هل الفلسطينيون الاميركيو المولد جيل فلسطيني جديد ناشط سياسياً أم انهم ذلك الجيل الذي فقد هويته اوان بلوغه سن الرشد؟ بعد فترة من الركود، طال امدها سنوات، بسبب الاحباطات وخيبات الأمل التي عكسها مسار العملية السلمية في مختلف اوساط الجالية العربية في الولاياتالمتحدة، نشطت مجدداً حركة الشباب الفلسطيني في طليعة جيل عربي - اميركي نشيط للنهوض من حالة الوهن التي اصابت ركيزة العمل السياسي لدى اسلافهم. تجمع مئات الشباب الفلسطيني في واشنطن العاصمة ليشاركوا في المؤتمر الذي عقدته الجمعية العربية - الاميركية لمكافحة التمييز في منتصف شهر حزيران الماضي. وعن هذه المشاركة قال السيد ميشال شحادة، المدير الاقليمي للجمعية في غرب الولاياتالمتحدة: "اننا نشهد جيلاً جديداً من الشباب الفلسطيني يتمتع بنشاط وحيوية نادرين ويحتل مركز الطليعة". فالشبان الفلسطينيون هم الاكثر ثقة بأنفسهم والأكثر الماماً بما لهم من حقوق، وعلى دراية ومعرفة جيدتين حول كيفية العمل من ضمن النظام الاميركي". وتكمن اهمية هذا النشاط في ما يمكن تعريفه بپ"الالتحام المتبادل بين جيلين"، احدهما جيل الآباء والامهات، والجيل الآخر جيل الأبناء، "فجيل الشباب العربي الاميركي الجديد" اي الذين ولدوا في الولاياتالمتحدة او هاجروا اليها في سن مبكرة. لجأ الى الاهل بغية التعرف على الانتماء والبحث عن الهوية الضائعة، في الوقت الذي لم يتوان فيه عن تقديم اي عون او مساعدة الى الجيل الاول، خصوصاً في "موضوع تطوير ثقتهم في المؤسسات بشكل افضل من السابق"، حسب قول السيد شحادة الذي اضاف قائلاً: "وهذا الجيل لا يخشى الانخراط في السياسة. كما انه لا يحمل على عاتقه، بالضرورة، تقاليد وعادات الجيل الاول". وهناك الفلسطينيون الاميركيون الذين هم على عتبة سن الرشد، والذين يحاولون التقليل من شأن هويتهم الثقافية، خصوصاً بعد معايشتهم لتجربة ذات شقين وقد ذاقوا منها سخرية رفاقهم في الدراسة، والشق الثاني تشويه وسائل الاعلام لصورتهم. وهناك ايضاً قسم آخر يقلل بدوره من شأن هويته، لا بسبب السخرية او اضطهاد مورس في حقهم، بل لاعتبارهم ان قضية الهوية الثقافية لا تعني لهم شيئاً البتة، وانها لا تحتل في حياتهم اية منزلة خاصة. فالطالب الجامعي "جان" على سبيل المثال، والبالغ من العمر 22 عاماً، ارتأى عدم زج نفسه في النشاطات التي تقوم بها والدته الفلسطينية الاميركية، المولودة في رام الله، في العديد من المؤسسات العربية الاميركية والفلسطينية في منطقة لوس انجليس. وعندما سئل راي عن رأيه اجاب بعفوية: "ليس من شأن اي احد ان يعرف عن هويتي الفلسطينية". واضاف: "هل عليّ ان اعلن هويتي على قميص ارتديه وامضي متجولاً او اي شيء من هذا القبيل؟ ان لي اصدقاء مقربين ومنهم اسرائيليون ويهود وحدهم يعرفون من اي اصل اتحدر" ثم يضيف: "ما ان يعرف احد ما شيئاً عن كوني فلسطينياً من احد الأبوين، حتى تصبح علاقتنا مع بعضنا بعضاً أمتن من ذي قبل واكثر حميمية، خصوصاً ان افشاء مثل هذه المعلومات لم يعد امراً ذا اهمية". وتقول احدى المدرسات الفلسطينية وهي مساعدة مدير مدرسة ثانوية في جنوب كاليفورنيا ان معيار ما يبذله الشباب الفلسطيني الاميركي المولد يعتمد في مكوناته - العاطفية والفكرية والاجتماعية - على الاهل بصورة خاصة. ثم استعادت السيدة "مها" - وهذا ليس اسمها الحقيقي - ذاكرتها، محاولة ان تحلل واقع تجربتها في نشاطات الجالية في منطقة لوس انجليس، فقالت: "ندرك من خلال العائلات التي نعرفها ان الاطفال الاكثر شعوراً بخلفيتهم