بعد مرور نحو 7 أعوام على صدور قانون الاستثمار رقم 10 في سورية، لا يزال الجدل قائماً حول النتائج التي حققها، خصوصاً وانه يعتبر البداية الرسمية للمرحلة الثانية من الانفتاح الاقتصادي و"نقلة نوعية مهمة" لبناء المناخ الاستثماري المنافس. وفي الوقت الذي يرى بعض المستثمرين انه أحدث مجموعة من الآثار الايجابية في كافة أبعاد الاقتصاد السوري خلال فترة قصيرة، الا ان آخرين يعتقدون ان القانون لم يدرس بعناية وان هناك الكثير من الثغرات فيه أدت الى خسائر كبيرة وتشير الأرقام الى عودة بعض الصناعيين الى تنفيذ مشاريعهم وفق المرسوم 103 الذي يعود الى عام 1952. وعلى رغم ان العملية الاستثمارية في سورية لم تبدأ بصدور قانون الاستثمار رقم 10، الا ان عدداً كبيراً من الاقتصاديين اعتبره "البداية الرسمية لسياسة الانفتاح" التي اتخذتها الدولة منذ منتصف الثمانينات تحت شعار التعددية الاقتصادية. وسمحت الحكومة آنذاك للقطاع الخاص بالدخول في شراكة مع القطاع العام لتأسيس شركات زراعية وسياحية، في اطار اعطاء المستثمرين دوراً في عملية التنمية الوطنية. ويقول الخبير الاقتصادي، الدكتور نبيل سكر، ان الاصلاح بدأ "خطوة خطوة الى ان جاء القانون رقم 10 ليقول بشكل رسمي اننا نشجع القطاع الخاص المحلي والاجنبي للحضور والاستثمار في سورية". فيما يرى الصناعي السوري السيد رياض سيف "ان كل من تشجع في البداية للاستفادة من قانون الاستثمار توقع ان يكون هذا القانون خطوة أولى تتبعها خطوات"، مشيراً الى وجوب تغيير "الكثير من القوانين لخدمة الأهداف التي جاء من اجلها القانون" لتوفير جو استثماري انتاجي. ولم تتبع القانون أي خطوة تخدم هذا الاتجاه اضافة الى ان بعض التعقيدات ظهر خلال التطبيق. وكان القانون صدر في 4/5/1991 بهدف تشجيع استثمار المواطنين العرب السوريين، المقيمون منهم والمغتربون، ورعايا الدول الاجنبية في كل المشاريع التنموية في سورية. ونص القانون على "اعفاء واردات المشاريع من الآلات والتجهيزات وسيارات العمل المعدة لخدمة المشاريع من جميع الضرائب والرسوم الجمركية"، اضافة الى اعفاء الشركات المرخصة بموجبه من جميع الضرائب لمدة خمس سنوات اعتباراً من تاريخ بدء الانتاج الفعلي. كما سمح القانون لكل المستثمرين باعادة تحويل قيمة حصتهم الصافية من المشروع بالنقد الاجنبي الى الخارج. ولعل أهمية هذا القانون تنبع من توحيده ولو شكلياً للجهة المشرفة على الاستثمار، عبر احداثه "المجلس الأعلى للاستثمار"، ومن خلال منحه للمرة الأولى المستثمر العربي والأجنبي، المميزات نفسها الممنوحة للمستثمر السوري وبحدود ملكية تصل الى 100 في المئة من المشروع. غير ان بعض المستثمرين ينتقد الحكومة لتعدد الجهات التي يجب ان يلجأ لها المستثمر قبل الحصول على ترخيص، ويطالب بتوحيد فعلي للجهة. وكان عدد المشاريع التي يشملها القانون بلغ قبل الغاء بعض المشاريع أكثر من 1550 مشروعاً. لم يتجاوز عدد المشاريع الزراعية 2 في المئة منها مقابل 25 في المئة للمشاريع الصناعية