ما بها تفرطُ أنظار المهى في فم العُصْفورِ والعصفور يلهو حولَها برفيفٍ يتوارى عنده شوقٌ لحَبّ القنْبز المودوع في كيس الثواني عندها رجفةٌ في الكفّ في المنطقة العطشى وأجيالٌ من الأشياء في القبْوِ وداءٌ في المفاصلْ عندها نظّارتا شمسٍ وضعفٌ في مطلّ القلبِ يصحو ويُقاتلْ ما بها قالوا.. ولكني مررتُ بهم فقالوا ما بنا لستُ من أعدائكم قال الغرابْ ناعقاً بالحُبّ في جيبتهِ عصفورتانْ مدّت الأولى من الأغمار عنْقاً زاهياً في تلاشيهِ ومنقاراً يقولْ ما بنا يا أختُ أحكي عسلاً وتنامين على ثغر خجولْ صاحت الأخرى: بَدَا جسمي خرابْ والذي بي عوجٌ في الظهر حتى المنتهى وانحناءٌ في مدى العمر يطولْ.. ما بها تفرطُ أياماً لنا.. ولَها والشهدُ في قفرانها عسلٌ مغمى ونحلٌ نائمٌ منذ عامين على أجفانها عسلٌ؟ ما همَّ عندي عسلٌ ورغيفٌ يابسٌ في قلبه أغمضَ اللهُ وغار المنتهى.. ما بها؟ كتبَ الجدُّ على شبّاكها حَنْبلاساً ومضى يضحكُ في تيه الوصالْ مُسخناً يقطف في عكّازه من جميل القول ما لذَّ وقالْ كم أنا أعرف ناساً زرعوا حنْبلاساً قطفوهُ بُرتقالْ... غمز الجدُّ وصاحتْ جدّتي: هكذا من غير أسنان وقنبازٍ ومنْ دون غليونٍ وشروالٍ ولا حجَرٍ يبرمُهُ حتى ولا.. هكذا تعشقُ يا أحلى الرجالْ حفظَ الجدُّ لها منزلةَ في حواشيهِ فجاء البردُ في ليلةٍ عاريةٍ نامت بها زمناً قامَ إلى غرفتها حالكَ الظلمة غطَّاها يقولْ: منتهى نامت وفي حسبانها أنها موقدة الجمر البتولْ سمعتْ ما قاله الجدُّ بها أخذت بَرْداً وشدّت فوقهُ شالَها والليلَ والبدْرَ الخجولْ تَهَمتْ جدي به فاستعذر الجدُّ بالعينيْن يرمي فوقَها تعَبَ القُطْن وأشواقَ الفصولْ لا تُغنّي جدّتي لكنّها تمسَحُ الأرضَ ببرقٍ خُلَّبٍ كلَّ يوم سفرةٌ هَمْدرةٌ في دروبِ العمر تبني عسلاً ثمَّ يهوي في تويْجَات الزهورْ.. لم تفارقْ جدّتي أبوابَنا هيَ والشمس وديكُ العَرَباتْ تقفزُ الأشياءُ من غصنٍ إلى شوكةٍ تعقصُ فستانَ النذورْ.. لم تغادرْ جدّتي أثوابَها من زمان النحل حاكت حقلةً لبست من زهرها أبهى العطورْ.. لم تبارحْ بيتَنا ألحانُها منذ عامين وعشرينَ سنه لحّنت قمحاً وغنّت برغلاً وعصافيراً أقامتْ حولها كم أراقت في النهارات صدىً وأدارتْ في الليالي مطحنه... صرخَ الجدّ لها من غُرفة الجسمِ: لا تنسَيْ طلبنا كوبَ ماءْ لم أغادرْ عطشي يا منتهى منذ بدء العمر أحكي عسلاً: - أطلب الماء وأُروى بالغِناءْ...