"الإحصاء": الاقتصاد السعودي ينمو بنسبة 4.8% خلال الربع الثالث من عام 2025    وزير التجارة يوافق على قواعد المستفيد الحقيقي    محافظ جدة يفتتح أعمال مؤتمر الابتكار في استدامة المياه في نسخته الرابعة    رئيس مجلس الشورى يصل إلى دولة قطر في مستهل زيارة رسمية    نداء أممي لتوفير 33 مليار دولار لدعم 135 مليون شخص    ترمب: زيلينسكي لم يقرأ مقترح خطة السلام    سورية تحتفل بميلادها الجديد    بيان مشترك في ختام زيارة سمو أمير دولة قطر للمملكة    متحدث الجوازات: تفعيل الجواز شرط للسفر بالهوية الوطنية بعد التجديد.. ولا يشمل الإصدار لأول مرة    القوات الخاصة للأمن البيئي تشارك في معرض (واحة الأمن) بمهرجان الملك عبدالعزيز للإبل ال (10) بالصياهد    هيئة الأدب والنشر والترجمة تستعد لإطلاق معرض جدة للكتاب 2025    العُلا تحصد لقب أفضل مشروع للسياحة الثقافية في العالم لعام 2025    الثقافة السعودية تخاطب العالم من ميلانو    رغم انخفاض النفط الناتج المحلي الإجمالي يواصل نموه ويرتفع 2.5%    أسطح منازل الرياض مؤهلة لتغطية 40% من استهلاك الكهرباء بالطاقة الشمسية    4 مواجهات نارية تكمل عقد الثمانية    الذهب يتراجع مع توخي الحذر قبل قرار الفائدة الأمريكية    سفارة المملكة في واشنطن تقيم حفلًا لدعم مبادرة 10KSA    الاجتماع الأول للجنة الصحة المدرسية لمناقشة مهامها ضمن إطار انضمام محافظة بيش لبرنامج المدن الصحية    اقتحام الأونروا يفتح جولة جديدة من الصراع    أمانة القصيم تعمل خطة ميدانية محكمة استعدادا للحالة المطرية في منطقة القصيم    الملتقى الرياضي السعودي 2025 ينطلق غداً بعرعر    هل القرآنيون فئة ضلت السبيل.؟    الرياض أول مدينة سعودية تنضم رسميًا إلى شبكة المدن العالمية    فرع هيئة الصحفيين بعسير يرسخ عام من المنجزات    خيرية مرض ألزهايمر تحصد شهادة الأثر الاجتماعي    الشيخ البصيلي يختتم المحاضرات التوجيهية لمراكز الدفاع المدني بعسير    ولي العهد وأمير قطر يشهدان توقيع اتفاقية تنفيذ مشروع قطار السعودية - قطر السريع    الشورى : الميزانية تعكس نجاح الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية وفق رؤية المملكة    شراكة استراتيجية بين مجموعة روتانا للموسيقى و HONOR توثق لحظات لا تتكرر انطلاقا من جلسة شعبيات محمد عبده    سوق الأسهم السعودية يغلق متراجعا وسط سيولة 3.5 مليارات ريال    نائب أمير المنطقة الشرقية يستقبل رئيس مجلس إدارة جمعية الذوق العام    الأفواج الأمنية بجازان تقبض على شخص لترويجه 11 كيلو جرامًا من نبات القات المخدر    ولي العهد وأمير قطر يرأسان مجلس التنسيق السعودي القطري    "التخصصي" يتوج بثلاث جوائز في مجال الخزينة وإدارة النقد بقطاع الرعاية الصحية    الأهلي يتفق على تمديد عقد ميندي    صلاح يهدد بالاستبعاد عن مواجهة انتر ميلان    إحالة منشأة تجارية إلى النيابة العامة لتداول أجهزة طبية مخالفة للنظام    عازم و تجمع عسير الصحي توقّعان مذكرة تفاهم لتنفيذ مشروع " خطوة "    ⁨الإسلام دين السلام لا إرهاب وعنف⁩    ثلاث مدن سعودية تنضم إلى شبكة اليونسكو العالمية لمدن التعلّم    التدخل العاجل ينقذ 124 حالة بمستشفى أجياد    اعتمد لجنة لتطوير الحوكمة.. «الألكسو» برئاسة السعودية: