كانت دراسة الكميات المقاربة والأشياء المتناهية الصغر موضوعاً مهماً من الأبحاث الرياضية العربية. لقد عُني العرب بايجاد مساحات وحجوم المنحنيات التي لا تسلس قيادها بسهولة بسبب تعذر قياسها بدقة، لأنها ليست أشكالاً هندسية "منتظمة". وكان لا بد هنا من استعمال ما يسمى بطريقة الاستنفاد exhaustive method. لكن العرب لم يبدأوا من الصفر، فقد ترجموا قبل ذلك "كتاب الأصول" لأقليدس وكتباً رياضية أخرى لأرخميدس وغيره تعالج مسألة ايجاد المساحات والحجوم، بما في ذلك مساحة الدائرة وحجم الكرة، الخ. على انه يبدو انه ليس ثمة دليل على ان مؤلفات ارخميدس "حول اشكال الحلزونية"، و"حول الاشكال المخروطية والكروية"، و"حول تربيع القطع المكافئ paraboia" كانت معروفة لدى الرياضيين العرب. وفي النصف الأول من القرن التاسع الميلادي ألّف بنو موسى محمد وأحمد والحسن كتاباً حول قياس سطوح وأحجام الأشكال الهندسية. ونظراً الى أهميته ترجم الى اللاتينية على يد جيرارد الكريموني، وبقي مرجعاً أساسياً في الغرب. وفي هذا الحقل ألف ثابت بن قرّة ت 901م كثيراً. من بين مؤلفاته، هذه، واحد مكرس لايجاد مساحة قطعة من القطع المكافئ، وآخر لايجاد حجم شكل هندسي يتكون من دوران القطع المكافئ، وثالث لايجاد مقاطع من الاسطوانة ومساحاتها. وقد استعمل ابن قرة طريقة الاستنفاد في ايجاد مساحة قطعة من القطع المكافئ. وهي الطريقة نفسها التي استعملها في ما بعد ريمان في ايجاد هذه المساحة باستعمال معادلة التكامل. وفي واقع الحال ان هذه الطريقة كانت معروفة لدى أرخميدس، لكنها لم تترجم الى العربية. ومع ذلك ان طريقة ثابت بن قرة أكثر شمولاً من طريقة ارخميدس. وبعد ابن قرة واصل الرياضيون العرب البحث في هذا الموضوع. من بين هؤلاء الرياضيين، ابراهيم بن سنان حفيد ثابت بن قرة، والقوهي، وابن سهل، وابن الهيثم، حيث درس الأخير حجم الشكل الناتج عن دوران القطْع المكافئ، وكذلك حجم القطع المكافئ الذي يدور حول احداثية الرأسي ordinate وهي الطريقة التي يتم التوصل اليها باستعمال قانون التكامل الرياضي، وما عُرف بهذا الخصوص بتكامل كوشي - ريمان. وهنا يتساءل رشدي راشد: "لكن هذا الحل الرياضي لا ينبغي ان يحجب السؤال الآتي: بعد ان أوجد ابن الهيثم هذه الحجوم باستعمال طريقة التكامل، ترى لماذا لم يضع قانوناً عاماً لايجاد احجام ومساحات أخرى؟" ومع ذلك توصل ابن الهيثم الى نتائج ينسبها المؤرخون الى كبلر وكافالييري. ومرة أخرى، يرجع السبب في توقف البحث عند هذه النقطة الى غياب الترميز اي عدم استعمال الرموز في الرياضيات. ويعتبر تربيع الأشكال الهلالية - سطوح محاطة بقوسي دائرة - من بين أقدم المسائل المتعلقة بايجاد مساحات السطوح المنحنية. استناداً الى سمبلسيوس، شارح ارسطو في القرن السادس الميلادي، ترقى هذه المسألة، أي تربيع الشكل الهلالي، الى هيبوقراط الخيوسي في القرن الخامس ق.