النجف الأشرف هي الامتداد الطبيعي للكوفة عاصمة الخلافة الاسلامية أيام الامام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكانت ولا تزال مركزاً للاشعاع الحضاري والثقافي والديني ولقرون عدة على رغم تعرضها في السنوات الأخيرة للكثير من الظلم والاضطهاد والاهمال المتعمد ومحاولات تعطيل دورها الديني والحضاري المتميز. وكانت هجرة الشيخ الطوسي الى النجف من العاصمة العباسية بغداد، أواسط القرن الخامس الهجري، ايذاناً بتأسيس جامعة علمية اسلامية فيها تضم العديد من المدارس والمعاهد الدينية وان كانت قبل ذلك مسكناً لبعض العلماء وزهادهم الذين فضلوا جوار مرقد الامام علي بعد ظهور أمره في زمن الخليفة العباسي هارون الرشيد وذلك سنة 170ه 786م وبناء قبته البيضاء من قبله. وبعد سقوط وتدمير بغداد على يد المغول الايلخانيين سنة 656ه 1258م قدر للنجف - جنباً الى جنب مع الجامعة العلمية الاسلامية في مدينة الحلة - ان تلعب دوراً روحياً وثقافياً للعراق ومناطق عدة من العالم الاسلامي، وأصبحت داراً للعلم لفقهاء المسلمين من جميع مواطن سكناهم. وكان أهم ما تميزت به مدينة النجف والمدن الدينية الأخرى في العراق - كربلاء والكاظمية وسامراء - الدراسات الدينية ذات الطابع التقليدي القديم في طريقة التدريس المسماة بنظام الحلقات وهذه الطريقة كانت ولا تزال معتمدة في معظم الحوزات العلمية في المدن الاسلامية. وكانت الدراسات تتخذ من بعض الجوامع والمساجد في المدينة، كجامع الهندي ومسجد الترك وجامع الطوسي ومسجد الخضراء، وفي صحن وغرف وأروقة الروضة الحيدرية جامع ومرقد الامام علي، أماكن لها. وكذلك في بيوت كبار العلماء التي غالباً ما كانت تضم قاعات وغرفاً كبيرة أعدت لهذا الغرض. وتخرج عن طريق هذه الدراسات الكثير من العلماء والفقهاء والمراجع ممن تخصصوا في الفقه والأصول والفلسفة والطب والفلك والنحو والأدب وعلوم القرآن. وأدى تطور الحركة الفكرية والدينية في القرن الثاني عشر الهجري واتساعها، اضافة الى توافد الكثير من الطلاب على مدينة النجف، الى انتشار المدارس العلمية الدينية فيها حتى قاربت الأربعين مدرسة ومعهداً، وكانت بمثابة جامعة اسلامية كبيرة ومعظمها يحتوي على غرف لسكنى الطلبة أيضاً، وشيدت من قبل مراجع دينية في مراحل زمنية مختلفة وسميت باسمائهم، كمدرسة كاشف الغطاء ومدرسة اليزدي ومدارس الآخوند ومدرسة الخليلي وغيرها. وشيدت مدارس اسلامية اخرى من قبل بعض البلدان الاسلامية لجالياتها التي كانت توفدها الى هذه المدينة لدراسة العلوم الدينية، كالمدرسة الهندية والمدرسة الأفغانية والمدارس اللبنانية ومدرسة الترك البادكوبة الأذربيجانية. وكانت لهذه المدارس والمعاهد الدينية خصائصها وطابعها المعماري المتميز من حيث استقلال البناء وهندسته والحاق الأقسام الداخلية للطلبة وتطور مناهج الدراسة فيها، وكانت تختلف عن حلقات المساجد والجلسات العلمية في بيوت العلماء. فصارت هي المكان المخصص للدراسة، كما كان يخصص مكان للسكان في وحدة معمارية وادارية متكاملة. اما أسلوب