في السادس من آذار مارس الماضي صدق "الانترناشول بورد" الهيئة التي تضم اتحادات كرة القدم البريطانية ويلز وانكلترا واسكتلندا وايرلندا الشمالية، الجهة الوحيدة المخولة تعديل قوانين كرة القدم، على قرار منع الاعاقة من الخلف في اجتماع عقدته في باريس. وأثار القرار ردود فعل متفاوتة فاعتبره مثلاً مدرب المانيا بيرتي فوغتس ضد اسلوب اللعب الاوروبي عموماً والالماني خصوصاً وهو يعطي أفضلية لمنتخبات القارات الاخرى، بينما اعتبر آخرون انه لا يبدل في شيء كما رحب به كثيرون ولا سيما المهاجمين، لأن القرار موضوع لحمايتهم من أي اصابة. وكان الاتحاد الدولي لكرة القدم برئاسة هافيلانج سعى منذ سنوات لوضع حد للاصابات التي يتعرض لها المهاجمون من جراء الاعاقة من الخلف وأبرز ضحية هو المهاجم الهولندي الفذ ماركو فان باستن الذي اجبر على التوقف وهو في عز عاطئه بسبب الاصابة في كاحل القدم. ودار صراع قوي بين "الانترناشول بورد" والاتحاد الدولي فيفا حول هذه النقطة اذ اصرّ فيفا على الغاء الاعاقة من الخلف تماماً من كرة القدم في حين اعتبر "البورد" ان الغاء الاعاقة من الخلف تغيير جذري في اللعبة كما انه لا يريد ان يفرض عليه فيفا اي شيء. وبعد مناقشات طويلة توصل الطرفان الى مخرج يرضي الجميع اذ يحمي المهاجمين من دون ان يلغي الاعاقة من الخلف نهائياً. واعتبر كل طرف انه انتصر اذ صرح السويسري جوزف بلاتر الرئيس الجديد لفيفا بعد اسبوع من صدور القرار "الاعاقة من الخلف ذهبت ولن تعود...". ويشتمل القرار الذي اصدره "الانترناشونال بورد" على 18 نقطة مقسمة بالتساوي على ثلاث فئات. وتشمل الفئة الاولى الاعاقة من الخلف غير الخطيرة وتكون قدم اللاعب المخالف على الارض وتستدعي هذه المخالفة ركلة حرة مباشرة فقط. وفي الفئة الثانية نجد الاعاقة من الخلف عندما تكون ساق المخالف مرفوعة بعض الشيء وتستدعي انذاراً وركلة حرة مباشرة. اما الفئة الثالثة فهي عندما يتدخل اللاعب المخالف بخشونة زائدة ما يستدعي الطرد وركلة حرة مباشرة. ولا يشير القرار الى اعاقة صحيحة من الخلف ما يضع الحكام في حيرة من أمرهم، فحتى لو اصاب اللاعب الكرة بانزلاقة من الخلف سيضطرون لاعطاء ركلة حرة على الاقل.وكل أمور كرة القدم قابلة للنقاش من التشكيلة التي يضعها المدرب الى المقال الذي يكتبه الصحافي، فكيف بقرار غير واضح مثل الاعاقة مثل الخلف؟ وانتظر الجميع بداية المونديال لتحديد ما اذا كان الحكام سينصاعون لتعليمات الفيفا الصارمة. وتبين من المباريات الاولى للمونديال ان الاعاقة من الخلف لا تزال موجودة مثل السابق وفي 22 مباراة لم يطرد سوى لاعبين فقط بسبب الاعاقة من الخلف هما الجنوب افريقي فيري ضد الدنمارك اول من امس والكوري الجنوبي ها ضد المكسيك السبت الماضي... في حين مرت اعاقات من الخلف عديدة من دون عقاب فعاد الجدل الى الواجهة. ووجد الاتحاد الدولي نفسه محرجاً امام المهزلة فزار البرازيلي جواو هافيلانج رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم والرئيس المنتخب جوزف بلاتر مقر