م. وبعد سمبلسيوس بزهاء خمسة قرون تصدى ابن الهيثم غير مرة لهذه المسألة، أولاً في اطار تربيع الدائرة، ثم ناقش المسألة اياها. لقد ناقشها في ثلاث اطروحات لم تدرس منها سوى واحدة فقط حتى الآن، وهي اطروحته حول تربيع الدائرة. ويكرس مناقشة قصيرة لتربيع الأشكال الهلالية. وفي ما بعد يعود الى هذا الموضوع ويتوصل الى نتائج عُزيت الى رياضيي القرنين السابع عشر والثامن عشر الأوروبيين، كما يقول رشدي راشد. ويقول ايضاً ان الجهل بكتابات ابن الهيثم، لا سيما هذه الدراسة الأخيرة، آل بالمؤرخين، من غير عمد، الى اطلاق أحكام خاطئة بشأن مساهمته في هذا الموضوع. وهناك مسألة ما يسمى بالاشكال المتساوية المحيط، أي البرهنة في مستوى ما على ان دائرة القرص، مثلاً، هي أكبر مساحة ضمن محيط ثابت، وأن الكرة هي أكبر الأشكال الهندسية المجسمة إذا أُعطينا مساحة سطحية ثابتة. ويبدو ان هذه النظرية قديمة عُرفت قبل العرب، ناقشها زينودوروس في رسالته المفقودة "حول الاشكال المتساوية المحيط". لكن هذه المسألة ظلت تستأثر باهتمام الرياضيين، والفلكيين، والفلاسفة. ومن بين من عُني بها كثيراً: هيرو الاسكندراني، وبطليموس، وبابوس Pappus، وثيون الاسكندراني والد العالمة الرياضية هيباتا Hepata التي قُتلت وسحلت جثتها في شوارع الاسكندرية على يد غوغاء المتنصرين الجدد. وبهذا الصدد قال بطليموس في كتابه "المجسطي": "بما ان الأشكال التي لها أكبر عدد من الأضلاع، ولها نفس المحيط، تكون مساحتها أكبر، فإن الدائرة بين الأشكال المستوية هي أكبر الأشكال مساحةً، وأن الكرة هي أكبر الاشكال المجسمة". وكان الفيلسوف العربي ابو يعقوب الكندي أول من تعامل من العلماء العرب مع هذه المسألة. لقد ذكرها في كتابه "في الصناعات العظمى" الذي يحمل بصمات ثيون الاسكندراني. وذكر النديم في فهرسته رسالة للكندي عن ان الكرة هي أكبر الأشكال المجسمة والدائرة أكبر الأشكال المستوية. لكن هذه المرسالة لم يعثر عليها حتى الآن. على ان أول دراسة مهمة وصلتنا حول هذه المسألة هي بقلم الخازن، من القرن العاشر الميلادي. وبعد الخازن بنصف قرن يقدم ابن الهيثم حلولاً أخرى اكثر تطوراً، وذلك من مقترب دينامي، كما يقول رشدي راشد. وكان بحثه هذا يمثل طليعة البحوث الرياضية في مرحلة ابن الهيثم وكذلك لبضعة قرون بعده. وفي أيام الحكم العباسي صدرت ترجمات عربية عدة لكتاب "الأصول" لأقليدس. فالحجاج حوالى 786 - 853م أنجز ترجمتين، فُقدت أولاهما، اما الثانية فهي صيغة موجزة كتبت في أيام حكم المأمون، واشتملت على تعليقات للنيريزي ت حوالى 922م. وانجز اسحاق بن حُنين ت 910م ترجمة أخرى، تعرف الآن فقط من خلال مراجعة ثابت بن قرة. وترجم الكتابان الرابع عشر والخامس عشر من كتاب الأصول، الموسومان بالكتابين اللااقليديين، في بغداد على يد قسطا بن لوقا ت حوالى 912م. وعادت هذه التراجم على الغرب في القرون الوسطى بمغنم كبير. فهناك ثلاث نسخ لاتينية عن الترجمة العربية لاقليدس تنسب الى اديلارد من باث حوالى 1080 - 1150م، الى جانب النسخة المعروفة بپLiber Ysagogarum. وهناك نسخة أخرى عن الترجمة العربية تنسب ترجمتها اللاتينية الى هيرمان من كارنثيا اشتهر في 1140 - 1150. كما ترجم المترجم الشهير جيرارد الكريموني نصاً آخر. وترجم جيرارد هذا شرحاً للنيريزي ايضاً للأجزاء العشرة الأولى من كتاب "الأصول" لاقليدس، وشرحاً للكتاب العاشر بقلم محمد بن عبدالباقي، وجزءاً من تعليقات بابوس Pappus الاسكندراني على الكتاب العاشر نقلاً عن ترجمته العربية على يد الدمشقي. إلا ان من بين جميع المؤلفات التي كتبت بوحي من النسخ العربية لاقليدس، تعتبر "تعليقات" كامبانوس من نوفارا، التي كتبت على أغلب الاحتمال بين 1255 - 1261، اهم كتاب ترك تأثيراً حاسماً في العلوم الغربية: يتضح ذلك من كثرة المخطوطات التي وصلتنا من هذا الكتاب والطبعات المتتالية التي بلغ عددها زهاء الثلاث