في البداية رفضت الدوائر التركية المسؤولة عن المياه تقديم معلومات عن الوضع المائي في حوض الأناضول. لكن الموقف تغير عند الاطلاع على الأطلس العالمي للماء والمناخ. المعلومات التي يتضمنها الأطلس غير متوفرة لدى الأتراك أنفسهم، وهم يحتاجونها ويريدون الحصول عليها. ذكر ذلك ل "الحياة" عالم بريطاني ساهم في تطوير الأطلس العالمي للماء والمناخ الذي يشرف عليه البنك الدولي. الأطلس معروض للجميع مجاناً على الشبكة العالمية التي تربط أجهزة الكومبيوتر حول العالم، وعندما يكتمل بناء الأطلس سيقدم خرائط تفصيلية لأوضاع الماء والمناخ والبيئة في كل دولة ومنطقة. والسؤال هو: هل يبيح الأطلس الموجود على الانترنت أسرار الأمن المائي للدول؟ الدكتور اسماعيل سراج الدين، نائب رئيس البنك الدولي قال ل "الحياة" أن معظم المعلومات التي يستخدمها الأطلس موجودة في الانترنت. والأطلس يجمعها في أداة واحدة كومبيوترية موضوعة على الشبكة العالمية، أو محفوظة في قرص مدمج CD-ROM. يهيئ الأطلس للحكومات والشركات والمزارعين معلومات عن وضع الأنهار والأمطار والظروف الجوية والمناخية والبيئة والسكان والاقتصاد. غوطة دمشق منطقة الغوطة في ضواحي دمشق تعتبر من أجمل المناطق الخضراء في سورية. كيف يمكن أن يخدم الأطلس العالمي مستثمرين عرباً يفكرون بانشاء مشروع لزراعة الحمضيات في غوطة دمشق؟ يفتح المستثمر العربي جهاز الكومبيوتر على موقع الأطلس في الشبكة العالمية، ويجلب ملف الأراضي السورية، ويفتح الصفحات الخاصة بدمشق ومنطقة الغوطة التي يرغب في الحصول على معلومات عنها. الشيفرة اللونية للخريطة تعرض درجات الحرارة ومعدلات الأمطار في الغوطة على فترات مختلفة: فترة شهر واحد أو ثلاثة شهور أو سنة. إضافة الى ذلك يتضمن ملف سوريا في الأطلس معلومات عن معدلات جريان الماء في الأنهارالمحلية وعدد السكان في الموقع، وتوزيع الخضرة ونسبة المساحات المزروعة ونوع المحاصيل. ويمكن أن يجيب الأطلس على أسئلة عدة، مثل: ما هي أفضل أنواع الشتلات للزراعة في الغوطة، وما عدد المحطات الزراعية والمضخات، وربما عدد رؤوس الأغنام والماشية. كثير من هذه المعلومات مستقاة من صور الأقمار الاصطناعية التابعة لمنظمات البيئة العالمية واخرى من محطات الارصاد المحلية في الغوطة وإحصاءات الحكومة السورية. ولن يستطيع المستثمر أن يتخذ قراراً نهائياً دون الاطلاع على التعليمات المشددة لوزارة البيئة السورية بصدد الاستثمارات الزراعية في الغوطة. الزراعة والبيئة جميع هذه المعلومات عن الغوطة أو أي موقع عربي آخر سيتضمنها الأطلس عند اكتماله في غضون السنوات الثلاث القادمة. فالأطلس ما يزال في مرحلة التطوير، والتركيز حالياً على مناطق جنوب آسيا وأفريقيا. والعرض الذي قدمه الدكتور اسماعيل سراج الدين ل "الحياة" في مكتب البنك الدولي في لندن خاص بدولة سريلانكا. يظهر الاختلاف الكبير الذي يقدمه الأطلس في كمية المعلومات المستقاة من 240 محطة إرصاد، بينما تعتمد سريلانكا حالياً على 13 محطة فقط. وهذه المعلومات متاحة دون الحاجة الى زيارة المواقع المحلية. ويحسب البرنامج الكومبيوتري للأطلس كميات مياه الري المطلوبة في موقع معين ويحدد معدلات سقوط الأمطار وجداول نمو المحاصيل ونوع التربة والمواصفات الطوبوغرافية ودرجات الحرارة والرطوبة اللازمة لزراعة محصول