} الاستاذ جهاد الخازن، تحية طيبة، من متابعتي لزاويتك الشيقة "عيون وآذان" أعلم انك واسع الاطلاع في السياسة والادب والعلوم. وقرأت حديثاً عن بحث علمي في مجلة "سينس" وجدت فيه بعض الطرافة بالنسبة لحالنا في الوطن العربي ورأيت ان اكتب لك عنه لعله يكون مناسباً كموضوع لزاويتك. المقال بعنوان: فقدان العدوان الداخلي كسبب لنجاح حشرة اجتماعية في الغزو الواسع الانتشار، قام به الباحثون: د. أ. هولوبي وأ. ف. سوايزر وت. ج. كيس من جامعة كاليفورنيا بالولايات المتحدة ونشر في عدد 30 تشرين الاول اكتوبر 1998 لمجلة "سينس" الصفحات 949 - 952، مع شرح وتعليق كتبته ايفلين ستراوس في صفحة 854 من العدد نفسه. ويتلخص البحث في الآتي: يقيم النمل مستعمرات كأساس لنسيجه الاجتماعي ومعظم انواع النمل تحمي حدود مستعمراتها بعنف ضد النمل من النوع نفيه أو من نوع آخر، لكن بعض الانواع لا تحدد مستعمراتها بوضوح او تدافع عنها ضد النمل من النوع نفسه، فقط ضد الانواع الاخرى، وتقيم تواصلاً بين مستعمرات نوعها اذ تنشئ مستعمرة ضخمة متعددة الاجزاء يقل فيها التناحر الى حدّ كبير ويسودها الوئام والتعاون. هنالك نوع من النمل يستوطن الارجنتين يسمى النمل الارجنتيني وهو في موطنه يسلك مسلك معظم النمل اي يقاتل بعضه ليحمي حدود مستعمراته. ولوحظ انه عند ادخال النمل الارجنتيني في مناطق طقسها يماثل طقس البحر المتوسط مثل كاليفورنيا او طقس شبه استوائي فانه يزداد عدده ويوسع مستعمراته على حساب أنواع النمل المحلية وقد يقضي عليها تماماً، ويلازم ذلك تحول النمل الارجنتيني من نمط التناحر بين المستعمرات الى نمط التعاون في مستعمرة ضخمة. وكان اساس البحث هو انشاء ازواج من مستعمرات النمل الارجنتيني كل زوج فيها يحتوي على مستعمرة من النوع الذي يقاتل بعضه واخرى من النوع المتعاون مع توفير انبوبة بلاستيكية مشتركة تؤدي الى منطقة طعام واحدة، وكانت النتيجة ان القتال بدأ يعنف بين النوعية المتناحرة اثناء التدافع لوصول الطعام ومات منها الكثير، في حين ان النوعية المتعاونة نسقت وصولها لمنطقة الطعام المشتركة بسلام، وبعد 70 يوماً كان عدد الافراد والبيض والصغار اكبر بكثير عند النوعية المتعاونة من النوعية المتناحرة. وهكذا برهنت التجربة بطريقة مباشرة ان التحول من نمط العيش التناحري الى نمط التعاون والوئام كان هو السبيل الى نجاح النمل الارجنتيني في التوسع على حساب انواع النمل الاخرى عندما يدخل على بيئة مختلفة عن بيئته الاصلية. وقد يكون سبب التحول تغير في الموروثات اذ يقلّ مدى التنوع بينها، ولا يزال الموضوع قيد البحث. والعبرة واضحة: التعاون والوئام يؤديان للنصر، والخلاف والتناحر يؤديان للهزيمة وربما للانقراض. ويا أخ جهاد: لقد فهمها النمل الارجنتيني والصهيانة… ولم يفهمها العرب للأسف. وأترك لك بقية التعليق. مع التحية والتقدير