الأخ المهندس يوسف عبدالرحمن الذكير السلام عليكم ورحمة الله حرصت "الحياة" على نشر تعليقكم على مقالنا، "هل تبدأ"، كما أرسلتَه، لأننا نؤمن بحرية الرأي، ونسعد بالرأي الآخر ونشجعه، ونرحب بالنقد البناء، البعيد عن التهويل أو التهوين، والتجريح أو الاسفاف. فاختلاف الرأي والنقد البناء، يثريان الفكر، وينيران العقل، ويوضحان ما خفي من آراء. لقد قسّمتم تعليقكم الى خمسة أقسام، لذا، سنناقش معكم كل قسم، على حدة، لتكون الموضوعية أساس المناقشة، ويكون الحوار على الخصوص، وليس العموم. أولاً: لقد تساءلتم: "لماذا يُقصف شعب مغلوب على أمره؟". والاجابة واضحة: لأن قيادته اذلّته، وأقحمته في حربين متتاليتين، وأزمات متعاقبة، أحرقت الأخضر واليابس، وخلفت الارامل والايتام، وحولته الى شعب يستجدي الدواء ولقمة العيش. قيادة جلبت على الشعب الخزي والعار، ولا تزال تعطي المبرر لكل تدخل، خاصة من الدول الكبرى، التي تتهدد مصالحها. اما تساؤلنا في المقال: "أتجنّب قصف شعب مغلوب على أمره، يصبح انتصاراً؟"، فكان المقصود منه واضحاً، من دون مواراة، وهو ان "تجنب القصف"، أمر طبيعي يفرضه المنطق والظروف الدولية والاقليمية الحالية، ولا يستدعي ان يُعد مجداً لصدام حسين، ولا يستدعي ان تفديه الشعوب بالروح والدم. أرجو ان يكون قصدنا قد فُهم، الآن. وفي نهاية أولاً: ذكرتم "فهل عين الرضا عن كل ذنب كليلة، ولكن عين السخط تبدي المساوئا؟"، ولم توضح، صراحة، "عين" من، و"رضا" عن مَنْ. هل هي "عين" كاتب المقال، أو "عين" الشعوب العربية؟ نرجو ان تُعيد قراءة المقال، بهدوء وتروّ، اذ لم يرد فيه، ما يشير الى "عين الرضا"، مجازاً أو تصريحاً. ثانياً: تساءلت في نهاية هذه الفقرة: "هل تعبير الشعوب عن مشاعرها أو تطلعاتها من المحظورات؟"، وكأنني حينما علقت على شعار "بالروح بالدم نفديك يا صدام"، قد حظرت عليها التعبير عن مشاعرها. أرجو ان تقرأ هذه الفقرة بعمق، لأن الاعتراض الوحيد الذي أبديناه، هو ان تُبذل الروح وتُسفك الدماء ليس فداء لبلد أو قيم أو مبادئ أو دفاعاً عن شرف أو عِرض، انما لتفدي من له تاريخ أسود تجاه بلده وأمته، وتجاه العالم بأسره! وأعتقد ان التنبيه الى خطر هذه المشاعر حين تنساق وراء عواطف أو تطلعات زائفة، يضحى واجباً وطنياً. ثالثاً: تعرضت في هذه الفقرة لأسباب تدهور أسعار النفط، وذكرت ثلاثة أسباب رئيسية له، وتساءلت عن علاقة الأزمة الاخيرة بانخفاض أسعار النفط. ان الاسباب التي ذكرتها منطقية، ومعروفة اقتصادياً. ولكن ألا يثير الاهتمام والتساؤل، ان تنخفض أسعار النفط في وقت حدوث الأزمات، مع انه كان من المفروض ان ترتفع هذه الاسعار؟ ألا يدل ذلك، ان هناك أيادي تلعب في الخفاء، وهي التي تحدد الاسعار، ارتفاعاً وانخفاضاً؟ وألا يثير الانخفاض الكبير لسعر البرميل عدداً من التساؤلات؟ أهمها: هل يمكن الربط بين هذا التدهور، غير المبرر، وبين المواقف السياسية لبعض دول الخليج، تجاه قصف العراق؟ وألا تعلم ان تحديد مبلغ معين كسقف أعلى للعراق من خلال بيعه لنفطه، يؤدي الى حلقة مفرغة من تدني سعر البرميل الواحد؟ ان من المفيد لمن يُريد فهم الاحداث السياسية وتطورها، ان ينظر نظرة شمولية، سياسية واقتصادية، وان يربط الاحداث بعضها ببعض، وان يعلم انه عند تطور الاحداث الاقتصادية الى عكس منطقها، فلا بد من وجود ايد تعبث لمصلحتها. وهنا يجب الا نلوم هذه الايدي، بل نلوم من اعطاها المبرر لذلك. رابعاً: أوضحتَ في هذه الفقرة، تعليقاً على ما ورد في المقال، "ما الذي خسرته الولاياتالمتحدة؟"، ان هذه الازمة الاخيرة أظهرت فشل السياسة الخارجية الامريكية، من خلال: "عدم مساندتها سوى قلة من الدول، ومعاداة الشارع العربي لسياساتها، وعدم استطاعتها استصدار قرار من مجلس الأمن لاستخدام القوة العسكرية، والدور الناجح الذي لعبه كوفي انان في حل أو تأجيل الازمة". اننا نتفق معك في كل هذه النقاط، ولكن لنا تعليق واحد، وهو ان ما ذكرته يعدّ "أنشطة"، وليس "نتائج". فالولاياتالمتحدة لا تقيم وزناً لأي تأييد الا اذا كان يصب في مصلحتها فقط. فمعاداة الشارع العربي لسياسة الولاياتالمتحدةالامريكية، موقف لم يبدأ مع هذه الازمة، فهو مستمر من اواخر الاربعينيات، باعترافها باسرائيل وتبنيها لها، فهل غيّرت من سياستها؟ وفي شأن عدم استطاعتها استصدار قرار باستخدام القوة العسكرية من مجلس الأمن، علينا ان نرجع الى تصريحاتها، "اذا لم يذعن صدام حسين للمطالب الدولية، وتُفتح القصور وتُفتش، سنلجأ الى القوة العسكرية، من دون تفويض من مجلس الأمن"، وهو أمر سبق حدوثه من قبل. اذاً، عدم اللجوء الى القوة العسكرية، ليس بسبب عدم استصدار قرار بذلك، بل لأن صداماً اذعن للمطالب وأقر بالشروط. اما دور الاممالمتحدة، فلم يكن سوى اقناع صدام بالاستجابة للموقف الدولي، خشية تدمير بلده، وتهديد نظامه. ومن ثم فإن انشطة الاممالمتحدة لم تصب في اتجاه الضغط على الولاياتالمتحدة. اننا نوصي انفسنا، قبل ان نوصي غيرنا، ان نركز عند تحليل الاحداث في النتائج، وليس الانشطة. فلقد أُتخمنا شعارات، وشبعنا تنديداً واستنكاراً وشعوراً بالقلق، وهللنا احراقاً للاعلام، ورقصنا طرباً لقول هنا، وتصريح آخر هناك. ولكن كل ذلك لم يُعد لنا أرضاً ولم يَسترد لنا كرامة! ولن تقوم للعرب قائمة الا بامتلاك القوة، بعناصرها الشاملة، التي تردع، وقد تعيد الحق، من دون قتال. خامساً: لقد اتفقت معنا على "ضرورة البحث عن المصالح العربية، واستثمار المواقف الدولية، والوقوف بوجه السياسات الجائرة، للبدء بالخطوة الاولى". ولكن، يُفهم من نهاية هذه الفقرة، كأننا ندعو أو نهدف أو نؤيد ان تظل "جراح الماضي امام رؤيتنا المستقبلية". ان هذا المعنى غير دقيق على الاطلاق، لأن من يعيد قراءة المقالين الاخيرين: "يفتعل أزمة... ليجلب ضربة" و"هل تبدأ"، يدرك تماماً انهما بعيدان كل البعد عن هذا المفهوم. فمَن من الدول العربية، قادة وشعوباً، يريد ان نظل نلعق الجراح، ونعيش في دوامة الماضي، احداثاً وأحقاداً؟ ولكن، للرؤية المستقبلية وللبناء الصحيح، لا تكفي الشعارات، ولا تكفي التصريحات، ولا تكفي الاحضان و"حَب الخشوم". فالبناء الصحيح لا بد ان يعتمد على أساس سليم. ولن تكسب عدواً، يظل على عناده وصلفه وأطماعه، الا اذا تنازلت عن حقوقك وكرامتك وكبريائك. الأخ الكريم نشكر تجاوبكم، وابداء وجهة نظركم، وسعة صدركم للحوار والرأي الآخر، ونتمنى ان نتلقى منكم المزيد من التعليقات البناءة. وكل ما نطلبه، قراءة المقالات بعمق أكثر، فالنقاط على الحروف واضحة. ومع تقديرنا لمشاعركم الطيبة نحونا، نتمنى لكم كل التوفيق والنجاح.