على رغم انني لست ممن يؤثرون الانفعال العاجل أو إعمال سطوح العواطف في الأمور ذات الخصوصية القومية الا انني وجدتني مدفوعاً دفعاً للرد على ما جاء في مقال السنوسي بلاله في "أفكار" "الحياة"، يوم 10 آذار مارس الجاري، وفيه عمد صاحبه الى الاساءة الى ليبيا الى حد اعتبر فيه ان ليبيا "السلطة" تفضل بقاء الحصار الاستعماري المفروض أميركياً لأسباب سياسية بغطاء من مجلس الأمن الدولي، على رفعه، وتالياً اسقاط آثاره المهزلة عن الشعب العربي الليبي. كما اعتبر ان السلطة دأبت على اشغال ذهن المواطن باستمرار بقضايا وهموم شتى - عددها السنوسي بلاله - بدءاً من البحث اليومي عن لقمة العيش في بلد نفطي يفترض ان يكون من أغنى بلدان العالم وانتهاءً بتكبد معاناة عواقب وتبعات ما أدينت به الدولة مراراً من "تبنٍ ودعم للارهاب الخارجي بالذات"، الى "طوابير المواطنين في مسيرات تكاد تكون يومية" تأييداً لپ"هذا الموقف ومستنكراً ذاك، الى ما هنالك…". أقول وجدتني مدفوعاً بعوامل ليس أقلها المعرفة، كأي مثقف عربي، للرد على السيد بلاله، الذي لم يعد يعرف برأيي شيئاً عن ليبيا التي غادرها منضماً الى المارقين. ان أميركا التي ينتمي اليها المارقون ويرتبطون بها، هي التي فرضت على ليبيا الحصار لمجرد قيام حالة اشتباه في مواطنين ليبيين اتصل اسماهما بحادث لوكربي المأسوي المحزن. وكانت النتيجة كما يعلم بلاله وغيره ان تكبد الشعب الليبي الثائر ولم يزل يتكبد آثار هذا الحصار الاستعماري البغيض، والذي طال حتى الكهول والمرضى والحالات الانسانية التي بات على أصحابها ان يقطعوا آلاف الكيلومترات لتلقي العلاج خارج ليبيا وبالطرق البرية، مما أوقع حوادث مأسوية لا لجريمة سوى استمرار رفض الشعب العربي الليبي للنهج الاستعماري واصراره على تأكيد هويته العربية واعتداله في التعامل مع مجمل شعوب المعمورة، رافضاً الاستغلال من قبل القوى الكبرى بخيرات بلاده وتاريخها العتيد، ورافضاً كل الرفض سياسات التبعية والاستسلام. فهو شعب كما ثورته "الفاتح" التي فجرها العام 1969 آمن بأمته وراح يعلن هزيمة الأحلاف وطرد المحتلين والمستغلين وانهاء مجمل القواعد الاستعمارية التي اقيمت على ترابه الوطني لتكون محطات انطلاق لضرب امته العربية. ان الصور البطولية للشعب العربي الليبي لا يمكن ان تقف عند مثل هذه المهاترات التي تستهدف أولاً وقبل كل شيء العمل لحساب غير الليبيين. ثم ان السيد بلاله أراد ان يقول ان الشعب الليبي صار شعباً جائعاً. وهو قول، رغم آثار الحصار البغيض، لم يحدث ولن يحدث أبداً. وليعلم بلاله، ان دخل المواطن الليبي ورغم أنف صانعي الحصار ومروجي تشديده يقف في قمة مداخيل أي مواطن في القارة الافريقية، وهو وضع مرشح للتحسن على خلفية تلك الانجازات التي حولت بها ثورة الفاتح ليبيا الصحراء الى ليبيا التي تكتسي بالخضرة وبفعل دور التعليم والمصحات والجامعات ومعاهد العلم وكل ما يندرج تحت ذلك من أوجه الحضارة والمدنية الحديثة. وأحيل هنا فقط الى مشروع النهر العظيم الذي ربما فات الكاتب حتى النظر اليه، فإن الكاتب يرى في اللجان الشعبية الثورية وكذلك في وضع نقاط المراقبة على المداخل المهمة في ليبيا ما يؤكد سطوة "السلطة"، ناسياً في الأساس أن ليبيا نظام جماهيري لا علاقة له بالسلطة بمعناها التقليدي، وهو يريدها ليبيا المفتوحة الطرق أمام المارقين والزنادقة والخارجين عن طاعة الشعب العربي الليبي العظيم. يريدها طرقاً مفتوحة لتهريب السلاح والمرتزقة والعملاء!