خرجت من قراءة رد السيد محمد خالد الأزعر علي نيابة عن السيد صلاح عز: "كمن يهبط على تاريخ الصراع العربي - الصهيوني من مكان آخر" "الحياة" - "أفكار" 31/8/1998 بانطباع من قرأ الخواطر وبداهات العوام المبثوثة فيه للمرة الواحدة بعد الألف،. تأكيدي المدعوم بالرموز التاريخية والبحوث العلمية في ردي على صلاح عز بأن اليهود أبناء عمومتنا فجّر بركان كراهية اليهود المتفاعل في وجدان الأزعر فراح ذات اليمين وذات الشمال يتعلق بما هو أوْهى من حبال الهواء، زاعماً ان تأكيدي بأن اليهود أبناء عمومتنا أحكام: "يدحضها كل من التاريخ الانثروبولوجي والاجتماعي والسياسي لليهود عموماً والإسرائيليين بخاصة". لا أعلم ما دخل التاريخ الاجتماعي والسياسي في دحض صلة نسبنا باليهود. ويواصل الأزعر قائمة براهينه القاطعة على عدم صحة صلة النسب بيننا وبين أبناء عمومتنا اليهود فيقول: "فهؤلاء المستوطنون الصهاينة في بلادنا، ليسوا أبناء عمومة لنا بحكم الدراسات المتعمقة التي صارت تقليدية الآن لشدة تواترها وثبوتيتها". ويضيف الأزعر فيقول: "والمؤكد ان بوليد لا يعرف كتاب جمال حمدان "اليهود أنثروبوجيا"... الذي فند مقولة العمومة هذه..." صحيح انني لم أقرأ جمال حمدان، لكن مشكلة الأزعر وغيره من الكتاب الملتصقين بكل ما هو محلي والمنغلقين على ما هو عالمي أنهم لا يقرأون إلا لأبناء جلدتهم وما هو مكتوب بلغتهم وما يكتبه أبناء جلدتهم. هذا الانغماس في المحلي يجعلهم أشبه بفلاحي الصعيد الذين يتصورون ان مصر أم الدنيا. والأزعر يتصور ان ما قدمه له جمال حمدان من أساطير عن اليهود والقبيلة الثالثة عشرة الخزرية هو أم الحقائق - على وزن أم المعارك - بينما كل ذلك قبض الريح. ولو أنه كلف نفسه عناء البحث وقراءة كتاب واحد عن موضوعه بلغة أجنبية لعرف ان كل معارفه أوهام وان مقاييسه عن تحديد القرابة بين الأثنيات - لم أترجمها بأعراق لأن العرق علمياً غير موجود - مضحكة من وجهة النظر العلمية. يقول الأزعر ان اليهود ليسوا أبناء عمومتنا بل وأكثر من ذلك لا صلة قرابة بينهم هم أنفسهم الذين جاؤوا كالجراد من زوايا الأرض الأربع "وقد اختلفت بينهم المعالم الوراثية التي تميز الأقارب، الأطوال" ألوان الشعر والعيون والبشرة، محيط الرؤوس". إذا كان هذا "الدليل" مأخوذاً من كتاب جمال حمدان فالكتاب غير صالح للقراءة، لأن إثبات القرابة بين التجمعات السكانية لا يتم اعتماداً على معايير الطول والعرض ولون الشعر والعيون... التي هي فوارق توجد في الاثنية الواحدة، بل وبين افراد الأسرة الواحدة. اثبات القرابة بين الاثنيات اليوم يعتمد الهندسة الوراثية والقرابة اللغوية، وهذان المقياسان العلميان اثبتا بما لا مجال للشك فيه ان اليهود أبناء عمومتنا واخوتنا في الدم وفي الانسانية وفي الجوار أو قل في الجغرافيا والتاريخ. إليك أخي الأزعر ما تقوله دراسة علمية نشرتها السنة الماضية المجلة العلمية الفرنسية "العلم والحياة" كانون الثاني/ يناير 1997 عن القرابة الدموية اليهودية - العربية بقلم البروفسور جرار لوكوت الباحث في المعهد الدولي للأنثروبولوجيا باريس استناداً الى الهندسة الوراثية. أكدت الدراسة: "العرب واليهود منحدرون من أخوين وحيدين وكل منهما ساميّ". وفي تحليله استخلص لوكوت ان "العدادات المسجلة في الپADN الكروموزوم Y المحددة لجنس الذكور لمئة شخص من الأوروبيين واليهود وعرب الشرق الأوسط تتميز بتكرار عدادين مرقمين ب 7 و8 عشرات المرات عند اليهود أكثر مما يتكرران عند الأوروبيين بينما هذان العدادان سائدان عند العرب" .... والدراسات اللغوية تؤكد الشيء نفسه. فاللغات المسماة سامية تشكل المجموعة الأكبر من العائلة اللغوية الحامية - السامية أو الأفرو - آسيوية بينما المجموعة الأخرى من هذه العائلة انقرضت المصرية، أو في حال تقهقر وانكفاء البربرية أو تحاول جاهدة أن تبقى على قيد الحياة في مجموعات بشرية صغيرة كوشنيه - تشاديه والمجموعة اللغوية السامية منتشرة في الشرق الأوسط وافريقيا الشمالية. زيادة على ان اليهود أبناء عمومتنا ويمتون لنا بصلة نسب دموية ولغوية ثابتة علمياً فإنهم قريبون منا دينياً، فاليهودية هي الديانة السابقة للديانتين التوحيديتين المسيحية والاسلام، والقرآن الكريم سوى بين اليهود والنصارى والمسلمين في استحقاق الثواب في الآخرة في الآية الكريمة: "إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون" سورة البقرة - الآية 62. هذه القرابات جميعاً الدموية واللغوية والدينية تمثل أرضية طيبة للمصالحة اليهودية العربية التي دعا اليها الملك الحسن الثاني منذ كامب ديفيد الذي لعب في عقده دور الوسيط النشيط. ان الرغبة المرضية في عداء اليهود تستوجب العلاج السريع. فقد كتب الأزعر من دون ان يرف له جفن: "ما هو أدهى من ذلك وأدعى اعتباري لليهود ابناء عمومتنا مع الأسف، هو منطق بوليد الرافض لإمكان العداوة بيننا وبينهم بزعم القرابة!! لماذا يا أخي هذا العداء الباثولوجي والحقد الأسود على اليهود وتسمية دولتهم الديموقراطية التي ينبغي لنا ان نستفيد منها لنعيد بناء أنظمتنا الاستبدادية على مثالها بپ"التجمع الاستيطاني"؟ كفانا شطحاً في دنيا الخيالات والأوهام لأن حقائق الواقع تعاقب كل من يكابر في الاعتراف بها وقد عاقبتنا بسلسلة من الهزائم المذلة التي لحقت بنا في جميع حروبنا مع اسرائيل. ففي كل حرب نجد انفسنا أبعد ما نكون عن نيل حقوقنا الشرعية المتمثلة في إقامة دولة فلسطينية واسترجاع أراضينا في حرب 1967، لقد جربنا منطق العداوة والبغضاء مع ابناء عمومتنا اليهود فلماذا لا نجرب منطق المحبة والسلام والمفاوضات لنيل حقوقنا. اكثر من 52 في المئة من الشعب الاسرائيلي يريد قيام دولة فلسطينية وهذا مكسب ثمين ينبغي ان ننميه بتقديم أنفسنا ل 48 في المئة من يهود اسرائيل كبشر متحضرين ونبذ سلوكنا المتوحش. * كاتب مغربي مقيم في فرنسا.