الدراسة في المدارس والمعاهد العلمية في النجف فكان يواكب التطور في المقررات، وحاجتها لادخال بعض المفردات والعلوم المعاصرة في مناهجها، وكانت تمد الأقطار الاسلامية بالكثير من الكوادر العلمية الاسلامية المتفتحة. ومن المقررات التي كانت تدرس فيها: علوم القرآن، والبلاغة، والحديث، والفقه المقارن، وعلم الكلام، وعلم الاجتماع، وعلم النفس، والأدب، والعروض، والتاريخ، والاقتصاد، واللغة الانكليزية، وكذلك بعض العلوم الطبيعية والرياضية كالفلك والهندسة والحساب، بالاضافة الى أصول الفقه والعقائد واللغة العربية. ومنذ ان قام الشيخ العالم المجدد محمد رضا المظفر بتأسيس "كلية منتدى النشر" العام 1957 في خطوة تعتبر مرحلة متطورة للمدارس والمعاهد العلمية الاسلامية في النجف، وقد استمرت في عملها الى ان قرر الشيخ تأسيس "كلية الفقه" التي اعترفت بها وزارة المعارف العراقية بعد ثورة 14 تموز العام 1958، فقد تطورت المناهج في هذه الكلية فأنشأت قسماً عالياً لمنح شهادة الماجستير في العلوم الاسلامية وكادت ان تنشئ قسماً للدكتوراه، لولا تدخل النظام القائم. والمدارس والمعاهد الاسلامية في مدينة النجف تحمل صفات وخصائص معمارية متميزة تتناسب مع الهدف الذي انشئت من اجله. ويمثل تخطيطها طرازاً معمارياً معروفاً في العراق يعرف بالطراز الحيري نسبة الى مدينة الحيرة عاصمة المناذرة قرب الكوفة والتي قامت النجف على اعتابها. وهذا الطراز يتمثل باحلال الصحن الفناء المكشوف المكان الاول في التخطيط وتأتي الاروقة المسقوفة المكشوفة والقاعات والغرف والمصلى والممرات والمداخل لتحتل مكانها حول تلك الساحة التي تتجه اليها كل مرافق البناء. وهذا التنسيق المتبع في بناء المدارس الاسلامية يشير الى النظام في المباني الاسلامية والى اسلوب التخطيط المعماري الذي اكدته البيئة ومتطلبات الحياة الاجتماعية. وفي اكثر الاحيان يتوسط الصحن حوض فيه نافورة ماء يستعمل احياناً للوضوء. اما الواجهات الخارجية فتقتصر على الابواب المؤدية الى الداخل واحياناً توجد فيها بعض الشبابيك التي غالباً ما تكون فوق مستوى النظر. واستخدمت في الواجهات الخارجية لمعظم المدارس والمعاهد الاسلامية في النجف تشكيلات زخرفية من الآجر وعلى مساحات معينة من الجدران بحيث اضفت مسحة جمالية رائعة على هذه الابنية. واستعمل الطابوق الآجر والجص في البناء وتم تزيين الجدران الداخلية المطلة على الفناء المكشوف بزخارف آجرية وجصية وقاشانية ملونة تتخللها كتابات من الآيات القرآنية الكريمة، وكذلك الزخارف الخشبية المتنوعة التي تغطي الشبابيك والمطعمة بقطع صغيرة من الزجاج الملون. وتتميز غالبية ابنية المدارس في النجف بوجود السراديب فيها وهي منخفضة عن مستوى ارضيتها بامتار عدة وينزل اليها بواسطة سلالم درجات، ويتحول السكن في الصيف من وسط المدرسة الى هذه السراديب، وتتم فيها المطالعة وتناول طعام الغداء وقد تمسي في الصيف ملاذاً للطلاب يقضون فيها الليل احياناً، وذلك عند اجتياح العواصف الرملية