إنشاء المركز العربي لدعم المسار المهني    اشتراط تفعيل الجواز للسفر بالهوية الوطنية    لا تلوموني في هواها    تصاعد الاعتقالات والمواجهات في الضفة الغربية    «التحالف الإسلامي» يطلق برنامج الاستخبارات التكتيكية بالرياض    للعام الخامس على التوالي.. يزيد الراجحي يتوج ببطولة السعودية تويوتا للراليات الصحراوية    ميسي يقود إنتر ميامي للقب الدوري الأمريكي    آل الشيخ يطلق النسخة الثانية من مبادرة «ليلة العمر».. رسم بداية جديدة لشباب الوطن    «سار» تحصد جائزة أفضل مركز اتصال بقطاع السفر    السمنة تسرع تراكم علامات الزهايمر    جامعة الطائف تكشف بدراسة علمية عن مؤشرات فسيولوجية جديدة للمها العربي في بيئته الطبيعية    نائب أمير الشرقية يطلع على أعمال فرع الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف بالمنطقة    تتم عبر تصريح «نسك» للرجال والنساء.. تحديد زيارة الروضة الشريفة ب«مرة» سنوياً    المجلس العالمي لمخططي المدن والأقاليم يختتم أعماله.. ويعلن انضمام أمانة الرياض لعضوية المنظمة العالمية "ISOCARP"    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. "التخصصات الصحية" تحتفي ب 12,591 خريجًا من برامج البورد السعودي والأكاديمية الصحية 2025م    أمير منطقة جازان يؤدى واجب العزاء والمواساة لإبراهيم بن صالح هملان أحد أفراد الحماية (الأمن) في وفاة شقيقته    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فرنسا وتكوين العالم العربي منذ حملة نابليون على مصر . رسالة التمدين الفرنسية لم تخف المصالح النفعية !
نشر في الحياة يوم 11 - 02 - 1998

الكتاب: "المملكة المستحيلة - فرنسا وتكوين العالم العربي الحديث"
المؤلف: هنري لورنس
ترجمة: بشير السباعي
الناشر: مؤسسة الانتشار العربي - بيروت 1997
يحاول الكاتب اختراق باب السياسة الفرنسية تجاه الشرق، من حملة نابليون على مصر في العام 1798 الى بدايات الانتداب الفرنسي في مطلع القرن العشرين، من خلال رصد الفكرة المحورية التي كانت وراء هذه السياسة والتي قادت فرنسا الى خارج حدودها، وهي رسالة تعتبر بأن لفرنسا رسالة تمدينية عليها نشرها! فبالنسبة الى فرنسيي القرن التاسع عشر، كان قدر بلدهم في العالم هو "الرسالة التمدينية"، اي فكرة نشر الحضارة الفرنسية بموازاة الرسالة الالمانية، اي فكرة نشر "الثقافة".
وفي رأي المفكر الفرنسي والمؤرخ الشهير لوسيان فافر، فإن هناك كلمات عشر يدل تكوّنها وتطورها على تطور مجتمع من المجتمعات. ثم جاء بعده بنفنست ليؤكد ان مجمل تاريخ الفكر الحديث والمنجزات الرئيسية للثقافة الفكرية في العالم الغربي انما ترتبط بخلق وباستعمالات بضع عشرات من الكلمات الاساسية التي يشكل مجموعها الذخر المشترك للغات أوروبا الغربية.
واحدى هذه الكلمات الاساسية هي "الحضارة". والمسعى الذي يقوم به هنري لورنس هو وليد تساؤل عن الرؤية التي صاغها عصر التنوير عن العالم العربي والاسلامي والتي تأخذ طابعاً ملموساً في خطاب وممارسات الحملة الفرنسية في مصر. وهكذا، ففي مستهل القرن التاسع عشر، كانت لدى فرنسا تركة من الاساطير والتفاسير المتعلقة بالاسلام وبالعرب. وستتبع فرنسا طوال القرن سياسة من انشط السياسات في الملكوت العثماني، خصوصاً في مصر وسورية والجزائر.
