الى اي مدى ساهمت الحضارة الاسلامية - العربية في بعث النهضة الاوروبية خصوصاً في مجالات الفلسفة والعلوم؟ سؤال لا يزال مدار نقاش وتراوح الاجابات بين متجاهل يعتمد نهج الاقصاء الكامل، وقائل بتأثير محدود وبسيط، ومعترف بوجود صلة بين نهضة اوروبا والعامل الاسلامي المتعدد الوجوه خصوصاً في اطار حضارات البحر المتوسط. تناول هذه المسألة بالشرح والتوضيح العديد من المشاركين في "ندوة تونس" 16 - 21 شباط/ فبراير عن ابن رشد. وقرأ كل باحث المسألة من زاوية مختلفة. فالمدير السابق لمعهد الدراسات والبحوث الاجتماعية في طهران احسان نراقي تعرض الى حركة الترجمة وانتقال المعارف الانسانية من مدينة الى اخرى ودور الحضارة الاسلامية في حفظ التراث وحمايته من التلاشي والتجاهل. وتعرض الاستاذ في كلية التربية في جامعة الموصل عبدالواحد ذنون طه للمسألة من ناحية مواقف الجامعات الاوروبية من فلسفة ابن رشد في العصور الوسطى ونشوء تيارات متعارضة في قراءة كتابات فيلسوف الاندلس. وركز الاستاذ الجامعي التونسي علي الشنوّفي بحثه على مدى صدى نظريات ابن رشد في اوروبا الغربية الوسطى وتأثيرها في نخبة من المثقفين لفترة زمنية طويلة. بينما اقتصر بحث استاذ الفلسفة ماجد فخري على تناول مسألة قدم العالم واختلاف توما الاكويني عن ابن رشد في تناولها. حاول احسان نراقي في بحثه عن "السند الاسلامي للانبعاث الغربي" ان يجيب عن سؤال: لماذا يتجاهل الاوروبيون دور الحضارة الاسلامية في تكوين الوعي الاوروبي المعاصر عبر المساهمة في حماية التراث الفكري الانساني وحفظه من خلال الترجمة؟ وللاجابة قام بقراءة تاريخية لانتقال المعارف الانسانية من خلال الترجمة وصلة حلقات الحضارات وتواصلها وتأثيرها المتبادل منذ مئات القرون. يبدأ نراقي دراسته التاريخية من مكتبة دمشق التي اسسها الخليفة الاموي الاول معاوية بن ابي سفيان وضمت مصنفات الاحاديث والكتب، ثم تطورت المكتبة باشراف حفيده خالد بن يزيد "الذي كرس حياته لدراسة علوم الاغريق وأمر بترجمة مؤلفات الكيمياء والطب". وتطور الاهتمام في العهد العباسي بالمكتبات وتنوعت مصادر الترجمة فلم تعد تقتصر على السريانية بل شملت اليونانية والبيزنطية والفارسية والهندية، ولعب الاسلام دوره في "ضمان الوحدة الثقافية للبلدان الاسلامية". وتحولت العربية الى "لغة جميع الشعوب من بغداد الى قرطبة". ويشرح نراقي تطور مفهوم الترجمة وتصنيف الكتب وانشاء المكتبات فيذكر "خزانة الحكمة" في عهد هارون الرشيد ثم "بيت الحكمة" في عهد المأمون وتشجيع الدولة واشرافها على حركة الترجمة وبروز دور الطبيب جبرائيل بن بختشوع، وحنين بن اسحق، وابنه اسحق بن حنين. وفي فضاء الترجمات برز ابو يوسف الكندي تولى مهمة تربية الخليفة المعتصم الذي درس علم البصريات وانتشار الضوء وانجز اعمالاً في الجغرافيا والجيولوجيا والارصاد الجوية وعلم الفلك وفن التنجيم. وكان لتعاليمه "اثر كبير في اوروبا الغربية في العصر الوسيط". ويأتي نراقي على دور الرياضي محمد بن موسى الخوارزمي في عهد المأمون، وعلي بن سهل الطبري الذي خدم في بلاط بغداد في عهد كثير من الخلفاء وانجز كتابه "فردوس الحكمة"، ومحمد بن جابر الذي اشتهر بكتابه حول الازياج الفلكية