و42 في المئة للمشاريع في مجال النقل البري والبحري، ما أثار تساؤلات عن صحة التسهيلات المقدمة الى المستثمرين من دون تمييز بين القطاعات. ويقول أحد المستثمرين ان القانون "جيد وفيه من المميزات ما يستقطب المستثمرين من حيث الاعفاءات والتسهيلات، وانه وجد لتشجيع الصناعات المنتجة والصناعات التصديرية، وهذا نراه في نص القانون وجوهره. الا انه تم اختراقه، اذ ان مشاريع النقل وتأجير السيارات بددت مبالغ كبيرة من الرأسمال الوطني". ويتفق سكر مع ذلك ويشير الى "ان وضع قطاع النقل السياحي وهو من أولويات المشاريع الى جانب الصناعة والزراعة، أدى الى ضياع مبالغ هائلة على الدولة كانت تستطيع جنيها في حال السماح باستيراد السيارات". ويبلغ عدد مشاريع النقل المنفذة 572 مشروعاً. وتشير المعلومات الى ان نسبة تنفيذ هذه المشاريع تصل الى 90 في المئة بسبب الربح السريع الذي تحققه خصوصاً وان الدولة أعطت اصحاب هذه المشاريع هامشاً كبيراً لتحديد أجور النقل يصل الى ضعف الأجور لدى شركات القطاع العام، اضافة الى انخفاض كلفة هذه المشاريع قياساً الى المشاريع الصناعية، والخلل الحاصل على صعيد تطبيق أحكام القانون لجهة السماح باستيراد أعداد كبيرة من السيارات السياحية، على أساس انها من مستلزمات المشاريع المعفاة من الجمارك والضرائب، علماً ان القانون لا يعفيها من ذلك لأنها من الناحية الفعلية لا تستخدم في المشاريع المقامة. وسمح القانون للمستثمرين باستيراد سيارات سياحية لخدمة مشاريعهم بشكل يتجاوز القوانين النافذة التي تمنع القطاع الخاص من استيراد السيارات، وتفرض رسوماً تصل الى 300 في المئة على السيارات المستوردة باحدى الوسائل الوحيدة: مغترب أو نائب في البرلمان أو مشوه حرب. ولتجاوز تطبيق القانون بشكل سيء، وضع "المجلس الأعلى للاستثمار" شروطاً جديدة لهذا النوع من المشاريع منها رفع الحد الأدنى لرأسمال أي مشروع نقل الى 20 مليون ليرة بدلاً من عشرة ملايين واقتصار المشاريع المرخص لها على النقل الجماعي والشاحنات والسيارات المبردة. وفي مجال الاستثمار الصناعي، تشير الأرقام الرسمية الى ان عدد المشاريع الصناعية المشمولة حتى عام 1996 وصلت الى 781 مشروعاً برساميل متوقعة 227 بليون ليرة. غير ان عدد المشاريع المرخص لها لم يتجاوز 374 مشروعاً برساميل 60 بليون ليرة، اما المنفذة فعلاً فهي 140 مشروعاً برساميل 15 بليون ليرة فقط. اذ ان أي مشروع ينتقل الى مرحلة الترخيص ثم التنفيذ قبل العمل والانتاج. ويرى السيد سيف ان سبب قلة المشاريع الصناعية الكبيرة "حاجة هذا النوع الى فترة طويلة من التأسيس تصل الى ثلاث سنوات، اذ انه من المستحيل تحقيق ربح في السنة الأولى والثانية، اضافة الى الحاجة الى سنة اخرى لمحو الخسائر الماضية. وقد تنتهي السنوات الخمس المعفاة من الضرائب من دون ان يحقق المشروع الكبير أرباحاً حقيقية. بل يتعين على المستثمر في السنة السادسة ان يسدد ضرائب تصل الى 63 في المئة من الأرباح وهذه نسبة مرتفعة". ويشير مستثمر آخر الى