اثارت الرواية التي اصدرها الروائي البريطاني حنيف كريشي اخيراً غضب شقيقته ياسمين بسبب ما جاء فيها من اساءة للعائلة حسب رأيها. كتب حنيف رواية "حميمية"، معتمداً بشكل رئيسي على سيرته الشخصية، فهو من أب باكستاني وأم انكليزية. "حميمية" هي ثاني عمل يتكئ فيه الروائي على تفاصيل حياته وحياة عائلته، بعد رواية "بوذا الخاص بالضاحية"... لكن هذه التفاصيل بقدر تعلقها بأشخاص واقعيين، فإنها تخرج من قدسية العمل الادبي البحت، حسب رأي الشقيقة. ما أثار ياسمين هو الحوار الذي أدلى به شقيقها لجريدة "غارديان" قبل مدة. تحدث عن بيت متواضع عاش فيه، عن جده لأمه العامل البسيط، عن امه التي عملت في مصنع للأخذية. ترد الاخت بحدة على الجريدة، مؤكدة على الحياة السعيدة التي عاشتها الاسرة في الماضي. مذكرة ان الجد كان يملك ثلاثة دكاكين في الحي، وان الأم كانت التحقت بصباها بكلية للفنون، ولم تكن كما يصفها شقيقها امرأة غير متعلمة. لكن اكثر ما ازعج ياسمين تعرض شقيقها لوالدهما الذي تحمل له ذكرى طيبة في خاطرها: "سأفعل اي شيء اقدر عليه للتأكد من ان سيرته لن تتعرض للفبركة من اجل تسلية الآخرين"، تقصد الأب الذي كان قد توفي قبل خمس سنوات، والذي رفض الحديث مع ابنه لمدة سنة في اعقاب روايته الأولى، بحجة انه "سلبني كرامتي". يعود اصل المشكلة الى ان حنيف كريشي اعتاد الكتابة ما مازجاً ما بين الخيالي والحقيقي. وربما تتشوش عليه الحقائق من بعد. وهو حينما اصدر روايتيه، ثبّت عليهما انهما رواية لا سيرة ذاتية، وهذا يعني اننا يجب ان نخضعهما لشروط العمل الادبي، وحقه في استغلال الواقع. وقد دافع عنه احد النقاد قائلا انه لا يمكن التدخل بخيال الكاتب وتقييد حريته، بما يحد من رحلة اكتشافاته الابداعية لمضامين فلسفية في حياته الخاصة. ومن هنا جاء سوء التفاهم، فعائلة الروائي لا تستطيع ان تحقق هذه القفزة من شخصية حقيقية محبوبة إتكأ عليها ابنهم، الى شخصية خيالية استغلت للتعبير عن اراء معينة. في الوقت نفسه، فات الكاتب كريشي ان هذا الاستغلال للواقع اساء لمشاعر عائلته التي اتهمته "باعنا لأجل تحقيق مجد ادبي ومعنوي". يبدو الحديث عن هذه الاشكالية في غاية التعقيد. فما هو حميمي وخاص غير مثير كفاية لأن يكون عملاً ادبياً، في اغلب الاحايين. هل يحق للمبدع اذن ما لا يحق للمؤرخ الرسمي، في سرد تاريخ من يعرف؟ قبل سنة اعد مسؤول برنامج "ساوث بانك" في التلفزيون البريطاني برنامجاً خاصاً عن عازف البيانو الشهير ديفيد هيلفجوت بمناسبة عرض فيلم "شاين" الحاصل على الاوسكار، والمأخوذ عن قصة حياته. في البرنامج، تحدثت شقيقة العازف عن عدم صحة المعلومات التي وردت في الفيلم، من ان الأب كان حاد الطباع، وانه كان يضرب ابنه بعنف! وهي معلومات استمدها كاتب السيناريو من هيلفجوت نفسه. الكاتب سلمان رشدي كان تعرض هو الآخر لتصحيح مشابه قبل سنوات. وللصدفة، فإن التصحيح جاء من اخته ايضاً. اذ رفضت سامين - وهذا اسمها - ما ذكره شقيقها عن أبيهم، من انه كان رجلاً غير متعلم، اشترى مكتبة غيره ليتباهى بها. صححت سامين قائلة: "بلى، كان ابي رجلاً متعلماً وفاهما... يستشيره الناس في كثير من الأمور"! دائما هن الاخوات إذن! وعلى المبدعين محاذرتهن، نساء العائلة، حارسات كبريائها والحافظات على ذاكرتها من التشوش! ربما انهن كن أقل عرضة للقسوة من قبل الآباء، فلم يحمل وجدانهن اي ضغينة. وربما انهن أقل حساسية لمعنى خلق عمل أدبي، ولضرورة ان تضحي العائلة قليلاً بسمعتها، وتغض النظر عن تفاصيل ادبية تتداخل مع تاريخ هادئ ورصين