وتحول الى مرجع في اوروبا الغربية بين القرنين الخامس عشر والسابع عشر الميلاديين. وينتقل نراقي الى مصر وتطور المكتبات هناك من العهدين الاموي والعباسي وصولاً الى قيام حكم المقاطعات كالفترة الطولونية ثم الاخشيدية ثم الفاطمية وتأسيس الحاكم "دار الحكمة" في القاهرة، ثم الفترة الايوبية حين ازدهرت مستشفيات الطب والمؤسسات التعليمية. وخلال فترة تعاقب حكم العائلات برز في العراق والشام وفارس ومصر عشرات الاعلام في الطب والفلسفة والهندسة والفلك امثال ابن الهيثم، ونصير الدين الطوسي، وابن يونس، وعلي بن عباس المجوسي، والفارابي، والرازي ابو بكر بن زكريا، وابن سينا، والبيروني، وعمر الخيام، وجلال الدين الرومي، وابن النفيس الذي اكتشف الدورة الدموية الصغرى. واستمر الاهتمام باقامة المدارس والمستشفيات ومراكز الرصد الفلكية في عهد المماليك في مصر وبلاد الشام، كذلك في عهد المغول بعد تحولهم الى الاسلام اذ برزت في فترتهم مكتبات ضخمة في تبريز وسمرقند وطشقند. وينتقل نراقي الى المغرب والاندلس والحكم العربي في صقلية واختلاف الحكومات الاسلامية وتعدد الاسر الحاكمة وبروز الطبيب ابن الجزار صاحب "زاد المسافر" وهو الكتاب "الذي ادخل في الاندلس ونقل الى اليونانية واللاتينية والعبرية". وتأسيس امير الموحدين المنصور مستشفى مراكش وتشجيعه الطب والفلسفة اذ عاش في بلاطه ابن طفيل وابن رشد وابن زهر الحفيد. ويرى نراقي ان الاندلس كانت "رأس جسر نحو العالم المسيحي"، كذلك لعبت صقلية التي استولى عليها ملوك النورمان دورها "في نقل علوم الشرق الى الغرب". ويؤرخ لفترات الحكم العربي الاسلامي ابتداء من تأسيس الامارة الاموية في قرطبة واهتمام عبدالرحمن الثاني بالترجمات وتأسيس المدارس والمكتبات، وتطورت في عهد عبدالرحمن الثالث. واحتوت مكتبة قرطبة على اكثر من 400 ألف كتاب تم نهبها وتدميرها في فترات متقطعة خلال سقوط الاندلس. وقبل سقوط الحكم الاسلامي العربي في الاندلس توالى على حكمها المرابطون ثم جاءت دولة الموحدين التي عرفت كيف ترعى وتحضن الفكر والفلسفة ومنها انتشر الطب والعلم والفلسفة الى اوروبا الغربية، إذ كان لنظريات ابن رشد "الاثر البالغ في الفكر الغربي في القرون الوسطى". ولم يقتصر تأثير الفلسفة الاسلامية على ابن رشد بل وصل "الجزء الكبير من الميراث العلمي الى اوروبا عن طريق ايطاليا صقلية واسبانيا" من خلال الترجمة والنقل من العربية الى العبرية واللاتينية. ويشير نراقي الى دور قسطنطين الافريقي "المولود في قرطاجبتونس" في ترجمة كتب الطب والفلسفة بسبب اجادته اللغات العربية والعبرية والسريانية والكلدانية واليونانية والاثيوبية والهندية. واهتم قسطنطين باعادة ترجمة ما توافر من كتب حنين بن اسحق، وعلي بن عباس المجوسي، واسحق الاسرائيلي وابن الجزار. وبعده جاء الادريسي الذي ولد في سبتة في المغرب ودرس في قرطبة وعاش في صقلية في عهد الملك النورماندي روجر الثاني. وتطورت الترجمة والنقل عن العربية في عهد فريدريك الثاني الذي كان يلم بتسع لغات منها العربية واستعان بالمترجم يعقوب اناطولي لنقل مؤلفات بطليموس وابن رشد. كذلك اعتمد على المترجم الاسكوتلندي ميكال سكوت الذي درس في اسبانيا ونقل العديد من