ان المشاريع الصغيرة "قادرة على الالتفاف حول بعض القوانين التي تعيق الانتاج وتزيد التكاليف، ولذلك كان من الطبيعي ان تغيب مشاريع الصناعات الاستراتيجية عن القانون رقم 10، لأن هذا الحجم من المشاريع غير قادر على التعايش مع القوانين النافذة حالياً". ويوضح الدكتور سكر صعوبة قيام المشاريع الصناعية الاستراتيجية التي تكون فيها نسبة الارتباط بالبلد أكبر، لأنه "من الصعب تشجيع هذا النوع من المشاريع عن طريق تقديم الاعفاءات والحوافز فقط، ان لم توفر له المؤسسات الأخرى كالمصارف والمدن الصناعية وحرية انتقال الأموال والثبات من أسعار القطع الأجنبي والتخلي عن القوانين القديمة. اذ ان تحسين مناخ الاستثمار لا يتم بتحسين مكون واحد بل يتطلب تحسين كافة مكوناته. ولذلك ليس هناك فرق بين القانون رقم 10 والمرسوم 103 في جو استثماري غير مكتمل". وألغى مجلس الاستثمار" العديد من المشاريع بسبب عدم جدية أصحابها. وبلغ عدد المشاريع الملغاة أكثر من 200 مشروع لم يقم أصحابها بأي عمل يثبت حسن نيتهم بتنفيذ مشاريعهم. ويشار الى ان النسبة الكبيرة التي لم تنفذ مشاريعها هي في القطاعات التي تحتاج الى توظيفات كبيرة، ومنها مشاريع الاسمنت التي تم الترخيص لها ولم تنفذ، وأحد الأسباب التي ساعدت على ذلك، التسعيرة التي تم احتسابها لقيمة المواد الأولية،اضافة الى آلية التسويق المقترحة. ويعتقد خبراء ان معامل الاسمنت لم يتم تنفيذها لأن رأسمالها كبير، وقد أحجم بعض المستثمرين عن تنفيذ وعودهم لأن السوق المحلية لا يمكن ان تستوعب أكثر من معملين، فيما تم الترخيص لأكثر من 7 معامل تريد انتاج نحو عشرة ملايين طن من الاسمنت سنوياً، فيما تبلغ حاجة السوق نحو 7 ملايين طن توفر مصانع القطاع العام نصفها. وكان صدر قبل قانون الاستثمار عدد من التشريعات التي تحكم الاستثمار الصناعي والزراعي والسياحي في سورية منها المرسوم التشريعي 103 لعام 1952، ويتضمن مجموعة من المزايا أهمها إعفاء المؤسسات الصناعية من ضريبة الدخل لمدة ثلاث سنوات اعتباراً من بدء استثمار المشروع، واعفاء المشاريع المقامة حديثاً من ضريبة ريع العقارات لمدة ست سنوات واعفاء الآلات والتجهيزات من الرسوم الجمركية. ويعزو الخبراء الاقتصاديون أسباب عودة بعض الصناعيين الى تنفيذ مشاريعهم الجديدة وفق المرسوم 103، الى تحديد القانون رقم 10 رأسمال المشروع بعشرة ملايين كحد أدنى، في الوقت الذي لا يرغب مستثمرون بإظهار رأسمال المشروع الحقيقي في ضوء عدم وجود سوق لتداول الأسهم. ويقول الدكتور سكر انه "على رغم كون المرسوم 103 يعطي اعفاءات ضريبية أقل، الا انه يسمح للمستثمر بجلب الآلات مستعملة ولا يطلب درجة رقابة عالية من قبل الدولة، كما ان الترخيص يأخذ فترة أقل، اضافة الى كون القانون رقم 10 يضع المستثمر تحت مجهر كبير ويطلب منه حسابات مصرفية وغيرها. بالطبع، ان كل هذه الأمور جيدة لكن في ظل المناخ الاستثماري الموجود فإن المستثمر يفضل الهروب الى المرسوم 103". ويؤكد خبير اقتصادي آخر "عدم الحاجة