تمر اليوم 40 سنة على الانقلاب العسكري الذي أطاح النظام الملكي في العراق، ومعها تطرح نفسها على العراقيين، كما الحال كل 14 تموز، تساؤلات لعلها تعكس مشاعرهم الإنسانية المعذبة بدل أن تقوم على تحليلات "علمية" أو "ثورية"، "تقدمية" أو "رجعية"، "ماركسية" أو "ميتافيزيقية". بعض العراقيين يعتبر ذلك اليوم "أغراً"، فيما يعتبره بعض آخر يوماً "أسود" في تاريخ بلادهم. عراقيون سيستقبلون هذه المناسبة محتفلين بها وعراقيون آخرون سيستعيدون بحزن أحداث ذلك اليوم الذي بدأ بتحرك وحدات عسكرية في اتجاه الاردن، كما كان مقرراً، لكنها بدل ذلك دخلت فجراً بغداد وسيطرت عليها تنفيذاً لخطة وضعها الزعيم اللواء عبدالكريم قاسم، الذي كان يرأس حركة الضباط الأحرار السرية، ونفذها زميله العقيد عبدالسلام عارف. وخلال ساعات قليلة حُسم الوضع وأعلنت "الجمهورية العراقية". المحتفلون سيتحدثون عن "التحام جماهير الشعب والجيش" في "صبيحة" ذلك اليوم الذي تحققت فيه "ثورة 14 تموز المجيدة" التي حطمت "السجن الكبير". ولعل كثيرين منهم سيشاطرون أصدقاء لهم الجواب، للمرة الأربعين، عن السؤال الذي لا شك سيُطرح: أين كنت في ذلك اليوم؟ هل قبعت في البيت خائفاً أم خرجت الى الشارع كي تشارك في كتابة التاريخ؟ المحزونون سيتذكرون ذلك اليوم الأليم الذي خرج فيه الملك فيصل الثاني على رأس أفراد العائلة المالكة من قصر الرحاب وهم يرفعون نسخاً من القرآن كي يستسلموا للحرس الملكي، الذي انضم في اللحظة الأخيرة للقوات الانقلابية، عندما فتح ضباط نار رشاشاتهم على المستسلمين وقتلوهم جميعاً. والأكيد أن هؤلاء سيذكّرون المحتفلين بأن لا شيء مشرفاً في كتابة "تاريخٍ" شهد فظاعات وحشية من قتل وتنكيل بجثث "الرجعيين" وسحلها في شوارع بغداد قبل حرقها وسط تهليل الجماهير. سيقول المحتفلون ان "كتابة التاريخ" في 14 تموز يوليو 1958 تمثلت، على صعيد استراتيجي، في "اعادة" العراق الى الصف القومي العربي بعد اخراجه من السيطرة "الاستعمارية" وانهيار "حلف بغداد" و"تحرير" النظام النقدي من الكتلة الاسترلينية والتحالف مع "المعسكر الاشتراكي" بقيادة الاتحاد السوفياتي و"حركات التحرر الوطني". ماذا على الصعيد الوطني؟ لعل مبالغة المحتفلين بالإطناب على المحاسن "الاستراتيجية" هي للتستر على فضيحة "الحريات" التي تباهوا في البداية بأن "الثورة" أطلقتها. طبعاً هناك "الدستور الموقت" الذي بشر العراقيين بأنهم عرباً وأكراداً "شركاء" في الوطن الواحد، وهناك الصحف الناطقة باسم أحزاب وجماعات، وهناك "محاكمات الثورة" التي أعدمت وسجنت "أذناب" العهد الملكي، في البداية، ثم "المتآمرين" على "الزعيم الأوحد" لاحقاً. أمرٌ واحد قد لا يختلف عليه المحتفلون والمحزونون، هو أن تاريخاً لأفظع مآسٍ وكوارث يمكن أن يمر بها الشعب العراقي، وربما أي شعب آخر، بدأ في 14 تموز 1958. وهذه هي الحقيقة "الساذجة"، مهما أصر المحتفلون، على أشكالهم، على أن سببها هو "إنحراف الثورة عن أهدافها الأصلية". هكذا أدى "الإنحراف" الى "تصحيح" مسار "ثورة" 14 تموز في "ثورة" الثامن من شباط فبراير 1963، و"تصحيح" آخر في "ثورة" تشرين الثاني نوفمبر من السنة نفسها، تبعته محاولات "تصحيحية" فاشلة حتى جاءت "أم التصحيحات" في 17 - 30 تموز 1968. 14 تموز 1958... يا لها من ذكرى