عدّل الرقيب من جلسته، ثم رمى الهندي بنظرة طويلة قاسية. "إذاً، انت مَن يسرق دجاجات الاب هيلاريو، اتنكر ذلك؟". أخفض الهندي نظره صوب الارض. من جهته، دفع الرقيب كرسيه الى الوراء وانتصب واقفاً. "هذا الهندي لا يدرك ان سرقة ما يخص الكاهن خطيئة لا تغتفر"، خاطب الرقيب الرجل الآخر الذي يقف الى جانبه فيما يمسك بعدد من الاوراق في يديه. ضحك الرجل. "الامر ليس مدعاة للضحك"، قال الرقيب وقد ارتسم تعبير جدي على وجهه. "سنرى"، قال وهو يهز اصبعه باتجاه الهندي. "سأحتجزك وأجعلك تدفع مقابل كل دجاجة سرقتها من الاب". رفع الهندي عينيه وأطلق نظرة ثابتة باتجاه الرقيب، ثم قال محتجاً وقد عقد حاجبيه. "لم آكل تلك الدجاجات". "حسناً، مَن فعل ذلك اذاً؟" سأله الرقيب في الحال محاولاً الضغط عليه. "لربما الثعلب..." اجاب الهندي. هذه المرة جاء دور الرقيب ليضحك. "ها، ها، اذاً الثعلب فعل ذلك، أحقاً ما تقوله؟ الثعلب الوحيد الموجود في الجوار هو انتَ. اجل، ثعلب ذكي اسود الشعر، أليس هذا ما تقصده؟". "لكنها... الحقيقة"، غمغم الهندي. "لا تحاول استغبائي. ثمة شهود رأوك حاملاً الدجاجات". "هذه لم تكن طيور الاب هيلاريو". "لمن كانت اذاً؟". "حسناً... لم تكن دجاجات بمطلق الاحوال. لم تكن سوى حزمة من الريش". "اي ريش تقصد؟". "كنت اسير على الجانب الآخر من الشارع، وكالعادة... شاهدت كل ذلك الريش... "آها"، قلت لنفسي. "لربما يصلح هذا الريش لصنع وسادة". قمت بالتقاطه عن الارض، وفي ذلك الوقت وقع بصر الاب عليّ - والمرجح انه خرج يبحث عن دجاجاته - فصاح "قبضت عليك بالجرم المشهود، يا رامون! انتَ، اذاً، من يسرق دجاجاتي!". "اية دجاجات؟" سألته. "الا ترى ان هذه مجرد كومة من الريش؟". "قد تكون كذلك"، اجابني الاب هيلاريو، "لكنه ريش دجاجاتي"... هذا ما حصل بالتحديد، ايها الرقيب، وأنا احلف لك على ذلك". سار الرقيب نحو الباب. في الخارج كان المطر ينهمر. "هذا الهندي ليس بالمغفل، انه ذكي" قال مخاطباً نفسه. * * * كان الاب هيلاريو يشذّب فتيلة قنديل الكاروسين. "طاب يومك، ايها الاب"، حيّاه الرقيب. "طاب يومك، يا بني". "قمت بإلقاء القبض على الهندي رامون، لص الدجاج". "عليك معاقبته، ايها الرقيب. هذا واجبك. كلهم يبدأون على هذا النحو. تتساهل مع الواحد منهم بشأن دجاجة، فيأخذ من ثم حصاناً. الشيء نفسه يحصل على درب الخطيئة... البداية تكون باقتراف اثم بسيط، ومن ثم يتفاقم الامر". "حضرة الكاهن"، قاطعه الرقيب، "هل انت متأكد ان الهندي هو مَن سرق دجاجاتك؟". "ما الذي تقوله؟ تسألني هل انا متأكد؟ الا يكفي اني شاهدته بعينيّ الاثنتين؟ ما الذي تقصده بحق السماء؟". "يدّعي رامون ان ما كان يحمله ليس دجاجاً". "ليس دجاجاً؟ ما الذي كان ذلك اذاً؟". "لست متأكداً... لكن قل لي ما الذي شاهدتَه بالتحديد؟". "دجاجاتي... هذا ما رأيته!". "حسناً، ليكن ما تريد... لكني احضرت الهندي الى مقرك، لتواجهه بما تشاء وجهاً لوجه". دخل الهندي وقبعته في يده، فيما تراجع الرقيب الى الوراء وابتسامة غامضة ترتسم على وجهه، وأسند نفسه الى طاولة تلتصق بالجدار. عمد الاب الى وضع القنديل جانباً. "اذاً، انتَ تدّعي الآن انك لم تأخذ الدجاجات؟" قال له الاب. "انا لا انكر شيئاً"، تمتم الهندي. "تفضل واسمع ما يقوله، ايها الرقيب"، صاح الاب مقاطعاً الهندي. "ما اخبرت الرقيب به..." تابع الهندي، "هو انك لم تشاهدني احمل دجاجاتك". "ماذا؟ تقول لم اشاهدك؟ ألم اصح فيك: "هاي، يا رامون، دع تلك الدجاجات وشأنها؟" وألم تعمد الى الركض؟". "اجل، اعترف اني ركضت مبتعداً، لكن الابتعاد ركضاً لا يعني اني سرقت دجاجاتك. ليس من قانون يمنع الركض، أليس كذلك؟". "آه منك، لا تنكر"، اجاب الكاهن، "سرقت دجاجاتي وليس من خطأ فيما اقوله". "لا، يا أبتِ... كان ذلك مجرد ريش...". "أتقول ريش! ايها اللص! وتصر على تحوير كل شيء. فليعاقبك الله لإقدامك على سرقة كاهن فقير...!". وضع الرقيب قبعته على رأسه، ربّت على كتف الهندي، وقال له بصوت عال يشبه النباح: "لنذهب". حدّق الكاهن في الرجلين. "عليه ان يدفع ثمن الدجاجات"، قال الكاهن بصوت ينم عن الاصرار. خرج الرقيب ومعه الهندي. "كما ترى"، قال الرقيب، "الكاهن على حق. لقد سرقتَ دجاجاته، وعليك ان تدفع ثمنها". توقف الهندي عن السير وحدّق في الرقيب. "لم تكن دجاجاً"، قال للرقيب. "اذاً، ما الذي كان في يديك؟" سأله الرقيب. "شيء بهزال العنكبوت"، اجاب الهندي. "لم يكن ذلك سوى حزمة من الريش. اضطررت الى انفاق الكثير من الدراهم لتسمينها... كانت مجرد عظم وجلد. لذا قلت انها لم تكن دجاجاً... بل كانت مجرد حزمة من الريش! لكن عليك ان تراها الآن، ايها الرقيب، غدت جميلة وسمينة". حدّق الرقيب فيه. "والحال هذه، اذهب واحضرها الى الاب. اعدها اليه". "حسناً"، قال الهندي، "لكن ألم تقل، بما ان يوم الغد عطلة ستأتي الى منزلي لتذوق طعامي؟". "أوه، العيد في الغد، أليس كذلك؟" قال الرقيب وقد اطرق مفكراً. "اجل، في الغد"، قال الهندي مبتسماً وهو يبتعد. استدار الرقيب مبدّلاً وجهته، ومع استمرار هطول المطر حثّ الخطى باتجاه مكتبه. * طبيب، شاعر، وقاص نيكاراغوي. تدور قصصه حول الحياة اليومية في نيكاراغوا. ترجمة: فوزي محيدلي