عشرة في القرنين الخامس عشر والسادس عشر. ومع ذلك، يقول اندريه ألار: "لا نملك سوى معلومات محدودة عن مصادر كامبانوس المتعددة. من بينها، ولا شك، الترجمة الثانية لأديلارد من باث، وتعليقات النيريزي او كما يكتب باللاتينية Anaritius و"رسالة" أحمد بن يوسف التي ذُكرت غير من قبل المؤلف باسم Ametu Filius Josephi، و"حساب" نيموراريوس، و"مثلثات" فيموراريوس. ويقول اندريه ألار: "لا يسعنا هنا ذكر المؤلفات التي كتبت في القرون الوسطى وأصبح فيها اقليدس من خلال كامبانوس العامل الحاسم في تطور العلوم". ان تأثير اعادة اكتشاف اقليدي من خلال الترجمات والمؤلفات الأصلية العربية يخرج عن نطاق الأدب العلمي الذي أصبح أساس التعليم في العلوم حينها. والمعرفة الموسوعية كلها. ويؤكد ألار قائلاً انه على رغم ان الدور الذي لعبه كتاب "الأصول" لأقليدس في تطور العلوم في الغرب اللاتيني كان أساسياً، إلا انه لم يكن المصدر الوحيد. وهناك حكاية ليوناردو فيبوناتشي Fibonnacci، ألمع رياضي أوروبي في القرون الوسطى، وما هو مدى تأثره بالرياضيات العربية. فلا يزال الغموض يكتنف هذا الموضوع الى حد ما، نظراً الى عدم توافر أدلة قاطعة بهذا الشأن. ومع ذلك، يقول أندريه ألار: على رغم جهلنا بالمصادر الحقيقية لكتاب ليوناردو نيبوناتشي الموسوم بالهندسة التطبيقية 1220م، فهناك حقائق معينة تلفت الانتباه. فمن المعلوم ان الجزء الرابع من هذا الكتاب "الهندسة التطبيقية"، وعنوانه "حول قسمة جميع الحقول بين الورثة المفترضين"، هو أول أثر غربي عن كتاب اقليدس المفقود حول قسمة الأشكال الهندسية الذي ذكره بروكلس Proclas في شرحه للكتاب الأول من "الأصول". والكتاب عبارة عن مراجعة قام بها غير مؤلف، ويضيف الى الفرضيات أمثلة عددية تتماشى مع العنوان، غير ان هناك اثنين وعشرين من هذه الأمثلة على الأقل نوقشت بطريقة مطابقة الى هذا الحد او ذاك لتلك المستعملة في نص عربي، ثمانية من هذا الأخير ذكرها فيبوناتشي على نحو واضح، والستة الأخيرة اعتبرت معروفة في سياق الشرح. وهناك حلول لأرخميدس لم تصل الغرب إلا عن طريق التراجم والتعليقات العربية، من بينها ما يدعى بمسألة القاطع من نهاية قطر دائرة، والمقام عمودياً على أي وتر في دائرة، من دون استعمال المسطرة والفرجال، أي بصورة نظرية، بواسطة البحث عن نقاط تقاطع القطع الزائد hyperbola مع القطع المكافئ parabola. وقد فُقد حل أرخميدس. لكن هذه المسألة، وكذلك تثليث الزاوية، نقلا الى الغرب عن طريق ترجمة لاتينية لكتاب "معرفة قياس الأشكال المستوية والكروية" تأليف بني موسى بن شاكر، وترجمة جيرارد الكريموني. وهناك نقاط تشابه بين كتاب بني موسى هذا و"الهندسة التطبيقية" لفيبوناتشي بما يتعلق بمساحة الدائرة، وقانون هيرون الاسكندراني حول مساحة المثلث بدلالة أضلاعه الثلاثة، ومساحة المخروط او الكرة. مع ان المترجم الشهير جيرارد الكريموني أسهم كثيراً في نشر المعرفة، على الأقل في حقل الهندسة الرياضية، لا سيما مؤلفات اقليدس، وثيودويوس، وأرخميدس، ومنيلوس، وذيوقلس، إلا ان المؤلفات العربية تفوق ذلك كثيراً في اطار التأثير على الغرب، مثل كتابات بني موسى، وأحمد بن يوسف، وثابت بن قرة، وابن عبدالباقي، وابي بكر الحسن، والنيريزي، والكندي، وابن الهيثم، وكثيرين غيرهم، مقتصرين فقط على المؤلفين الذين كان لهم تأثير مباشر على الهندسة وتمّت ترجمتهم على يد جيرارد