ويؤكد الكاتب ان الكثير من السياسات المطبقة انما يستلهم رؤى مقررة سلفاً بأكثر مما يستلهم واقع المجريات الفعلية. وما يسعى اليه الكاتب ليس تناولاً شاملاً مستوعباً للمرحلة الممتدة من الحملة الفرنسية على مصر وللقرن الذي تلاها، بل دراسة بعض اللحظات المميزة دراسة خاصة تكشف الدلالات التي تنطوي عليها اللقاءات بين فرنسا والعالم العربي. تلك اللحظات التي جرى فيها طرح مشروع تأسيس "مملكة عربية" تكون اداة او محرك التمدين و"الفرنسة" والتحرير القومي.
مفهوم الحضارة هذه ونشرها نشأ في أوروبا في اواسط القرن الثامن عشر في وسط المفكرين "الايديولوجيين" الذين صاغوا افكاراً حاولت اعادة بناء كاملة للمجتمع، وجرت محاولة تطبيقها في الثورة الفرنسية بصورة عملية مباشرة. ولقد ادت هذه الافكار الى جملة نتائج احداها تقول أنه يوجد بشر مغتربون اغتراباً عميقاً عن حال الانتقال من الطبيعة الى المجتمع المقيّد: هم الشرقيون الخاضعون للاستبداد الذي هو مرحلة التاريخ الاولى او بالاحرى التاريخ المشلول، وأن الغربيين اجتازوا بالفعل مراحل في طريق نزع اغترابهم، وبالتالي عليهم نزع الاغتراب عبر الثورة الفرنسية الصالحة اولاً لفرنسا ثم لبقية البشر.
وبالنسبة الى الشرقيين، فإن تدارك التأخر وتجاوزه سوف يكونان ببساطة اكثر اهمية مما بالنسبة الى الغربيين. وحركة التاريخ هذه التي توحّد الفرد والمجتمع توحيداً غير قابل للفصل هي الحضارة، ومن هنا بدأ تسابق المفكرين الاوروبيين في النصف الثاني من القرن الثامن عشر على تحديد مصطلح الحضارة وترصّد بدايات الحضارة في التاريخ العالمي. وقد خلص المؤرخ والرحالة فوني الى ان المتحضرين في العالم هم الشعوب التي تتمتع بقوانين عادلة وبحكومات نظامية. وفي رأي كوندورسيه فإن التاريخ الحقيقي لا يظهر الا مع الاغريق، فإسهامهم العظيم هو في الحرية السياسية التي تشكل الشرط الضروري لازدهار المعرفة.
ويتطرق كوندورسيه الى دور العرب في التاريخ فيرى أنهم تمكنوا بموقعهم وبشجاعتهم من الافلات من الفرس والاغريق والرومان.
ويستعرض كوندورسيه مساهمات العرب في الآداب والعلوم والفلسفة والفلك والرياضيات والبصريات والطب التي نقلوها عمن سبقهم وأغنوها ببعض الحقائق الجديدة. وكما يقول الكاتب فان ركود البلدان الشرقية سوف يفرض على أوروبا المتحضرة ان تحرّر الشرق من مضطهديه. وأول من ادخل مفهوم الحضارة في السياسة كان بواسي دانجلا في مشروع دستور الجمهورية الفرنسية في 23 حزيران يونيو 1795.
وفي خضم هذه الطروحات حول الحضارة، يستمد نابليون مشروع حملته المشرقية. ففي بياناتها الى المصريين يؤكد ابان حملته على ان فرنسا تحمل الحضارة الى مصر، فرسالتها تمدينية. وهو في مقدمة الكتاب الشهير "وصف مصر" الذي شارك نابليون في تصحيحه يريد "جعل السكان اكثر راحة وتوفير جميع مزايا حضارة ناجزة لهم". والى جانب ذلك نجد في بياناته دعوات ونداءات لنزعة وطنية عربية او لفكرة مصرية وطنية. وفي منفاه، ذكر نابليون ان مشروعه كان يرمي الى جعل مصر سيدة العالم والاسكندرية المدينة الاهم، وأن هذه المستعمرة الفرنسية لن تتأخر عن اعلان استقلالها وتقوم فيها امة عظيمة ستكون نقطة انطلاق لتمدين جوارها.