المؤلفات العربية من مكتبة طليطلة توليدو. وقام ليوناردو فيبوناشي، وكان والده مكلفاً بالشؤون القنصلية في الجزائر، بترجمة العديد من المؤلفات عن العربية، خصوصاً تلك المتعلقة بالرياضيات والتقنيات التجارية. الى هؤلاء هناك سلسلة من الحلقات ونقل وترجمة العلوم والفلسفة الاسلامية من العربية الى اللاتينية خصوصاً بعد سقوط طليطلة، برز منها جيرار دي كريمون الذي انتقل الى طليطلة وتعلم العربية واصبح راعي الكاتدرائية، وقام بنقل كتب الفلسفة والرياضيات والعلوم والطب واهتم بترجمة ارسطو وجالينوس واقليديوس من العربية كما ترجم رسائل الكندي والخوارزمي والفارابي والرازي وابن سينا الى اللاتينية. واحدثت الترجمات حركة فكرية شاملة اثارت نشاط الرهبانيات الفرنسية خصوصاً الدومينيكان الاخوة الواعظون فاشتهر من بينهم البرت الكبير وهو استاذ توما الاكويني. كذلك برز ابيلار الباثي كأحد كبار النقلة وتولى تربية ملك انكلترا هنري الثاني، والفرد دي ساريشال الذي نقل علم الحيوان. وبرز ايضاً ريمون لول الذي اتقن العربية واقنع البابا بضرورة انشاء مدارس باللغات العربية والآرامية والعبرية في روماوبولونياوباريسواوكسفورد وسلامنقا وتصنيف المؤلفات بغرض تنصير المسلمين. ويرى نراقي ان هناك ظلماً لحق بالمسلمين والعرب حين نهضت اوروبا وتنكرت لدور الحضارة الاسلامية في حفظ وحماية وتطوير التراث الانساني. ويلوم التيار الاقصائي الاوروبي الذي يحصر التطور المعاصر في حدود ثلاث مدن هي اثيناوروما والقسطنطينية ويطمس دور المدن الاسلامية والعربية وتأثيرها في عناصر التحول الاوروبي الحديث. ويطالب في النهاية بإعادة ابراز دور المدن الاندلسية كطليطلة واشبيلية وقرطبة وغرناطة اضافة الى بالرمو صقلية في لعب دور خاص ومميز في نقل المعارف الانسانية العقلية والعلمية والرياضية والطبية والهندسية من الشرق الى الغرب. وحول دور المدن الاسلامية والعربية في الاندلس وصقلية في التأثير على النهضة الاوروبية المعاصرة يشير عبدالواحد ذنون طه في دراسته الى مكانة طليطلة في نقل العلوم الاسلامية الى اوروبا بعد سقوطها في يد الفرنجة في سنة 478 هجرية 1085 م اذ تحولت الى مركز للترجمة من العربية الى اللاتينية حين شجع كبير اساقفتها دون ريموندو توفي سنة 546 هجرية/ 1151م الباحثين "على السفر اليها والعمل لنقل الكتب العربية الى اللاتينية". ويرى ذنون طه ان العصر الذهبي للنقل والترجمة الى اللاتينية كان في القرنين الثاني عشر والثالث عشر على رغم استمرار النقل والترجمة في القرون اللاحقة. لكن تأثير الترجمات الاولى كان له الوقع الكبير على الحياة الفكرية والجامعات في اوروبا حين اصبحت العلوم والفلسفة في شتى فروعها ومدارسها متوافرة للمرة الاولى في اوروبا التي عرفت آنذاك ما يمكن تسميته بعصر "الاستعراب". ويركز ذنون طه في دراسته على دور مايكل سكوت توفي 631 هجرية /1236م حين نقل العديد من كتب ابن رشد الى اللاتينية. ويقال ان المترجم اندراوس اليهودي قام بمعاونته في النقل والترجمة. والى جانب سكوت واندراوس اشتهر هرمان الالماني بنقل مؤلفات ابن رشد الى اللاتينية. وساهمت هذه الترجمات في نشر "المذهب الرشدي" في جامعة باريس وجامعات شمال ايطاليا