اتهم رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف "ايادي اجنبية"، بمسؤولية اعمال العنف الطائفية التي استهدفت ايضاً ايرانيين في كراتشي. وتبدو باكستان، وكأنها تعيش على وقع تصعيد واضح للعنف الذي يكاد يقودها الى حافة الهاوية. واذا كان نواز شريف لم يحدد هوية "الايادي الاجنبية"، فان كل الوقائع تشير الى تشابك متكامل مع افغانستان وحصول تبادل تام بين الدوافع والاهداف في هذا التصعيد. عن هذا الوضع كتب اسعد حيدر : جوهر أيوب خان وزير خارجية باكستان، لم يجد ما يرد به على اتهامات طهران لحكومته بالتقاعس عن اكتشاف المجموعات التي اغتالت في خلال خمسة أشهر، خمسة من الحرس الثوري كانوا ينفذون دورة تدريبية في الطيران، ومهندسين ايرانيين، واحراق المركز الثقافي الايراني، الى جانب اغتيال عدد من الشيعة الباكستانيين في 22/2/98 كان آخرهم ثمانية من المصلين الخارجين من المسجد. ويأتي هذا التصعيد، رغم القوانين الصارمة ضد الارهاب التي اتخذتها حكومة نواز شريف لدى تسلمها السلطة قبل عام، والبتّ بسرعة وحزم بكل القضايا الاجرامية. وتجمع مختلف الاوساط في باكستان على ان "اليد" الباكستانية التي تنفذ هذه العمليات والتي تقابلها عمليات مضادة من الشيعة، هي حركة "سباه السنة" المتطرفة والمتشددة في مواقفها من الشيعة. لكن هذا لا يفسر بشكل واقعي وعميق ما يحصل في باكستان، والذي يكاد يضعها على حافة حرب أهلية واسعة. فما يحصل هو نتيجة لتراكمات عدة ولأسباب متداخلة مع افغانستان. والبداية، هي مع الجنرال ضياء الحق كما تؤكد الباحثة والاستاذة الجامعية الفرنسية مريم ابو ذهب الاسم الفرنسي الاول هو السيدة وولكمان المتخصصة في الشؤون الباكستانية وذلك في لقاء خاص معها. فالرئيس الباكستاني الاسبق الجنرال ضياء الحق، نقل الباكستان من دولة دينها الاسلام، الى دولة اسلامية. وقد وضع اللبنة الاولى لذلك عندما فرض الزكاة، عن طريق اقتطاع الدولة هذه النسبة من الحسابات المصرفية للمواطنين مباشرة. واذا كان هذا القرار، قد أحدث هزة كبيرة في قطاع رجال الدين السنة ادت الى التفافهم حول الرئيس ضياء الحق، فانه اوقع زلزالاً معاكساً لدى رجال الدين الشيعة. اما اسباب اختلاف ردة الفعل فتعود الى: ان القرار حرر رجال الدين السنة من السطوة المالية للاقطاع ومن زعماء القبائل، فأطلق يدهم في الحركة والدعوة. ان رجال الدين الشيعة اعتبروا القرار انتزاعاً لاستقلاليتهم المالية التي يحافظون عليها استناداً الى العلاقة المباشرة بينهم وبين المتدينين الشيعة، مما بدأ يرفع من حدة نقمتهم. والملاحظ، ان توقيت القرار جاء في لحظة تاريخية اضفت عليه قاعدة التشابك بين الداخل والخارج. فهذا القرار صدر في منتصف 1979، اي مع بدايات الثورة في ايران وفي عزّ زخمها وامتداداتها الفكرية والثورية، وفي الوقت نفسه مع بدء التحولات في افغانستان والتدخل السوفياتي وصولاً الى الغزو العسكري وصعود "الجهاد" وسيلة للتحرير. وفي الوقت اياه كانت باكستان تتحول الى قاعدة وعمق استراتيجي لكل الاحزاب والقوى الاسلامية الافغانية. واذا كان العامل الايراني، قد ولد لدى الشيعة الباكستانيين، الشعور بالقوة وامكانية احداث تحولات عميقة من خلال الثورة والالتزام الديني، فان تحول باكستان الى قاعدة خلفية للافغان ومن ثم تحقيق الانتصارات باسم الجهاد ضد السوفيات اخذ يضفي تحولاً تدريجياً في الحركات الاسلامية ومنظماتها باتجاه تسييسها بدلاً من انطوائها على النشاط الديني فقط. ولعبت "المدارس الدينية" دوراً اساسياً في هذا الانتشار والتسييس التدريجي باسم الجهاد. وبالارقام فان باكستان التي نشأت فيها بين 1947 و1975، حوالى 868 مدرسة شهدت بين 1976 و1997، قيام 1644 مدرسة. ويقدر