يحيي لبنان طيلة شهر تموز يوليو الحالي "عرساً" حقيقياً للصورة الفوتوغرافية يشمل مناطقه كلها. والصورة الفوتوغرافية على انواعها ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بالتاريخ اللبناني منذ القرن التاسع عشر مروراً بحقبات الانتداب الفرنسي والاستقلال الى اعوام الحرب، وهي اليوم في حلّة جديدة تواكب اعادة الاعمار وتشهد ازدهاراً ملموساً يحيي في الاذهان ايام العز التي عمّت لبنان في الستينات عندما كان المصوّرون يصطفون على الطرقات لالتقاط صور للمارة والسواح. بداية عريقة استاذ الفن التصويري في الجامعة اللبنانية - الاميركية المهندس بسام لحود، استاذ تاريخ الصورة الفوتوغرافية اللبنانية بأنواعها المختلفة، ويقول ان "التصوير الفوتوغرافي في لبنان بدأ منذ القرن التاسع عشر مع مصورين اجانب من جنسيات متعددة برز منهم المصوّر الفرنسي بونفيس. وقد عرض هؤلاء صوراً عن لبنان في كبريات المتاحف العالمية، ولم يكن عرض الصور في القرن التاسع عشر دارجاً بعد فكان مصوّرو العائلات اللبنانيون يحتفظون بأعمالهم في ارشيفهم الشخصي. وظهر في الثلاثينات والاربعينات والخمسينات التصوير في الاستديو وازدهر في شارع "باب ادريس" في بيروت. ومن الاسماء التي برزت "الدقوني" و"دالاتي" الخ... وفي الستينات عرف لبنان ظاهرة "مصوّري الشارع" الذين يتمركزون في الاماكن السياحية، خصوصاً في ساحة الشهداء او في المطاعم والملاهي، ليلتقطوا صوراً فورية للسواح مع ظهور كاميرا "البولارويد"، او يظهّرونها في الاستديوهات القريبة. وبرزت في تلك الحقبة الذهبية من تاريخ لبنان اسماء مصورين برعوا ومنهم مانوك اللبناني الارمني الذي اشتهر في التقاطه الصور السياحية… ولما اندلعت الحرب سافر الى كندا تاركاً وراءه فراغاً كبيراً". ازدهار الصورة في... الحرب اللافت ان جمالية الصورة اللبنانية وأهميتها بلغتا الذروة في اعوام الحرب. ويروي لحود انه "في زمن الحرب ظهرت مواضيع جديدة. ومن المصورين الذين لاحقوا الاحداث الاليمة بعدساتهم في اواخر السبعينات والثمانينات: جورج سمرجيان، ستافرو جبرا، جورج فالوف، جوزف معلوف، وجوزف أبي رعد. ومن المصورين الصحافيين: نبيل اسماعيل، ورمزي حيدر، وعباس سلمان، وجوزف فضول، وشمعون ضاهر وسواهم. وفي فترة الحرب ايضاً ظهرت الصورة الدعائية ومن الاشخاص الذين برعوا ميشال عساف. وتعتبر الصورة الدعائية اليوم من اقوى الصور التي تلاقي رواجاً كبيراً بسبب ما تدرّه من اموال". عصر الصورة السياحية ما ان انتهت الحرب ووضّب المحاربون اسلحتهم حتى برزت الصورة السياحية من جديد وكانت توقفت منذ الثمانينات. ويقول لحود انه اول من عاد لتصوير المناطق اللبنانية بجمال طبيعتها وتراثها. وبدأت الشركات الخاصة والمؤسسات العامة تتهافت لشراء الصور السياحية، ودبّ الحنين في قلوب اللبنانيين الى زمن الماضي فازداد الطلب على الصور القديمة بالاسود والابيض واللون البني المحروق ومنها ما يعود الى القرن التاسع عشر، وصدرت كتب تحفل بصور الحنين هذه. وفي الثمانينات بدأ التصوير الفوتوغرافي يدخل في المناهج التعليمية في الجامعات اللبنانية، وافتتحت جامعة الروح القدس - الكسليك العام 1985 فرعاً للتصوير الفوتوغرافي هو الاول في لبنان. وبدأت هذه المادة تعطى ضمن عدد من الاختصاصات كالفنون الجميلة والاخراج والصحافة. وتجدر الاشارة هنا الى انها ادخلت في السبعينات الى بعض الجامعات اللبنانية لكن في صورة محدودة. من جهة اخرى لم يعرف لبنان الصورة الفضائحية وصور التجسس كما في البلدان الغربية. ويقول لحود: "ربما كان هناك "اجهزة" معينة تلتقط هذا النوع من الصور وأنا ليس لي علم بها. اما موجة الصور الفضائحية التي برزت في أوروبا فلم تنتقل الى لبنان لأن المصور اللبناني بحكم تربيته الشرقية حافظ على اخلاقية معينة. لكن المصور الفوتوغرافي في لبنان، على رغم التزامه الدائم قواعد اللياقة، يعاني صعوبات جمّة ابرزها عدم احترام الناس له وتفضيلهم الصحافي الذي يكتب، وضآلة المردود المادي، ونسخ صوره من دون الحفاظ على حقه، بالاضافة الى عدم احترام قيمة الصورة التي تعني الكثير للمصوّر الذي يلتقطها". ويرد لحود بعض هذه الامور الى الشخصية الضعيفة لبعض المصورين الذين لا يفرضون احترامهم، ويعتبر انه "يجب على المصور ان يتمتع بثقافة اجتماعية وفنية واسعة حتى يتمكن من ادخال الصورة في اطار الموضوع المطلوب". عودة مجد الصورة مجد الصورة الفوتوغرافية الذي عرفه لبنان في الستينات والسبعينات عندما كان المصورون يلاحقون السواح والمارة وتتنقل عدساتهم في ربوع المناطق اللبنانية مخلّدة اللحظات السعيدة سيعود مجدداً. ويقول لحود: "لقد عاد المصورون يستفيدون من السهرات في المطاعم والملاهي لالتقاط الصور وبيعها والربح. لكن الصورة السياحية كما عرفت قديماً لن تعود لأنه اصبح من السهل على كل شخص ان يحمل كاميرا ويصوّر ما يشاء، فموجة المصورين السياحيين لن تعود كما في الماضي لأن الناس اليوم لا تتطلع الى النوعية بل تهتم بتخليد اللحظة فقط". هذا وتظهر في لبنان اليوم، وخصوصاً في شهر الصورة، مشاريع تشجع المصورين اللبنانيين الشباب وتفتح امامهم مجالات وتتيح لهم ابراز مواهبهم ومنها مثلاً "محترف بل" الذي افتتحه بسام لحود اخيراً في عمشيت. وهو مركز لقاء للمصورين يعرضون فيه اعمالهم ويتضمن متحفاً يعرض كل ما يتعلق بالصورة.