فاصبحت مسرحاً للافكار الحرة وانتشرت منها الى الكنائس، فاشتهر فلاسفة ورجال دين منهم اسكندر دي هالس، وبونا فنثورا، والبرت الكبير، وتوما الاكويني، وروجر بيكون، وجيل دي روم، وسيجر دي برابانت، وريمون لول. وقاد سيجر دي برابانت التيار الرشدي في جامعة باريس واشتهر كاستاذ في كلية الآداب في حدود سنة 659 هجرية 1260م ووجدت افكاره صدى لدى غيره من الاساتذة مثل جيرو الابغيلي. كذلك نسبت آراء الى ابن رشد قام بترجمتها رجل مجهول يدعى موريس الاسباني. وبسبب انتشار الرشدية نشب صراع بين الكنيسة والجامعة انتهى بمنع تدريس كتب ابن رشد او تلك المنسوبة اليه من المترجم موريس الاسباني. وجدد البابا غريغوري التاسع في سنة 629 هجرية 1231م في رسالة الى اساتذة كلية اللاهوت هذا المنع. الا ان قرار المنع فشل في تحقيق غاياته فتراجعت الجامعة عنه الى سنة 653 هجرية 1255م. وما لبث ان نشبت خلافات بين الاساتذة انقسمت الى رشدية وغير رشدية فاضطر اسقف باريس اتين تومبيه الى التدخل في سنة 688 هجرية 1269م والاتفاق مع الاساتذة على تحريم تدريس 13 مسألة من افكار ابن رشد. وبرز في جامعة باريس اكثر من اتجاه فهناك تيار البرت الكبير وتلميذه توما الاكويني اذ درسا بالتتابع في جامعة باريس بين 1234 و1272م وقاما بالرد على افكار ابن رشد ومناقشتها من موقع "ايماني مسيحي" تناول تحديداً مقولة وحدة العقل. وانضم اليهما جيل دي روم الذي وضع العديد من الرسائل ضد "الاضاليل" الرشدية. مقابل التيار اللارشدي نهض تيار رشدي مضاد قاده سيجر دي برابانت بمعاونة صديقه جيروالا بفيكي عمل على نشر افكار ابن رشد والتشجيع على دراستها. وتطور الصراع بين التيارين فتدخلت الكنيسة وحرمت تدريس ابن رشد في جامعة باريس بين 670 و676 هجرية 1271 - 1277م وانتهى بطرد دي برابانت وصديقه جيرو من كلية الآداب ثم احيلا الى ديوان التفتيش وتدخل البابا نقولا الثالث لمنع قتلهما. ووضع دي برابانت تحت الاقامة الجبرية وقتل في حادث غامض على يد سكرتيره. لم يضمحل التيار الرشدي في اوروبا بمقتل دي برابانت بل استمر يثير الجدل في الاوساط الاكاديمية والدينية في وقت شارفت حروب الفرنجة في بلاد الشام على نهايتها وعجزت اوروبا عن اعادة تجديدها. وانقسم التيار الرشدي الى مدرستين: واحدة تفند افكاره وترد عليها، واخرى تدافع عنه وتحاول نشرها وتدريسها. وقاد التيار المضاد الذي اسسه توما الاكويني شخصية عرفت بمعارضتها للرشدية هو رامون لول الذي جاء من جزيرة ميورقا الاندلسية. درس لول سنة 687 هجرية 1288م في جامعة باريس واخذ بالتنقل بين باريس وفيينا ومونبلييه وجنوى ونابولي وبيزا ساعياً الى تنفيذ آراء ابن رشد في سنتي 711 و712 هجرية 1310 - 1312م. واقترح على البابا كليمونت الخامس تأسيس كليات لدراسة اللغة العربية بهدف محاربة الاسلام والدعوة الى تنصير المسلمين في المناطق التي خضعت لحكم الافرنج. وقام لول بتأليف 18 كتاباً في الرد على ابن رشد والرشدية واستمر في نشاطه المضاد الى ان توفي في سنة 715 هجرية 1315م، بينما واصل خصمه جان دي جاندان دفاعه عن ابن رشد ونقده لآراء توما الاكويني. وقام جاندان بتدريس الرشدية في كلية الآداب في جامعة باريس وكذلك في كلية اللاهوت وانتقل