الفلسطينية، هم الذين من ابوين فلسطينيين". ثم تستدرك قائلة: "لكن الامر يختلف ان كان احد الوالدين فقط من اصل فلسطيني". وتضيف مها قائلة: "ان كان احد الأبوين فخوراً بتراثه فان مثل هذا الشعور لا ينتقل بالضرورة الى الأبناء بالدرجة ذاتها". وتسجل هذه المربية الفلسطينية انطباعها عن الشباب الفلسطيني الاميركي فتقول بأن الكثير من هؤلاء يترك هويته على مائدة طعام العائلة، لكي يستمتع بالطعام، وفي احيان اخرى، بسماع الموسيقى من غير ان يعتبر الهوية اكثر من قطعة من "الحلوى الاثنية المتعددة الاجزاء" والتي تشكل في مجموعها الولاياتالمتحدة. الا ان القضايا الفلسطينية كثيراً ما نوقشت على مائدة طعام "مها" في الاعوام الماضية، وكان الاطفال يستوعبونها بطريقة طبيعية، وتضيف قائلة انها وزوجها المولود في مدينة الناصرة كانت لهما نشاطات في المؤسسات العربية الاميركية حتى قبل ان يلتقيا. وتضيف مها انها ستقوم بزيارة فلسطين في هذا الصيف وهي زيارتها الاولى منذ 38 عاماً. وسترافقها في رحلتها هذه ابنتاها، كبراهما تخرجت حديثاً من احدى كليات ولاية كاليفورنيا في مدينة "لونغ بيتش". وهذه الزيارة الى ارض الاجداد ليست الاولى اذ سبق لها وان زارت فلسطين ثلاث مرات. ثم تصف "مها" ابنتها: "لقد اصبحت ابنتي نموذجاً يقتدى به ومصدر الهام للعديد من الشبيبة الفلسطينية، بعد ان غدا الفتور طابعاً مميزاً لمواقف بعض هؤلاء الشبيبة من الهوية". ثم تضيف قائلة: "انه لجدير ان نذكر ان الاحتفالات المتعددة في الذكرى الخمسين لذكرى تأسيس اسرائيل ساهمت في امداد بعض الشباب الفلسطيني، زخماً خاصاً، من خلال النبذة التاريخية التي بثت على نطاق واسع من الاعلامين المرئي والمكتوب، في الدعاية لاسرائيل. ومن حسن الحظ ان الكثير من الجوانب التاريخية للقصة الفلسطينية، والتي تم تقديمها بشكل متحيز وانتقائي، قد ساهم من جديد في جعل القضية محطة استقطاب واضحة". اشتركت السيدة مها مع ابنتها البالغة من العمر 22 عاماً في اقامة تنظيم شعبي في جنوب كاليفورنيا قوامه اساتذة وطلاب، عرب وغير عرب. وقد ركز الجميع جل اهتمامهم في اقامة حفلات ثقافية وتنظيم حملات اعلامية في الذكرى الخمسين لنكبة فلسطين. تقول السيدة مها في هذا الصدد: "اتصور ان التغطية الاعلامية في ذكرى تأسيس اسرائيل كان لها الأثر الفعال في اشعال حماس وغضب العائلات الفلسطينية في الولاياتالمتحدة، ما كان مدعاة الى نقاشات عائلية واسعة وحادة". وكان هناك اهتمام اعلامي تركز على عودة بعض الفلسطينيين الى ارضهم التي تركوها عقب حرب عام 1967. وركزت مجلة "النيوزويك" في تناولها موضوع المراهقين الفلسطينيين الاميركيين الذين ارسلهم اهلهم الى مدينة رام الله لمتابعة دراستهم هناك، وذلك "لتجنيب اطفالهم من الانزلاق في مرحلة المراهقة في المدن الاميركية، ولكي يساعدوا ايضاً في بناء الوطن". وقالت "النيوزويك" ان هناك "حوالي 40 الف شخص عادوا الى رام الله منذ عام 1993 اي منذ ابرام معاهدة اوسلو للسلام". مع ذلك فان السلطات الاسرائيلية لا تزال تمانع من دخول فلسطينيين آخرين الى البلاد، فيما يتحرق شوقاً الفتى الفلسطيني ابراهيم المولود في اميركا والبالغ من العمر 14عاماً، الى زيارة ارض والده الفلسطيني الذي قدم الى لوس انجليس مهاجراً. ويصطدم حلم ابراهيم بالكثير من العقبات التي تحول دون تحقيق زيارته المنشودة برفقة والده الذي لا يحمل جواز السفر الاميركي. مع ذلك يقسم ابراهيم قائلاً: "لن اذهب ابداً لأرض الآباء لوحدي بل بصحبة والدي". * صحافية اميركية