لم يكن فندق "امفيتريت" المجاور للقصر الملكي في الصخيرات على بعد حوالى 15 كلم جنوب العاصمة الرباط، يلفت انتباه الناس. وعلى رغم أنه كان يستضيف كبار الضيوف الذين يفدون إلى المملكة، في انتظار اجتماعهم مع العاهل المغربي الملك الحسن الثاني الذي يفضل قضاء الصيف في منتجع الصخيرات، فإن الفندق يظل مفتوحاً في وجه الزوار الذين يقصدونه للسباحة والاستجمام على الساحل الأطلسي. وحين يلتقي الرواد مع كبار الشخصيات، وفي مقدمهم الأمراء والوزراء والفنانون يكتفون بالتحية وفضول إلقاء النظرات. بل أن الفندق نفسه تحول مرات عدة إلى رواق لعروض الفنانين التشكيليين العالميين الذين يجذبهم الحضور المتميز للشخصيات البارزة التي تختار الإقامة هناك، في حين ان مؤسسات تلفزيونية دولية اختارت ان تنقل من الفندق سهرات فنية يختلط فيها الموروث الثقافي المغربي الأصيل في الألبسة والطبخ والموسيقى، وتمتزج تقاليد الضيافة بفنون عصرية غربية وشرقية. في مثل هذا الوقت من العام الماضي أفاق سكان المناطق المجاورة للفندق على وضع جديد، إذ اغلقت المنافذ المؤدية إليه وزاد أعداد الحراس المدججين بالأسلحة الخفيفة. كانت المناسبة لجوء رئيس زائير الراحل الماريشال موبوتو سيسي سيكو إلى الرباط، المنفى الأخير الذي قاده إلى مقبرة في حي المحيط، يرقد فيها جثمانه مثل أي إنسان آخر، وقتذاك بدا أن الأمر مختلف عن زيارات سائر الضيوف، وحتى في الوقت الذي كان المغرب يفتح أبوابه للمنفيين، مثل الراحل شاه إيران الذي زار الفندق نفسه، وأقام في مقر للضيافة لا يبعد عنه كثيراً على شاطئ تمارة، الذي يشكل الصخيرات امتداده الجنوبي، فإن اجراءات الحراسة كانت أقل تشدداً، إلا أن اقامة موبوتو جلبت فضول الصحافيين الذين كانوا يرابطون في الأماكن المجاورة للفندق بهدف التقاط صور للضيف الهارب من بلاده. ويذكر العاملون في الفندق أنه تحول خلال الفترة نفسها إلى مركز لايواء أفراد عائلة الرئيس المخلوع وأصدقائه القليلين. وكانت الأضواء الخافتة في بعض غرف الفندق شاهدة على نقاش يطول حول الأسرار التي حملها موبوتو معه، وتحول الشاطئ الذي يطل عليه الفندق إلى مكان مفضل للمشي والسهر وممارسة أنواع من الرياضات الخفيفة، قبل أن يقرر الضيف الافريقي اللجوء بعيداً عن الرباط في منتجع صيفي آخر يبعد بضعة كيلومترات عن مدينة العرائش شمال الرباط، إلا أن تزايد حدة المرض والوهن أعاده إلى العاصمة التي لفظ فيها أنفاسه وحيداً. وصدر نعيه من اذاعة الرباط وليس من كينشاسا العاصمة التي دخلها خليفته رولان ديزيريه كابيلا. وسيظل العاملون في الفندق يذكرون ان "امفيتريت"، الذي كان آخر محطة في حياة موبوتو، هو نفسه الذي ضم اجتماعات زعماء أفارقة آخرين كان يؤويهم المغرب، من منطلق دعمه لحركات التحرير الافريقية. والفارق ان هؤلاء كانوا يغادرون الفندق لإدارة دفة الحكم في بعض العواصم الافريقية، في حين ان موبوتو أقام فيه بعدما أصبح حاكماً مخلوعاً لا يملك غير ذكريات عن سنوات حكم مضى ولا يزال يواجه انتقادات عنيفة. المفارقة أيضاً ان دخول كابيلا غيّر اسم زائير إلى جمهورية الكونغو الديموقراطية، في حين ان الراحل موبوتو دخل فندق "امفيتريت" ليتحول اسمه بعد بضعة أشهر إلى "الصخيرات بيتش هوتيل" الذي أصبح الآن في ملكية شركة "ماجستيك هوتلز" البريطانية التي تديرها رؤوس أموال سعودية. ولأن زيارة الغرف وأماكن إقامة الشخصيات تستهوي الزوار، وبخاصة كبار الفنانين وأصحاب الملايين الذين يتنافسون في اقتناء الشقق ومآثر الخالدين، فالأرجح أن يتحول الفندق الجديد إلى مركز لاجتذابهم، بعدما أصبح "امفيتريت" ينافس "المأمونية" في مراكش و"المنزه" في طنجة، و"حسان" في الرباط، حيث أقامت أم كلثوم وعبدالحليم حافظ وفريد الأطرش ومحمد عبدالوهاب، لكن "المأمونية" استضاف الزعيم البريطاني تشرشل، وثمة فارق بين الزعامات الحقيقية وصدف التاريخ.