الى جامعة بادو التي تأسست في شمال شرقي ايطاليا في سنة 619 هجرية 1222م ورد على انتقادات توما الاكويني لفلسفة ابن رشد واستمر على نشاطه الى ان توفي في سنة 729 هجرية 1328م. وبقي التجاذب بين التيارين الى ان تراجعت جامعة باريس عن قرارها في تدريس ابن رشد في عهد الملك لويس الحادي عشر حين سمح بتدريسه بمرسوم اصدره في سنة 888 هجرية 1473م. آنذاك انتشرت الرشدية في اوساط المثقفين والاكاديميين ورجال الدين واخذت بترسيخ اقدامها انطلاقاً من جامعات شمال شرقي ايطاليا بادو والبندقية. وبرز تيار قوي يقوم بتدريسه والدفاع عنه ونشر افكاره والتأليف عنه قاده سرفيت اربانو من بولونيا واوغسطين بول من البندقية توفي سنة 833 هجرية 1429م وغايتانو دي تين توفي في 870 هجرية 1465م، ونيكو ليتي فرينانس الذي درس في جامعة بادو في سنوات 876 - 905 هجرية 1471 - 1499م. وانتشر ايضاً التيار الرشدي في اوكسفورد في القرن الخامس عشر فبرز من انصاره يوحنا البكنتروبي ووالتر بورلي. وعلى رغم صدور مرسوم بابوي في سنة 918 هجرية 1512م بتحريم الرشدية بعد عقد مجمع لاتران، حصل تحول لمصلحة ابن رشد في القرن السادس عشر، كما يذكر ذنون طه، بفضل مجموعة اساتذة الجامعات الايطالية منهم اوغسطين نيفوس، ومارك انطوان زيمارا، اذ قاما بترجمة كتبه وشرحها بين 901 هجرية 1495م و988 هجرية 1589م. ويعتبر سيزار كريمونيني آخر ممثل صريح للرشدية في اوروبا حين درّس افكاره لمدة 17 سنة في جامعة فرار و40 سنة في بادو. وبوفاته سنة 1041 هجرية 1631م انتهى نفوذ الفلسفة الرشدية في ايطاليا واوروبا بعد مقاومة دامت اكثر من ثلاثة قرون. آنذاك بدأ عصر الفيلسوف الفرنسي ديكارت الذي شاعت افكاره في اوروبا قبل وفاته في سنة 1061 هجرية 1650م. ولولا التيار اللاهوتي الفلسفي الذي انتعش بتأثير افكار ابن رشد سلباً ام ايجاباً لما عرفت اوروبا تلك النهضة الفكرية التي بدأت بترجمات وتعليقات وشروح البرت الكبير، وتوما الاكويني، وبونا فانتور، وسيجر دي برابانت، وروجر بيكون، وريمون لول على افكار فيلسوف الاندلس في نهاية القرن الثالث عشر ومطلع القرن الرابع عشر الميلادي. ويرى علي الشنّوفي ان كتب ارسطو مرت الى العالم اللاتيني في مرحلتين: الاولى دامت سبعة قرون تمتد من مطلع القرن السادس وتتواصل الى منتصف القرن الثاني عشر الميلادي ولم يتم فيها الاطلاع الا على كتابات ارسطو في المنطق. والثانية بدأت في نهاية القرن الثاني عشر وامتدت الى مطلع القرن الرابع عشر الميلادي حين ظهرت كل كتابات ارسطو مترجمة من اليونانية الى اللاتينية او منقولة عن العربية والعبرية. ويرى علي الشنّوفي ان التأثير الفلسفي الاسلامي لم يقتصر على ابن رشد بل تأثرت مدارس اوروبا في حركتها الادبية بالصوفية والتصوف الاسلامي، كذلك تأثر دانتي اليغياري بالآداب العربية واستقى افكاره من "رسالة الغفران" للمعري، و"التوابع والزوابع" لابن شهيد، و"رسائل النقد الادبي" لابن شرف. كذلك اثرت كتابات الامام الغزالي ورسائله في الحركتين الادبية والفلسفية حين اخذ عنه الكاتب الاسباني غراسيان توفي 1658م قصة الانسان والحيوان، واخذ ديكارت عنه فكرته الفلسفية الشك اول مراتب اليقين من كتابه "المنقذ من الضلال".