كان مصطلح الحضارة هو المصطلح الذي يبرر اعمال نابليون في الشرق وفي أوروبا وحتى داخل فرنسا. وهكذا سيتولد ما يعرف بالافكار النابليونية في القرن التاسع عشر، التي يمكن جمعها تحت اسم الحضارة الشاملة.
فكرة الحضارة هذه، مع عودة الملكية الى فرنسا اثر سقوط نابليون، ستتعمق اكثر خصوصاً مع الوزير والمفكر غيزو في محاضراته في جامعة السوربون حول تاريخ الحضارة في أوروبا ودور صراع الطبقات في تفسير التاريخ وعلاقة المجتمع الديني بالمجتمع المدني. كما بدأ الكلام عن تعدد الحضارات. وفي عهد ملكية يوليو عهد لويس فيليب يصبح مصطلح الحضارة مقولة شبه حقوقية يستفيض الكلام عنها.
تأخذ الحضارة مع "السان - سيمونيين" معنى واسعاً يرتكز على مبدأ الاخاء وحده بين طبقات البشر، ويدعو الى سلام حول البحر المتوسط تقوم به أوروبا التي تدفع عجلة الحضارة باتجاه آسيا. ومن هنا دعوة "السان - سيمونيين" الى تخصيب مصر محمد علي، وفي العام 1833 تصبح مصر الموقع المثالي للفعل الحضاري، لأن محمد علي يكمل ما بدأه نابليون.
وانطلاقاً من هذه المنطلقات الاساسية للفكر الفرنسي يجري البحث في "اثر هذه الافكار الحضارية" في مصر بعد الحملة الفرنسية مع التركيز على الومضات الاساسية من حيث تسليط الضوء على النائب الجديد للملك اي الخديوي، واعادة تنظيم مصر، وتكوين الامبراطورية الجديدة، وكيفية تبنّي مصر لبرنامج الحضارة والتمدن، ودراسة موقع مصر في السياسة الفرنسية عبر ملكية يوليو، والبعثات الدراسية وأفكار "السان - سيمونيين"، الخ…
وتكرّس الدراسة فصلاً لسورية لتعالج مشاكل الاصلاحات وتطبيق النموذج المصري ودور السلطنة العثمانية، ودور محمد علي وابنه ابراهيم فيها، ومشروع الاستقلال الذي طرحه الاخير، وتمدين سورية. ويتوقف الفصل عند افكار ابراهيم باشا ورؤية كل من لامارتين وجيزو وتوكفيل الى الشرق. ويعرّج الكاتب على الازمة المسيحية في الدولة العثمانية انطلاقاً من الخطوط الشريفة ومسألة الاقليات ومسألة القدس وتطور المسألة اللبنانية وكيفية تمدين الدولة العثمانية. ويتوقف عند الدخول المباشر لفرنسا الى قلب الازمة اللبنانية في العام 1860، ويُبرز مشروع مملكة الشام العربية والنزعة العربية ونزعة الاصلاح. وأخيراً يدرس مسألة الاسلامية والسامية والعروبية انطلاقاً من الشؤون التونسية مروراً بمصطفى كامل والايديولوجيات العنصرية ومواقف المفكرين من درينان والافغاني الى محمد عبده وهانوتو الى كرومر الى سيديو ولوبون والكواكبي وعازوري الى انبثاق النزعة العربية ودور فرنسا، وانتهاء بالحرب العالمية الاولى.
ان الافكار التي يصوغها الكتاب اضحت معروفة خصوصاً لجهة ناحية الحلم الحضاري الذي حمله معه نابليون وصياغات مفهوم الحضارة التي طرحها المفكرون الاوروبيون منذ القرن الثامن عشر. ولكن اهمية الكتاب لا تقف هنا، بل في دخول الباحث الى كل مفاصل السياسة الفرنسية في الشرق، حيث كان لهذا المبدأ اثره في صناعة الحدث السياسي والعسكري والتمدني عند المفكرين العرب.
هذا الفكر الحضاري هو الحلم المُشرِق الذي غلّف السياسة الفرنسية ولكن لا يمكنه اطلاقاً ان يخفي الحقائق الاقتصادية والحسابات النفعية التي كانت وراء هذه السياسة بالفعل. فللدول حسابات ومصالح لا رسائل حضارية ومثالية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.