اقامة الحكام حثياهم على احترام القوانين الجديدة وعلى التعامل مع مرتكبي الاعاقة من الخلف بحزم اكبر. يذكر ان الاتحاد الدولي زود الحكام والاتحادات الاعضاء شريط فيديو مدته 7 دقائق، لكن هذا التدبير لم يساعد بعض الحكام في تكوين فكرة واضحة عن الأمر. ويقول الحكم الفرنسي ماركا باتا المشارك في المونديال ان "تعلميات رئيس لجنة الحكام في فيفا ديفيد ويل واضحة وتمنع الاعاقة من الخلف ويبقى علينا تحديد مدى خطورة المخالفة. طبعاً سيكون هناك جدل". وقد يزيد القرار الغامض الضغط على الحكام المطالبين باتخاذ قرار على الفور، واحياناً كثيرة قد يتخذون القرار الصحيح ومرات أخرى قد يظلمون الفريق بطرد لاعب منه قد لا يستحق هذا العقاب القاسي. والحكام "الهواة" يقومون بمهمة صعبة جداً وعليهم اتخاذا قرارات صحيحة من دون تفكير مثلما حدث مع الحكم المصري جمال الغندور الذي احتسب هدف التشيلي سالاس في مرمى النمسا قبل يومين رغم ان من تابع الكرة على شاشة التلفزيون لم يتأكد من صحة القرار الا بعد اعادة اللعبة مرات عدة ومع تجميد للصورة! من هنا يطالب جوزف بلاتر بأن يصبح الحكام محترفين في المستقبل كي يتفرغوا للعبة مثلهم مثل اللاعبين والمسؤولين، وسبق لرئيس فيفا الجديد أن صرّح: "من غير المقبول ان يكون كل شيء في كرة القدم محترفاً باستثناء الحكام، فاللعب تطور وبات اسرع وبالتالي باتت المهمة مضاعفة على الحكام". كما يزيد القرار الضغط على المدافعين الذين سيفكرون كثيراً قبل اعتماد الانزلاق من الخلف لأن أي هفوة منهم او من الحكم قد تكلف فريقهم غالياً. لذلك استدعت المنتخبات الكبيرة مثل ايطالياوالمانيا والبرازيل وانكلترا... أبرز الحكام فيها وطلبت منهم المساعدة في توضيح القرار الجديد. وقاد الحكام مباريات بين الاحتياطيين والاساسيين وحددوا الاخطاء المسموحة والاخرى الممنوعة. اما المهاجمون فهم الطرف الرابح من هذا القرار، إذ بات بمقدورهم استقبال الكرة من دون عناء او خوف من انزلاق يحرمهم منها، ومن يجيد منهم "التمثيل" قد يلجأ الى السقوط بطريقة استعراضية عندما يقترب منه مدافع املاً في ان يغش الحكم فيتخذ قراراً متسرعاً ويطرد اللاعب! ويتساءل كثيرون كيف يمكن استئصال الاعاقة من الخلف من كرة القدم لأنها باعتبارهم لقطة تقنية بالنسبة للمدافع وتتطلب منه تركيزاً كبيراً لتنفذ بدقة مثلما يتطلب الامر فناً من لاعب الوسط او المهاجم الذي يجيد المراوغة. ويقول المدرب الالماني بيرتي فوغتس: "كرة القدم لعبة تتطلب الاحتكاك وبالغاء الاعاقة من الخلف ستفقد كرة القدم عاملاً أساسياً فيها. حرمان المدافع من الانزلاق من الخلف هو بمثابة منع المهاجمين من المراوغة...". والأكيد ان كل حكم سيتعامل مع القرار الجديد بأسلوبه الخاص فيختلف العقاب من مباراة الى اخرى على الاقل في الفترة الاولى، في حين سيكون المدافعون مطالبين بالانضباط اكثر وعدم الاندفاع في الانزلاقات من الخلف الا عندما يتأكدون من دقة التنفيذ... وكان الله بعون البريطانيين وهم الذين يعتمدون على الانزلاقات من الخلف كثيراً