خادم الحرمين يوجه بتمديد العمل ببرنامج حساب المواطن حتى نهاية 2026    أمير تبوك يطلع على تقرير عن منجزات وأعمال لجنة تراحم بالمنطقة    أمير الشرقية يستقبل الدوسري المتنازل عن قاتل أخيه    تقييم يعزز مكانة "يعمر" ضمن الجمعيات الأكثر موثوقية    إصابة جديدة لنونيز مع الهلال    رجل الدولة والعلم والخلق الدكتور محمد العقلاء    انطلاق معسكر العمل الكشفي التقني البيئي المركزي 2025م بمنطقة الرياض    فضيلة المستشار الشرعي بجازان يلقي كلمة توجيهية لمنسوبي القوة البحرية بجازان    مركز الفلك الدولي يوثق بقع شمسية أكبر من الأرض بعشر مرات    أكاديمية الأمير سلطان تنظم حملة تبرع بالدم    "الشؤون الإسلامية" تنفذ أكثر من 47 ألف جولة رقابية في المدينة المنورة    انطلاقة مشروع "رَواحِل" بجمعية التنمية الأهلية بأبها    طرح 21 مشروعا عبر منصة استطلاع لأخذ مرئيات العموم والقطاعين الحكومي والخاص    القيادة تهنئ رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة بذكرى اليوم الوطني لبلاده    "إكسبو 2030 الرياض" ترسي عقد إعداد المخطط العام التفصيلي لمعرض إكسبو 2030 على شركة "بورو هابولد"    المركز الوطني للعمليات الأمنية يتلقى (2.720.218) اتصالًا عبر رقم الطوارئ الموحد (911)    انطلاق أعمال المؤتمر الدولي للتأهب والاستجابة للطوارئ النووية والإشعاعية في الرياض    ارتفاع عدد قتلى الفيضانات في إندونيسيا إلى 631    تصنيف صندوق الاستثمارات العامة عند (A-1)    في مستهل مشواره بكأس العرب 2025.. الأخضر يواجه عمان.. والمغرب يلاقي جزر القمر    نحو مجتمع أكثر صحة وحيوية    في قمة الجولة 15 من الليغا.. برشلونة يواجه أتلتيكو مدريد لتأكيد الصدارة    سمو أمير قطر يفتتح كأس العرب    الديوان الملكي: وفاة صاحب السمو الأمير عبدالله بن فهد بن عبدالله بن عبدالعزيز بن مساعد بن جلوي آل سعود    وزير الطاقة يطلق منتدى الاستثمار المشترك.. السعودية وروسيا.. مرحلة جديدة من التعاون الشامل    أعادت إشعال الضفة باقتحامات واسعة.. إسرائيل تناقض الهدنة وتكثف القصف على غزة    علماء الآثار الروس يكتشفون آثارًا فنلندية وقطعًا معدنية عربية في منطقة إيفانوفو    اعتداء جديد للمستعمرين يعطل مصادر المياه في «رام الله»    طالب جامعة شقراء بتعزيز جهودها في التحول.. «الشورى» يوافق على تعديل مشروع نظام حقوق المؤلف    هنيدي خارج السباق الرمضاني    التعالي الصامت    «مركز الموسيقى» يحتفي بإرث فنان العرب    «البحر الأحمر السينمائي» يكشف عن برنامجه الشامل    فيصل بن خالد يستعرض تقرير "أدبي الشمالية"    قوات الاحتلال تحتجز فتاة وتعتقل طفلًا    افتتح معرض هانوفر ميسي..الخريّف: المملكة محرك رئيسي للتحول الصناعي العالمي    «التخصصي» ينقذ طرف مريض بالجراحة «ثلاثية الأبعاد»    البكتيريا المقاومة للعلاج (2)    محافظ الطائف يلتقي رئيس مجلس إدارة جمعية أسر التوحد    انطلاق دوري البادل 2025 في الرياض بمشاركة 26 نادياً    الكتابة توثق عقد الزواج عند عجز الولي عن النطق    الفيصل يدعم الأخضر قبل مواجهة عُمان في كأس العرب    البروفيسورة حياة سندي تنضم لجائزة Galien    عد الأغنام لا يسرع النوم    لوجكستا لعلاج الكوليسترول الوراثي للأطفال    اختراق أمني يستهدف ChatGPT    وفاة أول معمرة في روسيا    