في الاطار العام لا تختلف زيارة الزعيم الروحي لپ"حركة المقاومة الاسلامية" حماس الشيخ احمد ياسين الى سورية عن غيرها من المحطات التي شملتها جولته العربية - الاسلامية، لكن وجود معظم منظمات المعارضة الفلسطينية ونحو 400 الف فلسطيني اكسبها بعداً أعمق من كون دمشق كغيرها من العواصم الاخرى التي حط بها الشيخ ياسين. لكن كيف تقرأ المنظمات الفلسطينية الاخرى جولة مؤسس "حماس" العربية - الاسلامية؟ يقول احد القياديين في منظمة يسارية ان "تعويم" الحركة في هذه الفترة جاء على خلفية تطورين اساسيين هما: جمود عملية السلام، وموضوع الخلافة في الساحة الفلسطينية في ضوء الحديث عن صحة رئيس السلطة الوطنية ياسر عرفات. وأوضح ان الدول العربية ارادت ارسال اشارة قوية الى الادارة الاميركية واسرائيل عبر دعم ومن اعلى المستويات لحركة "حماس" التي نفذ جناحها العسكري كتائب عزالدين القسام عمليات انتحارية في السنوات الاخيرة ضد العسكريين الاسرائيليين. اي طالما ان الاميركيين لا يغيرون سياستهم في التعامل مع الشرق الأوسط ولا يخففون من دعمهم الى اسرائيل وعدم ممارسة اي ضغط على رئيس الوزراء الاسرائلي بنيامين نتانياهو، فلا مانع لدى القادة العرب من دعم ابرز تيار ديني في الساحة الفلسطينية، يطرح "ايديولوجيا دينية" مقابلة للطروحات التوراتية التي يطرحها اليمين المتطرف في اسرائيل. هناك من يعتقد بأن تعويم "حماس" مرتبط أساساً بالتسوية، اي على عكس التحليل السابق، على اساس ان الاطراف العربية ارادت ايجاد طرف اسلامي يبرر في الشارع الاسلامي اي تسوية يصل اليها الجانب الفلسطيني والاطراف العربية مع اسرائيل. لكن ما يؤكد عدم صحة هذا الرأي ان مصادر ديبلوماسية قالت لپ"الحياة" ان الادارة الاميركية "طلبت رسمياً من عدد من اصدقائها عدم استقبال الشيخ ياسين"، كما ان التعامل الاخير مع "حماس" جاء في اطار الاجابة عن سؤال: "كيف نتعامل مع "حماس"؟ هل نتركها تمارس عملياتها العسكرية كما تشاء؟ ام نقطع جذورها؟". وأوضحت مصادر فلسطينية: "ان الواقع يكشف ان الموضوعين صعبان لأن اجتثاثها مستحيل اذ انه يعني ضرب المجتمع الفلسطيني طالما ان مؤسساتها تمتد في شرائحه كلها، وترك جناحها العسكري يعني جلب مشاكل اضافية". وعليه، فان الحل جاء من بين هذين الخيارين، وهو "استيعاب" الحركة و"تقوية الخط السياسي فيها على الخط العسكري في ضوء وجود جدل قديم بين تيارين أو ثلاثة في قيادة "حماس" يتمسك احدهما بالخيار العسكري ويريد الاستمرار فيه، ويبحث الثاني عن بدائل سياسية". وطالما ان الفصل اساساً بين هذين التيارين انطلق من وجود "قيادة الداخل" و"قيادة الخارج"، اتاحت جولة الشيخ ياسين للمرة الأولى في تاريخ هذه الحركة الاسلامية، ان يجتمع مؤسسها ورئيس المكتب السياسي خالد مشعل وسلفه الدكتور موسى ابو مرزوق وعضوا المكتب السياسي عماد العلمي وابراهيم غوشة باستثناء محمد نزال الموجود في الأردن الى قادة الدول العربية والاسلامية، علماً ان خطي "حماس" ينطلقان هرمياً من هؤلاء الاشخاص الى القاعدة الشبابية. وللتدليل على ذلك قال الشيخ ياسين في دمشق ان خطابه صار اقل تشدداً كي "لا أحمس الشباب". هذا الكلام