هل دخلت جماعة "الإخوان المسلمين" المحظورة في مصر مرحلة جديدة تقوم على مهادنة السلطة، حتى يتفرغ قادتها لمواجهة التفاعلات الداخلية والأزمات بينهم وبين قطاع عريض من المسؤولين فيها واعضائها الى درجة اصابت نشاط الجماعة بالشلل والجمود طوال السنتين الماضيتين؟ اللافت أن معدل الحملات التي تشنها الشرطة على اعضاء الجماعة انخفض كثيراً، مقارنة بما كان يحدث قبل عامين، وفي الوقت نفسه، لا يمكن تجاهل إعلان "الإخوان" تأييدهم مرشح الحكومة لمنصب نقيب المحامين، أو المرور عليه، من دون اثارة علامات استفهام. ما دار داخل الجماعة من تفاعلات طوال سنوات طويلة ظل أسراراً غير مسموح التصريح بها، أو الحديث عنها حتى بين الاعضاء، وساعد استمرار الصراع بين الجماعة والحكومات المتعاقبة على التفاف الاعضاء حول القيادة. وبقي مكتب الارشاد، وهو أكبر سلطة فيها، بما يضمه من أعضاء تنتمي غالبيتهم الى الحرس القديم، المهيمن والمسيطر على مقدرات الأمور. في موازاة ذلك احجم بعض الاخوان عن طرح تحفظات لديه خشية الاتهام بمساعدة الحكومة على "ضرب الجماعة والتكنيل بها"، او الاساءة الى "الدعوة ووضع العراقيل في سبيل انتشارها". لذلك لم تشهد الجماعة، خلال تاريخها، خروج مجموعات كبيرة من اعضائها دفعة واحدة سواء بالإقالة او الاستقالة. واقتصرت الظاهرة على فرد او اثنين من فترات متباعدة. لكن ازمة حزب "الوسط" التي ظهرت في مطلع 1996 اظهرت ان الجماعة كانت تموج طوال سنوات بالتفاعلات، وتمزقها الخلافات وتعصف بها المشاحنات الداخلية. ويقول قطب بارز آثر الابتعاد عن الجماعة ان "الاخوان" لا يعتدون كثيراً بالصدام مع الحكومة اذ انهم مقتنعون بان ذلك "اختبار من الله"، وان عليهم ان "يصبروا حتى يزيح الله الغمّة ويمكّن الدعوة من الانتشار والسيادة". كما ان القبض على عدد من قادة الجماعة واعضائها تم اطلاقهم او محاكمتهم وصدور احكام بالسجن عليهم امر "لا يؤثر على مستقبل الدعوة". اذ ان "الاخوان" ينظرون بالتقدير الى من سجنوا، من "اجل الدعوة" كما ان "شرعية السجن" تنعكس عادة على مكانة العضو وترتيبه التنظيمي، فتمنحه "شرعية القيادة واحترام الاعضاء". كما ان الاخطار الخارجية التي واجهتها الجماعة، منذ نشأتها على يدي مؤسسها الاول الشيخ حسن البنا في 1928 بما فيها مرحلة الصدام القديم مع العهد الناصري، لم تضعفها وانما زادتها صلابة واكسبتها تعاطف قطاعات من المصريين والعرب. وجاءت استقالة رئيس الجهاز السياسي وستة من اعضائه لتؤكد ان ازمة حزب "الوسط" لم تكن مجرد ازمة عابرة وانما بداية مرحلة جديدة دخلتها الجماعة. ولا يعرف متى تخرج منها او ماذا ستكون نتائجها؟ فمصادر "الاخوان" تؤكد ان اعضاء مكتب الارشاد ما زالوا عند موقفهم في معارضة اي آراء تطرح لتفعيل نشاط الجماعة من جانب الجيل الثاني في التنظيم الذي كان مؤسسو "الوسط"، ويشكلون غالبية اعضاء الجهاز السياسي فيه. واذا كان قادة الجماعة اتهموا مؤسسي "الوسط" بأنهم اداة في يد اجهزة الامن والحكومة، فان وجود عناصر بين اعضاء الجهاز السياسي من الذين عارضوا تشكيل حزب "الوسط" ينذر بأن الخلاف بين مسؤولين واعضاء في الجماعة من جهة وبين القيادة لا يقوم فقط على رغبة بعض العناصر في ممارسة العمل العام وفقاً للقوانين المعمول بها في البلاد وانما يمتد ايضاً ليشمل من يرون ان سياسات القيادة لا تتفق أساساً مع المبادئ التي ارساها البنا ونشأت عليها الجماعة.