الى تقديم اعفاءات ضريبية لتشجيع الاستثمار، "بل من الأفضل اتخاذ القرار الأصعب وهو حل مشكلة القوانين المعيقة للاستثمار ومنها القانون 24 بالاضافة الى النقص في الدراسات الاقتصادية، فالأرقام وان وجدت فهي غير دقيقة". وكتبت صحيفة رسمية ان نسبة قيمة صادرات المشاريع المرخص لها بموجب القانون، لم تتجاوز 7 في المئة من مجموع الصادرات، علماً ان احجامها الاستثمارية تشكل نسبة كبيرة في الصناعة الوطنية. ويقول الصناعي سيف: "من المؤكد ان مشاريع السيراميك بقيت درساً يستفاد منه، فهي تعمل بطاقة تراح بين 20 و35 في المئة وذلك لتزاحمها على السوق الداخلية الصغيرة نسبياً. ومشاريع بهذه الضخامة تعمل بهذه النسبة تعتبر خسارة. والسيراميك السوري وقف عاجزاً عن التصدير بسبب عدم توافر المواد لأولية بالجودة المطلوبة والسعر العالمي". وكان القانون اعطى فرصة اعفاء سنتين اضافيتين للمشاريع التي تصدر 50 في المئة من انتاجها. ولا توجد حتى الآن ترتيبات قانونية وادارية تضمن التأكد من ان أي مشروع صدر أكثر من 50 في المئة من انتاجه. ويأخذ خبراء على القانون انه لم يعط رجال الأعمال في المحافظات الفقيرة امتيازات اضافية لخلق توازن اقليمي ومناطقي على صعيد التوزيع الجغرافي للانشطة الاقتصادية بما يضمن التنمية الاقليمية، ما أدى الى تمركز 76 في المئة من المشاريع في ريف دمشق وحلب، حيث وصل عدد المشاريع الى 897 مشروعاً من أصل 1291 مشروعاً، ولم يتم الترخيص في بقية المدن مجتمعة سوى لپ394 مشروعاً. وتحتاج المشاريع الصغيرة الى تراخيص مبدئية بشكل أقل تعقيداً وبيروقراطية من المشاريع الأخرى. وبموجب ذلك يتعين على الوزارات المختصة كوزارة الصناعة التي تدرس المشروع المطلوب الترخيص له لمدة 30 يوماً، وخلال مدة مماثلة يتعين على "المجلس الأعلى للاستثمار" ان يصدر قراره في شأن المشروع. وتشير تجارب معظم المستثمرين الى ان هناك بعض المشاكل التي تواجههم في هذا الشأن ومنها صعوبة الحصول على قطعة الأرض اللازمة وعلى مكان مناسب في المناطق الصناعية بسبب عدم وجود تحديد لهذه المناطق. واذا وجد هذا التحديد في حالات نادرة، فإن هذه المناطق غير منظمة وغير مجهزة بشكل كامل بالمرافق الأساسية من طرق وكهرباء وهاتف وغيره. كما ان هناك مشكلة الحصول على رخصة بناء. وتوقعت مصادر في "المجلس الأعلى للاستثمار" حصول تعديل لقانون الاستثمار يتعلق بمنح اعفاءات أكبر للمشاريع التي تقام خارج المدن الرئيسية، اضافة الى اقامة مناطق صناعية في دمشق وحلب وحمص تساهم في حل العديد من الاشكالات التي تعاني منها المشاريع، سواء من ناحية الترخيص الاداري أو في تكاليف جديدة للطاقة وشبكة المياه والصرف الصحي والاتصالات. وقال برلمانيون ان التعديلات التي يدرسها البرلمان منذ سنوات، تتضمن ايضاً اعطاء صلاحيات جديدة للوزارات بحيث تستطيع كل وزارة ان تمنح موافقات للمشاريع التي تقع ضمن نطاق عملها. وسيكون ذلك مفيداً للمستثمرين لأنه سيوفر عليها الوقت في انتظار الحصول على نتيجة طلباتهم.