل في ظل نظام السوق الحرة التي تعد بريطانيا في طليعة ركائزها حيث يتحول كل شيء إلى سلعة. ميردوخ ليس غريباً على الرياضة البريطانية بشكل عام، ففضائيته "بي سكاي بي" تمتلك حقوق البث في بريطانيا للعديد من الرياضات بما فيها كرة القدم والملاكمة والهوكي والكريكيت وكرة السلة... الخ. لقد تمكن ميردوخ بقنواته الرياضية الثلاث من تغيير وجه الرياضة البريطانية، بل تغيير وجه البث التلفزيوني للمسابقات الرياضية في بريطانيا. فمن خلال شرائه حقوق البث، فإن المشتركين في قنواته عن طرق شبكة "الكابلات" أو بواسطة التشفير هم وحدهم الذين ينعمون بالمشاهدة، كما ان ميردوخ قدم خدمة أخرى في عالم البث استعارها من الأميركيين وهي Pay per view أي تسديد الرسم لكل مشاهدة. فقبل دخول ميردوخ إلى سوق البث البريطانية في آخر الثمانينات، كان المشاهدون يتابعون تصفيات كرة القدم الانكليزية من خلال البث الأرضي. لقد اتهم البليونير الاسترالي للمناسبة ميردوخ ليس يهودياً كما هو شائع في بعض الأوساط العربية في ذلك الحين بأنه يدمر بيئة البث التقليدية في بريطانيا، في حين أن ما فعله هو اطلاقه انفجار التنافس في ظل قوانين وقواعد "الثاتشرية". وعندما اشترى ميردوخ حقوق بث مسابقات الأندية البريطانية قبل خمس سنوات، اتهم بأنه سيقضي على كرة القدم كتراث قومي، في حين ان النتيجة كانت حصاداً رغيداً من السيولة بين أيدي مجالس إدارات أندية كرة القدم التي بدأت تتنافس على شراء الهدافين الأجانب من السوق العالمية. ويتعرض ميردوخ الآن لحملة مماثلة مفادها ان بيع مانشيستر يونايتد، أهم وأكبر وأغنى نادي كرة قدم بريطاني، إلى ميردوخ "ضربة ماحقة لروح كرة القدم نفسها". لا شك ان هذا الكلام ليس عاطفياً فحسب، بل أنه يتهم ميردوخ بعزمه على السيطرة على "زبدة" كرة القدم البريطانية فيجب على الحكومة منع ذلك. هذا هو الاختبار الأول لعلاقات الود بين ميردوخ وبين رئيس الحكومة البريطانية توني بلير وعضو حكومته وزير التجارة والصناعة بيتر منديلسون. فتحت ضغط هذا الجزء الكبير من الرأي العام، بما في ذلك وزير الرياضة توني بانك ورئيس لجنة كرة القدم لكل الأحزاب البريطانية في مجلس العموم جون آشتون وبعض وسائل الاعلام المنافسة لاعلام ميردوخ، من المتوقع أن يحيل منديلسون الصفقة إلى هيئة الدمج والتنافس التجاري التي تنظر عادة في مثل هذا النوع من الاتفاقيات قبل مباركة الحكومة لها. ولكن، ليس من المتوقع أن تواجه الصفقة أي اعتراض يذكر لعدم وجود منافسين لميردوخ على شراء النادي. والمعارضون للصفقة يحاججون ان ميردوخ بشرائه نادي مانشيستر يونايتد سيتفاوض مع نفسه حقوق للبث على قنوات فضائيته. هذه وجهة نظر من الصعب الدفاع عنها في هذا الزمن لا سيما أن هناك سوابق عدة في هذا المجال في بريطانيا وأوروبا على حد سواء. فصاحب مجموعة مطبوعات "الميرور" البريطانية السابق روبرت ماكسويل الذي وجد مقتولاً بالقرب من يخته قبل سنوات قليلة، كان يملك نادي اوكسفورد يونايتد. والدمج بين امبراطوريات الاعلام والفرق الرياضية تقليد قديم في أوروبا، وقصة رئيس وزراء ايطاليا السابق سيلفيو بيرلوسكوني في بناء فضائياته جنباً إلى جنب مع نادي أي سي ميلان معروفة للجميع. وفي الولاياتالمتحدة هذا النوع من الاحتكارات قائم ومعمول به منذ سنوات. فصاحب فضائية "سي إن إن" تيد تيرنير تمكن من تحويل محطة تلفزيون هامشية في ولاية اتلانتا إلى محطة عملاقة من خلال ادماج المحطة في شبكته الفضائية لبث مباريات فريق البيزبول "اتلانتا بريفز" التابع له. ومعروف أن ميردوخ نفسه يملك أندية بيزبول وكرة سلة أميركية عدة. إن ما يفعله ميردوخ لا يمكن منعه بأي شكل من الأشكال في ظل أنظمة الديموقراطية الليبرالية لاقتصاد رأس المال، فهو يخطو الخطوة الأولى - شاء كثيرون أم أبوا - على طريق راديكالية لدمج الاعلام مع الرياضة. ومهما علت الأصوات المعارضة لهذا التوجه، فإن ذلك لن يحول دون تلوين طبيعة الترفيه التلفزيوني بهذا النهج في القرن المقبل. قد يكون من المحزن - وهو لا شك كذلك - بالنسبة إلى كثير من الناس ما يجري الآن لنادي مانشيستر يونايتد، إلا أن ما يحدث في عصر البث الرقمي هو ان ملعب كرة القدم يتحول إلى مجرد استوديو تلفزيوني. وقد يكون ميردوخ - أو غيره - صاحب هذا الاستوديو