الكتاب: المقاطعات اللبنانية في ظل حكم الأمير بشير الشهابي الثاني ونظام القائمقاميتين 1788-1861 المؤلف: رياض غنام الناشر: بيسان للنشر - بيروت 1998. "تبرز أهمية هذه الدراسة... لأنها من الدراسات التوثيقية النادرة التي اعتمدت على مجموعة كبيرة من الوثائق الأصلية التي ننشرها لأول مرة. وقد غطت هذه الوثائق جميع فصول الدراسة فكوّنت العمود الفقري لها، وأمدتها بمعلومات لم يذكرها أحد من قبل، فضلاً عن بعض المخطوطات والمصادر المعاصرة لتلك الفترة، وقد تناولت الوثائق المعتمدة الأغلبية الساحقة من العائلات والأُسر المقاطعجية الحاكمة التي قامت بدور مهم في مرحلة مهمة من مراحل تاريخ جبل لبنان وكان أبرزها آل شهاب وارسلان وجنبلاط ونكد وأبي اللمع والخازن وعبد الملك وتلحوق وحبيش والدحداح وحمادة وغيرهم". يدرس الدكتور غنام هذه الفترة الحساسة من تاريخ لبنان السياسي والاجتماعي والاقتصادي، ويلم بتفاصيلها واحداثها ورجالاتها، ويعرضها في تسلسل تاريخي - سياسي - اجتماعي منطقي، مستخلصاً منها الأسس التي قام عليها النظام الحديث في لبنان. إذ ان هذه الفترة الغنية بالأحداث الجسام على الصُعد كافة، تمخضت في ما بعد عن ولادة نظام سياسي ما زال يأخذ بالحسبان احداث القرنين الثامن عشر والتاسع عشر في الجبل اللبناني. واجتهد المؤلف في كتابه الجديد، معتمداً على وثائق ومخطوطات تنشر للمرة الأولى، وعلى مصادر أساسية يماط اللثام عنها للمرة الاولى أيضاً، خصوصاً وثائق المركز الوطني للمعلومات والدراسات الغني بالمصادر المتنوعة شهابية، جنبلاطية، وفرمانات موقعة من أحمد باشا الجزار ومراسيم موقعة من الولاة العثمانيين. ومعلوم ان وثائق هذا المركز هي بمثابة "أرض بكر" لم تجرِ دراستها من قبل، وتحتاج لجمهرة من البحاثة والدارسين لفهرستها والبحث في مضامينها واستخراج العبر السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وتعتبر هذه الدراسة، الأولى من نوعها عن الجبل اللبناني ونظام المقاطعات فيه، يحدد فيها بدء نشوء النظام المقاطعجي وحدود الجبل المؤلف من مناطق متمايزة جغرافياً وسكانياً، ويستعرض اشكالية وتاريخانية النظام السياسي الطائفي وكيفية انبثاقه اعتماداً على مصالح الدول الأجنبية التي استطاعت النفاذ الى المنطقة عبر "الامتيازات الأجنبية" التي بدأت مع السلطان العثماني سليمان القانوني. كما يشخّص المؤلف بدء انتشار مرض الطائفية الوبيل وتاريخ سريانه في الجسد اللبناني عموماً والجبل خصوصاً، وعمليات حقنه بالمسكنات من قبل الدول الأوروبية والأمبراطورية العثمانية واستمراره نتيجة ذلك حتى أيامنا هذه، ليصل الى نتيجة مؤداها ان لبنان وليد الارادة الأجنبية. فمن المعروف ان لبنان وُلد زمن الانتداب الفرنسي العام 1920، وأقيم كيانه على أساس طائفي وأُعطيت فيه احدى الطوائف حقوقاً أعظم من غيرها تمهيداً لنشوء حزازات طائفية واجتماعية واقتصادية... ويعرض الدكتور غنام في كتابه لمشاريع الأطراف الفاعلة في الجبل اللبناني ابتداء من الحقبة الشهابية العام 1788، ويقيّم موقف كل منها، ومصالح الدول الأجنبية التي ادّعت حماية بعض الطوائف تبعاً لمصالحها. قسّم المؤلف كتابه الى بابين، وكل باب الى أربعة فصول. في الباب الأول يتحدث عن نظام المقاطعات اللبنانية من العام 1788 وحتى العام 1842، فيعرض لفترة حكم الأمير بشير الشهابي وسياسته الداخلية مع العائلات الاقطاعية المختلفة، ويفند الحركات الفلاحية التي لقبت "بالعاميات" بدءاً من العام 1782، وفشل هذه الانتفاضات والملامح الدينية والطائفية التي اكتنفتها. في الباب الثاني يتناول المؤلف التاريخ السياسي لمقاطعات جبل لبنان في عهد القائمقاميتين بين العامين 1943 و1861، والعام الأخير شهد انهيار هذا النظام لمصلحة نظام آخر فرضته الدول الأجنبية بعد أحداث العام 1860 ألا وهو نظام المتصرفية الذي بقي ساري المفعول حتى الحرب العالمية الأولى. وشهدت هذه المرحلة، أيضاً، تصاعد الحملات التبشيرية التي كانت سيفاً ذا حدين، فمن جهة قسّمت الشعب والطوائف، كما كانت سبباً مباشراً في حصول الوعي الفكري والثقافي في الجبل من جهة أخرى. وانقسم الدروز الى عصبيات عائلية، وقامت ثورات فلاحية نتيجة للاحتقان السياسي والاجتماعي. وهذه الفوضى السياسية أسفرت في العام 1860 عن وقوع حرب أهلية أدت الى تقاتل أهل الجبل في القائمقاميتين، على رغم وجود "علاقة عضوية بينهما، فالفواصل الجغرافية والإدارية والسياسية ظلت قائمة بينهما، كما ظل التفاعل بين السكان مستمراً" حسب قول المؤلف. وهي فتنة عمل لها الأجنبي بالتعاون مع العثماني، وتمكن الأجانب خلالها من النفاذ بقوة الى قلب الجبل، خصوصاً فرنسا التي أرسلت حملة عسكرية على رغم نداءات بقية الدول الأوروبية بالتمهل وعدم التسرع لتأليف حملة عسكرية أوروبية عامة تضع حداً لكل الأحداث الدموية. ونتيجة ذلك التدخل الأجنبي، وُضع للجبل نظام جديد على انقاض القائمقاميتين هو نظام المتصرفية الذي هو "صورة مشابهة" للنظام السابق، وقد "ظلت الطائفية الداء المشترك الذي ينتقل مع مرور الزمن من نظام الى آخر، ومن مؤسسة الى أخرى، فحفظت مكانتها منذ تكريسها قانوناً في نظامي القائمقاميتين والمتصرفية والدولة اللبنانية لاحقاً... وفي وثيقة الوفاق الوطني أو اتفاق الطائف، مما يؤكد عدم مقدرة الشعب اللبناني والمسؤولين عنه على التخلص من داء ما انفك يفتك باللبنانيين منذ أكثر من قرن ونصف القرن". كتاب الدكتور غنام دراسة جادة في زمن تكثر النصوص الأيديولوجية التي تستعمل المادة التاريخية لإطلاق فرضيات تلفيقية تساهم في مقولات بعيدة عن الواقع والتاريخ في آن. وهذه الدراسة المعتمدة على الوثائق التي لم تنشر من قبل تعد إسهاماً وطنياً للحفاظ على وحدة لبنان واللبنانيين إزاء العواصف العاتية من طائفية ومذهبية.