اتساع أزمة الإمدادات عالميا أسعار النحاس تقفز إلى مستوى قياسي    تقنية تعيد تمييز الروائح للمصابين    الأمير عبدالعزيز بن سعود يُكرّم الفائزين في كأس نادي الصقور 2025    الشورى يقر تعديلات في مشروع نظام حقوق المؤلف    جامعة نايف تجمع خبراء العالم لمناقشة مستجدات الأدلة الجنائية    دورة علمية للدعاة والأئمة والخطباء بجزيرة لومبوك الإندونيسية    مقومات السعادة    القيادة تعزي الرئيس الإندونيسي في ضحايا الفيضانات والانزلاقات الأرضية ببلاده    الداخلية: تخريج 99 ضابطاً من دورات متقدمة وتأسيسية    أمير منطقة جازان ونائبه يطمئنان على صحة مدير عام التعليم ملهي عقدي    بحضور محافظ جدة .. القنصلية العمانية تحتفل باليوم الوطني لبلادها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بريد القراء - أوبرا العراق وجامعتها
نشر في الحياة يوم 25 - 05 - 1998


السيد رئيس التحرير،
يتساءل الصديق العزيز عصمت كتاني في رسالته اليكم المنشورة في عدد "الحياة" ليوم 18 نيسان ابريل 1998 عمّا آلت اليه التصاميم المعمارية لدار الأوبرا العراقية التي كان اعدها المعمار المشهور فرانك لويد رايت. ولعل في ما يلي بعض الاجابة عن تساؤله.
في مطلع الخمسينات أنشأت الحكومة العراقية مجلس الاعمار لغرض اعداد خطط وبرامج لاعمار البلد، وتم تخصيص نصف العائدات النفطية لهذا الغرض. اعد المجلس برنامجاً طموحاً شمل العديد من المشاريع التنموية الضرورية لاعمار البلاد وكان التوجه التنموي آنذاك يعتمد على اعطاء الأولوية لمشاريع البنية الأساسية والسيطرة على المياه والتصنيع، استناداً على دراسات فنية، ابرزها تلك التي قدمها آنذاك اللورد سالتر، ومؤسسة "ارثر دي لتل" الاستشارية.
وشمل البرنامج ايضاً بضعة مشاريع ذات طابع ثقافي وحضاري، ومنها مشروع دار الأوبرا التي كان مزمع اقامتها على جزيرة ام الخنازير في وسط دجلة بغداد، وهي - على عكس ما قد يُستدل من اسمها - من اكثر المواقع جمالاً وشاعرية. وكلف لاعداد الدراسة المعمار فرانك لويد رايت. لكن على رغم استكمال الدراسات والتصاميم العائدة لهذا المشروع تم - مع الأسف الشديد - صرف النظر عن تنفيذه لأسباب واهية ليس من المفيد التطرق اليها الآن. اما المشروع الآخر فكان أبنية جامعة بغداد التي اقيمت بالفعل في منطقة الجادرية، على ظهر دجلة، جنوب مدينة بغداد وهو موقعاً لا يقل جمالاً عن الموقع الأول.
ألغي "مجلس الاعمار" في مطلع الستينات على اثر التغيرات السياسية التي حصلت في نظام الحكم منذ نهاية الخمسينات. وبطبيعة الحال الغيت الدوائر الفنية التي كانت تابعة له ووزع كادرها الهندسي على الدوائر الفنية في الوزارات ذات العلاقة ومعها الوثائق الخاصة بالمشاريع التي كانت بعهدته. وحفاظاً على هذا الكنز الثري من التراث الهندسي والمعماري، ابتدأت خلال تولي مسؤولية "المركز القومي للاستشارات الهندسية والمعمارية" في السبعينات مشروعاً لتجميع الوثائق الخاصة بمثل هذه المشاريع وتأمين حفظها في مقر واحد. وكانت المخططات العائدة لدار الاوبرا العراقية أول هذا الجهد. ولا ازال أتذكر دقة التفاصيل وفيض الشروحات التي سطرها فرانك لويد رايت بخط يده، بغية ابراز طروحاته المعمارية وفلسفته المهنية. وكلّي أمل ان تكون هذه الوثائق، مع غيرها من مثلها، لا تزال محفوظة في خزانة مكتبة المركز القومي.