معين. ويقوم الأطلس بتحديث معلوماته شهرياً على ضوء المعطيات التي تجمعها أقمار الرصد الجوي. وتبلغ دقته الى حد تعيين مواقع المحميات الطبيعية غير المسموح باستثمارها. فالدعم الذي يقدمه الأطلس لا يقتصر على الزراعة، بل يشمل حماية البيئة والثروات المائية. والماء هو الهم الأكبر للدكتور سراج الدين الذي يرأس حالياً "اللجنة العالمية للمياه في القرن 21". ويعتبر العالم العربي، وهو ابن أخ السياسي المصري المعروف فؤاد سراج الدين أول من أطلق فكرة أن حروب المستقبل ستكون حول الماء. فالزراعة تستهلك حالياً أكثر من 80 في المئة من كميات المياه المستعملة سنوياً في العالم. هذه المياه تذهب لانتاج ما بين 30 و40 في المئة من المحاصيل الزراعية الغذائية العالمية التي تنتجها 17 في المئة فقط من مجموع الأراضي الزراعية في العالم. ويتوقع أن يزداد عدد سكان العالم 3 بلايين نسمة إضافية في القرن المقبل. كيف يمكن اطعام هذا القدر من الناس في عالم يجوع فيه حالياً 840 مليون انسان؟ التقديرات المعتدلة تقول إن اطعام سكان العالم الجدد يستدعي زيادة الانتاج الزراعي بنسبة 40 في المئة وزيادة مماثلة في مياه الري. لكن أكثر التوقعات تفاؤلاً ترى إمكانية تقليل الهدر في المياه الزراعية بنسبة 70 في المئة عن الوضع الحالي. يعني هذا أن العالم سيحتاج الى زيادة كميات المياه المستخدمة في الزراعة بنسبة 17 في المئة. ولا يمكن ذلك في تقدير سراج الدين الذي ينبه الى أن عدد سكان المدن سيتضاعف مرات عدة وتتضاعف حاجات الصناعة للمياه. الزراعة، كما يقول سراج الدين هي الموضوع الوحيد من مواضيع التنمية التي لا يمكن تأجيلها. وشحة الماء وليس مساحة الأراضي الصالحة للزراعة هو الذي سيحدد مستقبل الزراعة وتوفير الطعام لسكان العالم في القرن المقبل. ومع حلول عام 2025 يتوقع أن يعاني أكثر من بليون انسان، بضمنهم سكان المنطقة العربية من "الشحة المطلقة" في المياه. والشحة المطلقة تعني أنهم لن يحصلوا على القدر الكافي من المياه للحفاظ على مستوىات معدلات الانتاج الزراعي بالنسبة للفرد من السكان عام 1990. وذكر سراج الدين أن المياه لم تشهد لحد الآن أي فتح تكنولوجي يغير وضعها الحالي. ما تزال تقنيات تحلية المياه مكلفة مالياً وتستهلك كميات كبيرة من الطاقة. هنا تكمن أهمية الأطلس العالمي الذي يقدم تقنيات عملية لتحليل أوضاع المياه وإدارتها وتنسيق سياساتها على الصعىد المحلي والعالمي. ويقدم الأطلس في الوقت نفسه قناة للاتصالات المتبادلة والفورية بين مراكز البحوث الدولية والمحلية. الحلول التي يتم التوصل اليها على الصعيد المحلي والتقنيات المبتكرة تصبح تحت تصرف الجميع فوراً وبصورة مباشرة. والأطلس جزء من رؤية عالمية يطورها سراج الدين في "اللجنة العالمية للمياه في القرن 21". تحسب هذه الرؤية كميات المياه واستخداماته ليس على الصعيد المحلي فقط، بل العالمي أيضاً. وتفتح آفاقاً لاستثمار المياه المشتركه بين الدول بشكل منصف وتحقيق العدالة بين دول تملك فائضاً كبيراً منه ودول تعاني من الشحة. وطورت اللجنة حسابات اقتصادية جديدة تدخل معدلات استهلاك المياه في تقدير معدلات الانتاج الزراعي. وستقدم نتائج عمل اللجنة في المؤتمر العالمي الثاني للمياه الذي سيعقد في هالي في هولنده بداية عام 2000. موقع الأطلس على الشبكة: http://www.iwmi.org