دلّ البرنامج الحكومي الجديد، كما أقره مجلس الوزراء الكويتي في جلسته الأحد الماضي، على ملامح الحل الذي أمكن ايجاده للأزمة الأخيرة واستقالة وزير الخارجية الشيخ صباح الأحمد الصباح. وتقول مصادر مطلعة ان بعض صياغات البرنامج يثبت أن المسائل الرئيسية التي تسببت بالأزمة، قد حلت. وتشير المصادر خصوصاً الى ما يتعلق بالسياسة الخارجية، إذ لحظ البرنامج ضرورة "تجسيد الدور الايجابي للكويت في دعم التضامن العربي" وأنه "سيتجاوز العمل في هذا الشأن المفهوم التقليدي للتضامن استناداً الى ما يقوم عليه من الثقة المتبادلة والوعي الكامل بحجم التحديات القائمة". كما يؤكد البرنامج، الذي سيحال لاحقاً على مجلس الأمة لمناقشته، ان الكويت "لن تكون أسيرة مواقف جامدة" تحول دون تجاوبها مع مستجدات الأوضاع "وستعمل على توسيع جبهة الأصدقاء وتجسيد المرونة في التعامل الايجابي مع المبادرات البناءة والمواقف الملموسة، من خلال تعديل مسار العلاقات مع الدول التي شاب العلاقة معها بعض المعوقات كنتائج للعدوان العراقي الغادر على دولة الكويت". ولم يشر البرنامج تفصيلاً الى اجراءات متوقعة لتطوير العلاقة مع الأردن والسودان واليمن، وذلك انطلاقاً من مبدأ ان السفارات موجودة وان ما ستشهده هو مجرد تفعيل. وكانت زيارة وزير الخارجية السوداني مصطفى عثمان اسماعيل، قبل ثلاثة أيام، الاختبار الأول بعد الأزمة ل "التناغم" الجديد بين أقطاب الحكم حول سياسة الانفتاح على ما سمي "دول الضد". إذ أعلن الوزير الزائر ان ولي العهد الشيخ سعد العبدالله الصباح أبلغه ان مصطلح "دول الضد" شطب من قاموس السياسة الكويتية. وكرّست الزيارة الاتجاه جدياً نحو تطبيع للعلاقة بين الكويت والسودان. وبات في حكم المؤكد ان تتوالى خطوات التطبيع مع الدول الأخرى بوتيرة طبيعية. يذكر أن وزير الخارجية الكويتي كان أعلن في أيار مايو 97 "شطب" مصطلح "دول الضد". وتعتبر مصادر قريبة من مجلس الوزراء ان البرنامج الحكومي راعى في صياغته وفي أهدافه ما أصبح يسمى في الصحافة الكويتية ب "مدرستين" في التفكير داخل الحكم تتمثلان أيضاً بنمطين في العمل والادارة. وأشارت المصادر الى أن التوجهات المعتمدة للاصلاح المالي ومعالجة المشاكل الاقتصادية، هي "أقرب الى أسلوب احدى المدرستين"، ما يدل الى أن القرار السياسي كان موضع بحث وتداول مستمرين داخل الأسرة الحاكمة خلال الاسبوعين الماضيين، وأنه تم التوصل الى صياغات تقبل بها "المدرستان" معاً. وفيما يواصل المحللون في الكويت تكهناتهم بأن الأزمة قد تكون حلّت في الشكل ولم تحل في الجوهر، وبالتالي فانها يمكن أن تتكرر، إلا أن أوساط ولي العهد ووزير الخارجية باتت تعتبر الأزمة وراءها. ويستعد الشيخ سعد ل "عشاء الأول من يونيو" الاثنين المقبل الذي دعا إليه أكثر من ألف شخصية، وسط توقعات متفاوتة حول مضمون الخطاب الذي ينوي القاءه. أما وزير الخارجية فيفتتح غداً السبت الاجتماعات السنوية لرؤساء البعثات الديبلوماسية الكويتية في مختلف أنحاء العالم، وسيلقي خطاباً في المناسبة يعرض فيه التوجهات الجديدة للديبلوماسية الكويتية. ويشارك في اجتماعات السفراء وزراء الدفاع والنفط والمال والإعلام والتخطيط. وتؤكد المصادر ان الهوة ضاقت بين أفكار "المدرستين" ومواقفهما خصوصاً بالنسبة الى الاجراءات الاقتصادية التي تتطلب قرارات "غير شعبية"، وبالتالي يتوقع أن يعتمد مجلس الوزراء القرار الذي اتخذه المجلس الأعلى للبترول بشأن تطبيق زيادة على أسعار المحروقات. ومعلوم ان رفض هذا القرار كان من الأسباب المباشرة لاستقالة الشيخ صباح الأحمد، اذ أنه يرأس المجلس الأعلى للبترول. لكن أهم ما انتهت إليه الأزمة بالنسبة الى أوساط وزير الخارجية، هو أن إدارة السياسة الخارجية ستكون وفقاً للتوجهات التي يقتنع بها، خصوصاً أنها لم تعد تواجه برد فعل شعبي سلبي فالمجتمع الكويتي يبدو اليوم أكثر اقتناعاً بضرورة توسيع قاعدة الأصدقاء في العالم.