اما مشروع جامعة بغداد كلف باعداد تصاميمه ودراساته المعمارية مكتب "ذي اركيتكتس كولابيروتيف" الذي كان على رأسه المعمار المشهور والتر كروبيس". وتم بالفعل بناء المشروع على عدة مراحل. توخى كروبيس في تصاميمه لهذا المشروع - الذي كان يضعه في قمة اعماله الفنية - ان يبين على الواقع فلسفته المعمارية في وظيفة العمل المعماري. ولعله من المناسب ان أذكر بأنه كان سمى تصميمه لمدخل الجامعة، وكان على شكل قوس مرتفع مفتوح القبة، مقام في وسط مجرى مائي، بپ"العقل المنفتح" ليس فقط للدلالة على وظيفة الجامعة، انما ايضاً اشارة إلى فلسفته المعمارية. وكان والتر كروبيس وفرانك لويد رايت في المنهج المعماري على طرفي نقيض على رغم قربهما لبعضهما على الصعيد الشخصي.
وفي تلك الفترة، دعت "جميعة المهندسين العراقية" المعمار كروبيس لإلقاء محاضرة حول فلسفته في العمل المعماري وتتلخص بأن العمارة الفذة هي عمل معقد بالضرورة يتم انجازه بإحداث تكامل وتناسق بين عدة أنظمة متداخلة Interdisciplinary تؤدي محصلتها النهائية الى الناتج المعماري المطلوب. ويتوجب في انجاز مثل هذا العمل تكاتف جهود العديد من الافراد، تشكل مشاركتهم ومساهماتهم الطريق الأسلم للوصول الى الحل الأمثل "وهو ما يوحي ألية بوضوح اسم مكتبه". بينما كان لويد رايت يؤمن بأن العمل المعماري هو انجاز عملاق يتطلب موهبة وملكة يتوفران عند فرد من دون سواه، فالانجاز المعماري سيمفونية على طريقة موزارت ولوحة سقفية على نهج مايكل انجلو وملحمة شعرية في مخيلة دانتي.
وبينما كان كروبيس خلال محاضرته هذه منغمساً في دفاعه عن فلسفته في ضرورة المشاركة والتعاون في العمل المعماري، انبرى له رايت بقامته الطويلة الممشوقة مقاطعاً ومتسائلاً، اسمع يا ولتر، ان كنت أنت بصدد انجاب طفل الى هذه الحياة، فهل من المعقول ان تطلب مشاركة جارك ومعاونته في هذا المشروع النبيل والخلاق؟ أجابه كروبيس، وأي ضرر في ذلك، يا فرانك، ان كان جاري هذا سيدة بالغة الجمال والجاذبية.
وعلى رغم الخلافات الفكرية والمهنية التي كانت بين هذين المعمارين العملاقين، كانا متفقان على أهمية الإرث الحضاري والتراثي لعراق ما بين النهرين. هذا الإرث الذي أعطى لكل منهما الزخم والتحدي الضروريين من أجل الوصول الى حلول معمارية رائعة وأنيقة لمشروعين حضاريين تم اقامة أحدهما، واغفل الماضي انجاز الآخر.
ولعله من المناسب قبل إنهاء هذه المساهمة المتواضعة، ابداء التقدير الى الرحيل الأول من الكادر الفني والاداري الذي وضع الأسس والبرامج الرئيسة لاعمار البلد. وكانت تلك البرامج من الشمولية بحيث، أنني فوجئت عندما شاركت في إعداد الخطة الخمسية الخامسة في سنة 1975، ليس فقط بعدد المشاريع التي أشير لها في الدراسات الأولىة لمجلس الاعمار في برنامجه الأول قبل ربع قرن من ذلك الوقت بل أيضاً بحرص الأجهزة الفنية - عغلى مرور الزمن - على استقلالية العمل التنموي والحفاظ على منهجيته وآلياته، في ظروف عمل صعبة نتجت عن التقلبات السياسية العنيفة التي مر بها العراق عبر السنوات التي خلت. ولم يكن هذا الجهد منحصراً على المشاريع الهندسية فقط، انما شمل أيضاً إعداد وتأهيل الطاقة البشرية اللازمة لتطوير وانماء البلد. وأعطيت الأولوية القصوى لهذا الهدف منذ تشكيل الحكم المحلي في العراق، واستمرت سياسة ارسال البعثات خصوصاً للدراسات العلمية والتخصصية بشكل مكثف طوال هذه السنوات حتى وقت قريب. كل ذلك أدى الى نمو كادر علمي وفني له القدرة والامكانات على التطور والتطوير الذاتي والمستقل. ولربما كان لكل ذلك ثمن باهظ يدفعه اليوم، وكل يوم، شعبنا في العراق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.