ينطبق على جولة الشيخ ياسين على مختلف الدول، لكن ما لا ينطبق على زيارته الى دمشق، هو الشق الفلسطيني - الفلسطيني، اذ ان الزيارة افسحت في المجال لطرح قضايا المعارضة وهمومها التي تكدست منذ توقيع اتفاق اوسلو في العام 1993. اذ حاولت المنظمات المعارضة مذ ذاك تشكيل "تحالف" او "جبهة" تركز على نقاط التفاهم وتهمل نقاط التفرقة في اطار سعيهم وطموحهم العلني على الأقل لپ"اسقاط اتفاق اوسلو"، لكن السنوات الثماني الاخيرة اكدت على أرض الواقع ان المنظمات المعارضة ابرزت نقاط الخلاف وتجاهلت نقاط اللقاء على عكس ما يفترض بين قوى تجتمع على هدف واحد، فصارت المنظمات تتقاذف الاتهامات ومنها: ان "الديموقراطية" بزعامة نايف حواتمة "تسرق مجاهدينا في حماس"، في حين كانت ترد "الديموقراطية" من ان "حماس" كانت تريد احتكار الساحة الفلسطينية واستخدام التحالف "في الساحات التي تريد. تقوي العلاقة في الامكنة التي لا يوجد فيها ممثلون لها وتنسى نقاط التفاهم في ساحات قوتها". وكانت "فتح - الانتفاضة" بزعامة العقيد ابو موسى تشك في سياسات "حماس" وحواراتها مع السلطة وتصريحات قيادييها عن "الهدنة" مع اسرائيل ووجود الحركة والسلطة الوطنية في "خندق واحد"، فما كان من "حماس" الا وردّت من ان "فتح - الانتفاضة" غير موجودة في الداخل ووجودها بسيط في الخارج كغيرها من المنظمات الاخرى. هذه الخلافات ظهرت جلياً عندما قررت "فتح - الانتفاضة" باسم آخر صيغة للتعاون وهي "تحالف القوى الفلسطينية" الذي جاء على انقاض تحالف "الفصائل العشرة"، فصل الجبهتين "الديموقراطية" و"الشعبية" بزعامة جورج حبش، بسبب موافقتهما على ارسال اعضاء مكتب سياسي الى أراضي الحكم الذاتي الفلسطيني وحضور بعضهم اجتماع المجلس الوطني الذي عدّل ميثاق منظمة التحرير وألغى مواد تدعو الى "تدمير" اسرائيل في اطار اتفاقات اوسلو. هذه الخلفية والنقاط هي التي طرحت في الاجتماعات الجماعية التي عقدت بين الشيخ ياسين والقادة الثمانية لپ"تحالف القوى"، واللقاءات الثنائية بينه وكل من حواتمة وحبش ورئيس "جبهة الانقاذ الوطني الفلسطينية" خالد الفاهوم. وأوضحت مصادر المجتمعين "الصراحة المطلقة" التي سادت و"توضيحات" الشيخ ياسين و"تشجيعه" ربما تشجع قادة المنظمات على البحث عن "صيغة" او "جبهة" تجمع ولا تفرق في الساحة الفلسطينية. وزادت ان "النقطة الملموسة التي اتفق عليها، هي ان يجتمع القادة بشكل مكثف لبحث برنامج وطني على اساس: الوحدة الوطنية ومعارضة اتفاق اوسلو". وبين هذا وذاك جاءت لقاءات الشيخ ياسين اللافتة مع الرئيس حافظ الأسد ونائبه عبدالحليم خدام ووزير الخارجية فاروق الشرع ومسؤولين آخرين، الذين اكدوا - حسب تصريحات الشيخ ياسين - "الدعم الكامل لقضية الشعب الفلسطيني والمعارضة الفلسطينية"، في وقت لا توافق دمشق على استقبال رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية ياسر عرفات على رغم وساطة اطراف عدة. والسؤال: ما هو مصير "العرف" الذي كان سائداً من ان دمشق لن تعمل "مادياً" ضد اتفاقات اوسلو، في ضوء زيارة الشيخ ياسين ومحادثاته مع المعارضة الفلسطينية وجمود عملية السلام وتجاهل واشنطن للمسار السوري؟