عدد طلاب كل مدرسة بحوالى الفي طالب كمعدل وسطي. وهذه الارقام كلها أرقام رسمية فيما تشير بعض الارقام غير الرسمية كما نشرتها صحيفة "اولوك" الى وجود 25 ألف مدرسة صغيرة ومتوسطة في القرى والمدن الصغرى. واللافت للانظار في ذلك، انضمام الشباب من الطبقة المتوسطة الى هذه المدارس بعدما كانت حكراً على اطفال الفقراء والفلاحين الهاربين من سطوة الاقطاعيين. واذا كانت الدراسة الدينية هي الشغل الشاغل للطلاب في البداية، فان تمازج الطلاب من باكستانوافغانستان في وقت كان فيه التوجه الى الجبهة فرض جهاد، ومن ثم الانتصارات، قد عمّق وسرّع التحولات. وبذلك اخذت مدرسة جمعية العلماء الاسلامية في كراتشي تسجّل مؤخراً صدور تصريحات من الطلاب بأنهم "لن يقفوا وأيديهم مكتفة امام التطورات، ونحن قادرون على فعل ما نريد، كما نجحنا في افغانستان". واذا كانت هذا المدارس قد امدّت "الطالبان" الافغان بالطلاب المقاتلين والقيادات لفترة طويلة، فان "الطالبان" الحاكمين في كابول يمدون اليوم هذه المدارس بكل المعونات المادية لتنميتها. وقد لاحظ مراسل صحيفة "اوتلوك" مؤخراً، ان مكتبات هذه المدارس اصبحت ممتلئة بكل انواع الكتب والمراجع الدينية التي كانت تفتقد اليها. ولعل أبرز مظاهر هذه التطورات التظاهرة التي خرجت من كراتشي في 7/11/1997 وهتف "الطلاب" خلالها: "ثورة، ثورة اسلامية". ومما ساهم في كل هذه التحولات التغيّر الآخر داخل السلطة. ذلك ان وصول نواز شريف وتحوله الى ما تصفه اوساط المعارضة به، اي "ديكتاتور صغير"، قد زاد الطين بلة. فالحكم انتقل من قطاع اقطاعي زراعي، الى كتلة الصناعة وخاصة النسيجية. ويوصف الحكم الحالي بأنه حكم العائلة الصغيرة حيث والد وشقيق نواز شريف يلعبان دوراً اساسياً في ادارة شؤون البلاد. يضاف الى ذلك ان الرئيس الجديد رفيق ترار، معروف "بمواقفه المحافظة جداً". وتضيف مجلة "نيوزلاين" الباكستانية ان العملية اكتملت باضافة "فلفل" الاقليمية على الوضع: فالرئيس الجديد ونواز شريف وحوالي 40 مسؤولاً في المواقع الاساسية والمؤثرة في الدولة حالياً هم من مقاطعة البنجاب، مما أشعل الصراعات الداخلية فأصبحت مثلثة الاضلاع: طائفية بين الشيعة والحركات السنية المتطرفة، وبين السند والبنجاب اي بين المهاجرين والسكان الاصليين، يضاف الى ذلك نمو الشعور باقتناص البنجابيين للسلطة. ثم بين الاسلاميين من الطلاب والجمعيات الاسلامية والآخرين من الباكستانيين الخائفين على طبيعة هوية البلاد الاسلامية الهادئة. ويجري كل ذلك على وقع ازمة اقتصادية متفاعلة. ومما يضفي انعكاساته على باكستان ما يجري في افغانستان حالياً. فالواضح ان الانقسام العرقي بين البشتون والطاجيك والاوزبيك والهزارة لم يكف لتأجيج الحرب، فقد تحول الصراع في وجهة طائفية ايضاً وذلك بسبب ما يلي: وجود حركة الطالبان وتشددها الفكري والايديولوجي في السلطة. الدور الايراني في افغانستان وشعور طهران بالخطر الكامن والمتسع للطالبان، والتحالف الذي يتعمق يومياً بين موسكووطهران. وهكذا فان الهزارة الشيعة تحولوا، كما يقول احد قياداتهم قربان علي عرفاني، "من شعب صغير وضعيف الى قوة عسكرية مهمة وفاعلة ألحقت بالطالبان الهزيمة في معركة مزار شريف، وبذلك نجحنا في انقاذ الشمال من ايدي الطالبان". هذا الشعور بالقوة لدى الهزارة الشيعة الذين يُعتبرون احفاد جنكيزخان، لم يُلغِ تعرضهم لحصار شامل لأن منطقتهم تقع في وسط البلاد، وقد أدى البرد والجوع الى وفاة الكثيرين. ولكن يبدو ان الهزارة نجحوا في الصمود، ومع اقتراب الربيع يمكن توقع معارك ومواجهات عسكرية واسعة لفك هذا الحصار. على ان كل ذلك عمّق حدة الخلافات وحوّلها من مذهبية بين البشتون والهزارة الى طائفية - مذهبية.