الكريموني. سبقت الاشارة الى ان ليوناردو فيبوناتشي كان له دور مركزي في تطوير العلوم في أوروبا في القرون الوسطى. لكن فيبوناتشي كان منسياً قبل ان يلفت كاسالي اليه الأنظار في 1797. وقد كتبت مؤلفات كثيرة عن استعارات فيبوناتشي التي لا تحصى من المصادر العربية. من بين هذه الاستعارات تذكر مؤلفات الخوارزمي، وابي كامل، والكرجي، بصورة متواترة. وعن طريق فيبوناتشي نفسه، نعرف انه سافر الى أماكن عدة: شمال افريقيا، مصر، سورية، بيزنطة، صقلية، ايطاليا. وبوسع المرء ان يتصور ان مصادر معرفته كانت عديدة، الى جانب النصوص اللاتينية. إلا ان الاجابة عن السؤال ما إذا كانت هذه المعلومات صادرة عن النصوص العربية الأصلية ام من الترجمات اللاتينية يبقى غير معلوم. لقد استفاد فيبوناتشي من الترجمة اللاتينية لكتاب الجبر للخوارزمي، وتعكس المفردات التي استعملها ان هذه الترجمة كانت ترجمة جيرارد الكريموني: ذلك ان الكلمتين اللاتينيتين regula ومثلها consideratio اللتين تقابلان المفردة العربية قياس تستعملان من قبل هذين المؤلفين في حالات متماثلة. كما اننا لا نجد أي دليل في Liber abaci لفيبوناتشي على جبر الخوارزمي مما يتعذر تلمسه في الترجمة الأمينة جداً لجيرارد الكريموني. وقد أظهر بعض الدراسات ايضاً تأثير جبر ابي كامل في مؤلفات فيبوناتشي. وهكذا فقد اكد ليفي Levy على الطبيعة المتماثلة للتسع وثلاثين مسألة في مؤلفاتهما، غير ان هذا الموضوع لم يدرس بصورة كافية. وهناك، على سبيل المثال، مجموعة أخرى من المسائل ترجم فيها فيبوناتشي المعنى المزدوج لكلمة "مال" العربية: ثروة، وتربيع المفهوم الجبري، مما يعكس على نحو لا لبس فيه تأثير أبي كامل. ويقول اندريه ألار: في اطار معرفتنا، انه لمن الصعب في غالب الأحيان التمييز بين ما يمكن استخلاصه من مؤلفات فيبوناتشي والمصادر العربية. وهذا يقال في استخراج الجذر التكعيبي بطريقة التقريب، حيث ادعى فيبوناتشي انه من ابتكاره في حين سبقه الى ذلك الطوسي، وقبله ابو منصور ت 1037م، وحتى قبله كوشيار بن لبّان حوالى 1000م وتلميذه النسوي. ويتساءل أندريه ألار: فهل أعاد فيبوناتشي اكتشاف هذه الطريقة التقريبية التي كانت مستعملة قبل زمانه، أم انه أخذها عن مصادر عربية… يصعب علينا الاجابة على هذا السؤال بصورة قاطعة. على اننا نلاحظ، على أية حال، ان بعض الدراسات أظهر شبهاً بين فرضيات فيبوناتشي ومثيلاتها عند المؤلفين العرب الذين سبقوه: على سبيل المثال مسألة التطابق الخطي حيث تلخص حلول فيبوناتشي ما جاء في كتاب "المناظر" لابن الهيثم. لكن الاشارة التقليدية منذ فيبكه Woepcke الى ان فيبوناتشي استعمل على نطاق واسع كتاب "الفخري" للكرجي قمينة بأن تناقش من جديد في ضوء جبر ابي كامل، في ما يتعلق بكتابه، أي كتاب فيبوناتشي، Liber abaci. ونتذكر ايضاً ان تحليل كتابات أخرى لفيبوناتشي تشتمل على مسائل جبرية تنطوي على مشابهات مع كتابات الكرجي والخيام، لا سيما حلول معادلة الدرجة الثالثة للخيام: س3"2س2"10س = 20. ويمكن الاشارة ايضاً الى معادلات الدرجة الأولى ذات المجهولين التي تذكرنا بما ورد في كتاب "الحساب" لديوفانتوس الاسكندراني، التي ظهرت في مؤلفات الخوارزمي وأبي كامل، ثم في ما بعد في مؤلفات فيبوناتشي، وجوردانوس نيمورارايوس. ثم ظهرت ايضاً في مؤلفات رياضية في القرون الرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر.