الروائع الطبيعية في مغارة جعيتا أوحت لأدباء وشعراء بقصائد وقطع نثرية. وكتب فيها الأديب خليل رامز سركيس: "ليس في جعيتا شمس إلا انها مع ذلك ضياء الحياة التي تنطق فتوجد اذ تتكلم فتتجسّد". عادت مغارة جعيتا القابعة في قلب الجبل والتي تبعد 20 كيلومتراً عن بيروت لتستقبل زوّارها من اللبنانيين والسيّاح العرب والأجانب بعد اعادة تأهيلها لتستحق مجدداً قيمتها الطبيعية. ويعتبر اكتشاف المغارة حديثاً إذ تم على مراحل عدة بدءاً من القرن التاسع عشر. ففي عام 1836 دخلها وليم تومسون المبشّر الاميركي الذي دخلها ليرتاح من عناء السير وتوغل فيها مسافة 50 متراً. ثم صوّب بندقيته صوب العتمة وأطلق عياراً نارياً تردد صداه ثواني طويلة في الجوف المظلم، ما أشار الى ان المغارة عميقة جداً. وفي العام 1873 كلّفت مصلحة مياه بيروت خبيرين اميركيين: بلس مؤسس الجامعة الاميركية في بيروت وماكسويل اللذين دخلا المغارة يرافقهما مهندسان لبنانيان، فتوغلوا في المغارة إلى عمق ألف متر، وتوقفوا لاصطدامهم بحواجز مائية لم يتمكنوا من تجاوزها. وفي عام 1902 دخلها البروفسور وست والدكتور كروفورد الى عمق 1400 متر. وفي عام 1927، وبطلب من الجنرال ويغان، ترأس العالم الأميركي طومسون بعثة من اميركيين وفرنسيين دخلت المغارة حتى عمق 1501 متر، وتوقفت عند منحدرات خطرة. وعادت المغارة تنتظر من جديد، حتى تهيأ لها فريق جامعي لبناني ومعه ليونيل غرّة وألبير انافي دخل عام 1946 وظل يعمل حتى 1949 فبلغ عمق 2800 متر. وفي عام 1951 دخلها لبنانيون سامي كركبي وسابا مخباط وريمون خوام وفريد الزغبي وألبير انافي وظلوا يقومون بتنظيم رحلات استكشافية متكررة حتى بلغوا عام 1954 النقطة القصوى عند مسافة 6200 متر من المدخل، واصطدموا بعنق مائي يحول دون أي تقدم آخر. وأدت هذه الاكتشافات إلى تقدم عملي تمثل في تشكيل "النادي اللبناني للتنقيب في المغاور". تدير مرفق جعيتا السياحي شركة "ماباس" الألمانية بموجب عقد تلزيم على طريقة B.O.T وقّعته مع وزارة السياحة اللبنانية قبل أربعة أعوام يقضي بإعادة تأهيل المنشآت وتحديث الخدمات والاستثمار لفترة 18 سنة على ان تسترد الدولة هذه المنشآت والممتلكات في حالة جيدة. كما أن للدولة اللبنانية حصة سنوية من إيرادات التشغيل. تكوين المغارة تتألف مغارة جعيتا التي يبلغ عمقها سبعة كيلومترات من طبقتين سفلى وعليا. يجري في الطبقة السفلى نبع ومياه غزيرة تتغذى منها منطقة بيروت ونهر الكلب على مدار السنة. وعرض المدير العام للشركة المستثمرة "ماباس" الدكتور نبيل حداد لمواصفات المغارة، فقال: "إن الزائر يتجوّل فيها بطول 550 متراً في قوارب مزوّدة محرّكات تعمل على البطاريات تفادياً لتلوّث المياه ومنعاً للضجيج، وتبحر في انسياب هادئ ليتمتع الزائر باللوحات الطبيعية اللامتناهية. أما الطبقة العليا فهي جافة وهي عبارة عن صالة ضخمة تتميز بارتفاعات نادرة تصل الى نحو 80 متراً وبتجاويف وتعاريج جميلة، يبلغ طولها 2300 متر، لكن