أثار البروفسور روبرت مابرو، مدير معهد اكسفورد لدراسات الطاقة، في حديث إلى "الحياة" العوامل والمشاكل وراء الانهيار الحاصل في الأسواق النفطية. كما اقترح بعض الحلول لإعادة مصداقية وفعّالية الأوبك. وفي ما يتعلّق بخلفية المشاكل، قال "إن سيطرة الأوبك على الأسواق ضعفت منذ عام 1986 عند انهيار الأسعار في تلك الفترة. والسبب في حينه هو إنخفاض الإنتاج بشكل أساسي في النصف الأول من الثمانينات من 32 مليون برميل يومياً الى 16 مليون برميل يومياً. ومرد ذلك عاملان، أولهما انخفاض الطلب على النفط العالمي، وثانيهما زيادة الإنتاج من خارج الاوبك، أي من بحر الشمال والمكسيك والاتحاد السوفياتي". وأضاف ان القرار الذي اتخذته المنظمة في عام 1986 "لم يكن سليماً، إذ قررت في تلك الفترة عدم التحكّم في الأسعار. واستبدلت هذا بقرار يتعلّق بتحديد هدف للأسعار، واتفق وزراؤها على تنظيم الانتاج على ضوء هذا الهدف. لكن المشكلة أنهم، وفي نهاية الأمر، لم يربطوا السياسة الانتاجية بالهدف السعري المعلن في حينه وهو 18 دولاراً للبرميل الواحد". وأضاف "أخفق وزراء أوبك في وضع هدف عملي ومرن للأسعار، مثلاً 16 إلى 20 دولاراً للبرميل، يتفقون في ضوئه على خفض أو زيادة الإنتاج تلقائياً ومن دون اجتماع في حال صعود أو نزول الأسعار عن هذا المستوى المرن. ومن بدون هذا الربط المباشر والاتوماتيكي، اضطر وزراء الأوبك الى الاجتماع مراراً وتكراراً والنظر في مسألة الحصص ومن يخفض ماذا". وحسب رأي مابرو، في حالات عدم الاتفاق، وهذا ما حصل في التسعينات، لجأ وزراء أوبك الى تدوير قراراتهم من دون اللجوء الى اتخاذ القرارات الصعبة والحاسمة وذلك على رغم التغيرات المهمة في الأسواق خلال تلك الفترة وعلى رغم التجاوزات الكبيرة في الإنتاج. وهذا هو السبب في اضطرار الوزراء في تشرين الثانينوفمبر 1997 إلى اتخاذ قرار جاكارتا. وأصبح من الواضح الآن أن قرار جاكارتا لم يحالفه النجاح. وكان سبب قرار جاكارتا التوفيق بين الواقع والقرارات السابقة. فالاتفاقات السابقة كانت تدعو الى إنتاج كميات قليلة بينما الواقع كان يشير الى مخالفات عدة وإنتاج متزايد. ومن ثم دعا قرار جاكارتا الى التناغم مع الواقع. لكن الطامة الكبرى أن هذا القرار أُتخذ في وقت إنهيار الإقتصاد الآسيوي وإنخفاض الطلب على النفط الخام، وحصل ما حصل. لكن ما هو الحل الآن؟ يعتقد مابرو أن الحل يكمن: أولا في تبنّي سياسة فنية تربط السياسة الإنتاجية مع هدف سعري. هذا هو الشرط الأساسي الأصلي. ولكن هذا الحل وحده - الذي هو أساساً لأقطار الأوبك ومع أي دول منتجة من خارج الأوبك ترغب في المشاركة - غير كافٍ. أما الحل الثاني، وهو أيضا اقتراح فنّي، فهو تحديد السياسة الإنتاجية للدول المعنية، بناءً على واقع القاعدة الإنتاجية لكل دولها وليس بناء على أرقام خيالية غير واقعية. ومن هنا، فإن أرقام شهر شباط فبراير المقتبسة من المصادر الثانوية التي اعتمدتها الأوبك هذا العام، أرقام غير واقعية. وأضاف مابرو أنه عند الاتفاق على تحديد القاعدة الإنتاجية الحقيقية لكل دولة، سيكون بإمكان المنظمة عندئذ تقرير كمية التخفيض الكلية ومن ثم مقدار التخفيض النسبي لكل دولة. هذا التخفيض النسبي هو قرار سياسي لأنه يعني فعلا كيفية توزيع العبء على الدول المختلفة. وأكد أن هذين الاقتراحين يمكن أن يقنعا الأسواق أن قرارات الأوبك جديّة ويتم اتخاذها بعد الدراسة ومع المسؤولية اللازمة. في حال عدم تنفيذ هذين الاقتراحين، يعتقد مابرو أن الأسعار ستنهار الى أقلّ من عشرة دولارات للبرميل الواحد. وفي هذه الحال، ستبدأ التحركات السياسية لتفادي كارثة اقتصادية. لكن الحلول السياسية من دون قاعدة فنية صلبة - كما اقترح - لن تكون ذات فائدة كبيرة وطويلة الأمد. وهناك بديل آخر محتمل حدوثه في نظر مابرو، سينجم، إذا لم تنخفض الأسعار أكثر مما هي عليه الآن، وتبقى في مستوى 10-11 دولاراً للبرميل الواحد، ولن تأخذ الاوبك عندها قراراً حاسماً لحل الأزمة. لكن على رغم كل هذه المشاكل والتحديات الصعبة التي تواجه الاوبك، لا يعتقد البروفسور مابرو ان الأوبك فقدت السيطرة على زمام الأمور في الساحة النفطية. فهو يقول بهذا الصدد: "إن نسبة تصدير النفط المتوافرة لدى الاوبك قوية وكبيرة وغير متوافرة عند أي دولة أو مجموعة أخرى، فهي تمثل على الأقل 60 في المئة من تجارة النفط العالمية".