المدينة. ومنذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة سنة 1921 انشئت مجموعة من المدارس الحكومية اخذت على عاتقها تعليم ابناء النجف جنباً الى جنب مع المدارس والمعاهد الاسلامية. اما أشهر المدارس العلمية الاسلامية في النجف فهي: مدرسة المقداد السيوري السليمية تعتبر هذه المدرسة احدى أقدم مدارس النجف، وكانت تسمى بمدرسة المقداد السيوري نسبة الى بانيها الاول الشيخ جمال الدين أبي عبدالله المقداد السيوري الاسدي الحلي المتوفي سنة 828ه 1425م. وقد أعيد بناؤها سنة 1250ه 1834 م من قبل سليم خان الشيرازي ونسبت اليه وسميت بعد ذلك بالمدرسة السليمية. وتقع في سوق المشراق احدى محلات حارات مدينة النجف مقابل مسجد الصاغة المعروف، وهي صغيرة الحجم لا تتجاوز مساحتها 100 متر مربع، وتحتوي على عشر غرف. مدرسة الشيخ عبدالله يعود تاريخ بناء هذه المدرسة الى منتصف القرن العاشر الهجري وتعتبر من المدارس القديمة في المدينة. وعرفت بكونها احد أهم المعاهد العلمية، وتنسب الى الشيخ عبدالله وهو ابن شهاب الدين اليزدي، وكان من كبار العلماء آنذاك. اما موقعها فقد كان في محلة المشراق. المدرسة الغروية تأسست في اوائل القرن الحادي عشر الهجري وقبل مدرسة الصحن الكبرى، ويعود بناؤها الى عهد الشاه عباس الصفوي الاول، وكانت تقع في الجهة الشمالية من صحن الروضة الحيدرية. وفي اوائل القرن الرابع عشر الهجري تهدمت جدرانها فأعيد بناؤها من جديد من قبل السيد هاشم زيني وذلك سنة 1350ه 1931م وجعلها دار ضيافة ومنزلاً للزوار. مدرسة الصحن الكبرى وكانت هذه المدرسة جزءاً من صحن الروضة الحيدرية، وحين زار الشاه صفي الدين حفيد الشاه عباس الصفوي مدينة النجف سنة 1042 ه 1633م، امر بتوسيع صحن الروضة الحيدرية، حيث شيدت غرف للدراسة تحيط بالصحن موزعة على طابقين تتقدمها الاواوين التي تعلوها الاقواس المدببة وزينت بالبلاط القاشاني الجميل. وأعد الطابق الارضي للدراسة اما الطابق الاول فقد خصص لسكن طلاب العلوم الدينية. ويشغل غرف هذه المدرسة اليوم من لهم ارتباط بخدمة زوار الروضة الحيدرية. وتنتشر في ارجاء النجف الكثير من المدارس الاخرى منها: مدرسة الصور، مدرسة المعتمد، المدرسة المهدية، مدرسة القوام، مدرسة الايرواني، مدرسة الميرزا حسن الشيرازي، مدرسة الحاج ميرزا حسين الخليلي الكبرى، مدرسة البخاري، مدرسة الشربياني، مدرسة الخراساني الكبرى، مدرسة القزويني، مدرسة البادكوبي، مدرسة السيد كاظم اليزدي، مدرسة الاخوند الوسطى، مدرسة البروجردي الكبرى، كلية الفقه، مدرسة السيد عبدالله الشيرازي، مدرسة الهندي، مدرسة الآخوند الصغرى، المدرسة الطاهرية، مدرسة البروجردي الصغيرة، مدرسة العامليين، مدرسة الخليلي الصغرى، مدرسة الرحباوي، مدرسة الجوهرجي، مدرسة جامعة النجف الدينية، مدرسة عبدالعزيز البغدادي، مدرسة الافغانيين، مدرسة اليزدي الثانية، مدرسة الحكيم، مدرسة الكلباسي، المدرسة الرشدية العثمانية، المدرسة العلوية، المدرسة المرتضوية، مدرسة الغري الاهلية... وغيرها من المدارس العلمية الدينية القديمة والحديثة.