المسافة التي تم تأهيلها تبلغ 800 متر فقط، يتجوّل فيها الزائر سيراً". وقال حداد: "إن عمر المغارة لا يمكن تقديره ولا نرغب في معرفته على حساب أي صخرة تنتزع لتخضع للتحليل. فنحن مؤتمنون على هذه المغارة وروائعها". وأوضح: "ان المغارة تفتح ابوابها للزوار على مدار السنة وتقفل في كانون الثاني يناير من كل سنة لإجراء الصيانة السنوية". وشدد على "ان الزيارة في الشتاء والربيع لها ميزاتها ورهجتها ايضاً لأن الحرارة ثابتة في داخلها ودافئة تصل الى 22 درجة. وتشهد المغارة العليا غزارة في تساقط المياه، اما في السفلى، ولاستمرار التجوال في القوارب، فقد اقمنا شبكة سدود لتهريب المياه التي يعلو منسوبها في فصل الشتاء". برنامج الزيارة يستغرق برنامج الزيارة لمغارة جعيتا فترة ساعة ونصف الساعة، وحددت التعرفة للكبار ب 500،16 ليرة لبنانية ما يعادل 11 دولاراً وللأولاد دون 12 عاماً ب 500،9 ليرة. والزائر هو الذي يحدد فترة تجواله في الداخل. وقال حداد: "ان البرنامج يبدأ باستقبال الزائر من المدخل ليصعد في التلفريك الى المغارة العليا حيث توجد صالة ضوء وصوت يعرض فيها فيلم مدته 23 دقيقة يعرّف الزائر وبلغات عدة كيفية تكوين الاشكال الهندسية فيها وعلاقة البشر مع المغاور في التاريخ وتاريخ اكتشاف المغارة وإعادة تأهيلها لينتهي بصوَر رائعة عن اللوحات الطبيعية في داخلها مع موسيقى كلاسيكية. وهذا الفيلم الشامل يغني عن الدليل. وتستغرق الزيارة للمغارة العليا نصف ساعة وللمغارة السفلى ربع ساعة". ويضم مرفق جعيتا الى المغارتين بيتاً لبنانياً و"كافيه تروتوار" وسناك ومطعماً وصالة مسرح ومواقف تتسع ل 500 سيارة وأخرى خاصة بالباصات. وقال حداد: "أردنا ان نجمع في هذا المرفق الحركة السياحية والترفيهية والنشاطات الثقافية. ووضعنا برنامجاً لصيف 1998 يتضمن رحلة نغمية صوفية في قلب المغارة، وحفلاً موسيقياً لمجموعة ألمانية تعزف على الكمان والقيثارة اضافة الى معارض تضم رسومات فنية". حركة الزوار في امكان مغارة جعيتا ان تستقبل يومياً عشرة آلاف زائر، ويتوقع حداد "ان يكون عددهم هذه السنة اقل لأسباب عدة منها تأخر فصل الصيف عن المعتاد، والوضع الاقتصادي الذي ينعكس سلباً على السياحة الداخلية وإجراء الانتخابات البلدية والإختيارية وأخيراً المونديال". وقال: "نركّز في برامجنا على إحياء النشاطات الثقافية لزيادة الحركة، كما نجري اتصالات مع الخارج لاستقطاب السيّاح والمجموعات الفنية العالمية". ولفتت ادارة شركة "ماباس" الى ان مرفق جعيتا السياحي شارك في المباراة العالمية التي يشرف عليها اتحاد منظمي السفر والسياحة الالمانية لأفضل مشروع متكامل وعملي يتلاءم مع البيئة ويحافظ عليها. وكان مرفق جعيتا من بين المشاريع السياحية العالمية الأربعة الأولى الذي حصل على تنويه خاص من المنظمة من بين 43 متبارياً. ويعتبر تنويه هذه المنظمة المهمة الذي نشر في الصحف الالمانية شهادة قيّمة للصناعة السياحية في لبنان برعاية وزير السياحة نقولا فتوش.