الأوروغواي تقرّ قانونا يجيز القتل الرحيم    تراجع قيمة الدولار    رئيس أمن الدولة يهنئ القيادة بمناسبة تأهل المنتخب لكأس العالم 2026    مُحافظ الطائف يرفع التهنئة للقيادة الرشيدة بمناسبة تأهل المنتخب السعودي لكرة القدم إلى كأس العالم    فريق إرم التطوعي يوقع اتفاقية تعاون مع جمعية براً بوالدتي بمكة    الكشافة السعودية تشارك العالم في أكبر حدث كشفي رقمي لتعزيز التواصل والسلام العالمي    الأمير محمد بن عبدالعزيز يرعى لقاء وزير التعليم بأهالي منطقة جازان    نيابة عن سمو محافظ الطائف وكيل المحافظة يطلق المؤتمر الدولي السابع لجراحة الأطفال    أمريكا تتوقع من اليابان وقف شراء الطاقة الروسية    سعر برميل النفط يرتفع 1%    لضمان تنفيذ وقف النار.. استعدادات لنشر قوة دولية في غزة    الأرصاد: مؤشرات لتكون حالة مدارية في بحر العرب    وسط تصاعد المعارك حول الخرطوم.. الجيش السوداني يتصدى لمسيرات استهدفت أم درمان    الصحة الفلسطينية تستلم جثامين 45 شهيداً عليهم آثار تعذيب    كييف تحذر: مكونات أجنبية في المسيرات الروسية    تداول يرتفع 86 نقطة    بعد احتفالهما بالتأهل للمونديال.. جائزة أفضل لاعب آسيوي بين سالم وعفيف    دوري روشن يستأنف نشاطه بالجولة الخامسة.. كلاسيكو بين الأهلي والشباب.. والهلال في ضيافة الاتفاق    بعد انتهاء جولة جديدة من التصفيات.. تأهل 28 منتخباً للمونديال وتبقي 20 مقعداً    حقائق رقمية تُزين مشوار تأهل «الصقور الخضر»    تسريع نمو منظومة الذكاء الاصطناعي بالمملكة    الحقيل يبدأ جولة آسيوية.. السعودية تعزز شراكاتها مع الصين وكوريا في المدن الذكية    مسح صناعي للمحتوى المحلي    حرس الحدود بمنطقة مكة ينقذ مقيمين تعطلت واسطتهما البحرية في عرض البحر    المرور السعودي: 6 اشتراطات لسير الشاحنات على الطرق    ضبط مليوني قرص إمفيتامين بشحنة مكسرات    760 مدرسة تحصد مستوى التميز وتعيد صياغة الجودة    17 مدرسة ب"تعليم الطائف" تحقق التميز    محافظ الأحساء يهنئ القيادة الرشيدة بتأهل "الأخضر" لكأس العالم    الفيلم السعودي «هجرة» يعبر إلى الأوسكار    موسم الرياض يطرح تذاكر «النداء الأخير»    انطلاق فعاليات الشريك الأدبي في جمعية أدبي الطائف    وزارة الشؤون الإسلامية تفتتح المسابقة الدولية الثانية لتلاوة القرآن الكريم وحفظه في كازاخستان بمشاركة 21 دولة    السند يرأس الجلسة الخامسة لملتقى "مآثر سماحة الشيخ عبدالعزيز بن صالح رحمه الله- وجهوده في المسجد النبوي"    أنف اسكتلندي.. حبة بطاطا    البرد يرفع مستويات السكرفي الدم    «التخصصي».. إنجازات رائدة في الجراحة الروبوتية    21 رياضة سعودية في ألعاب آسيا للشباب في البحرين    1.5% زيادة بأسعار الحديد على المستوى الشهري    مركز التحكيم الرياضي السعودي يشارك في الندوة الإقليمية للتحكيم الرياضي    نائب أمير القصيم يطلع على منجزات العناية بالمساجد في رياض الخبراء    أمير الرياض يستقبل نائب أمير جازان.. ويدشّن حملة التطعيم ضدّ الإنفلونزا    العمري يبحث احتياجات أهالي صامطة    أمير المدينة يرعى ملتقى مآثر عبدالعزيز بن صالح    زيارة تاريخية: الرئيس السوري في الكرملين    أمير مكة: مشروع بوابة الملك سلمان يعكس اهتمام القيادة بالتنمية في المنطقة    السعودية توزع المساعدات لمخيمات النازحين في غزة    الصحة تؤكد مأمونية أدوية الستاتين وتلاحق المضللين    الكلية التقنية بأبوعريش تنظم محاضرة توعوية بعنوان "تماسك"    نائب أمير جازان يهنئ القيادة بمناسبة تأهل المنتخب إلى كأس العالم 2026م    القصيبي في كتارا.. رمز وجمع في سيرة فرد وشعروائية    ترأس اجتماع لجنة الحج والعمرة.. نائب أمير مكة: مضاعفة الجهود لتقديم أفضل الخدمات لضيوف الرحمن    "الصحراء والبحر" يلتقيان في معرض "آل خليفة"    ما بين التراث والتاريخ قصة مؤسسة    مشاركة الجموع عطّلت العقول بالركض خلف الترندات    أمير الشرقية يصدر قراراً بتعيين البقعاوي محافظاً للنعيرية    أمين العاصمة المقدسة يرأس الاجتماع الثالث للجنة الأعمال البلدية والبيئية لتعزيز التكامل التنموي بمكة    إطلاق كائنات فطرية في محمية الوعول    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النظرة التجزيئية أفقدت العقل المسلم قدراته الابداعية
نشر في الحياة يوم 28 - 12 - 1998

الكتاب: إعمال العقل - من النظرة التجزيئية إلى الرؤية التكاملية
المؤلف: لؤي صافي
الناشر: دار الفكر - دمشق 1998
يثير هذا الكتاب اشكالية العقل من خلال درس بعض المبادئ والتصورات والمفاهيم الإطارية في الحقلين التراثي التقليدي والحداثي الوضعي، ومنهجيات التفكير التي تحكمها. ويقدم مؤلفه الدكتور لؤي صافي، بعد النقد والتحليل، رؤية بديلة تطمح إلى تجنب الرؤية الأحادية الكامنة في ذينك الحقلين والاستعاضة عنها بنظرة توحيدية تسعى إلى التكامل المعرفي عبر ربط العلوي بالتجريبي والمعياري بالوضعي، إذ لا سبيل إلى معرفة نجاعة المعياري إلا من خلال تجلياته العملية وقدرته على التأثير في الواقع الإنساني، وأيضاً لا سبيل إلى تقدير صدق الوضعي وتقرير صوابه إلا عبر انسجامه مع المعاني الكلية للحياة وتوافقه مع المقاصد العامة للوجود.
يتألف الكتاب من ثلاثة أبواب، كل واحد منها يتضمن فصلين مستقلين. يتناول الفصل الأول من الكتاب "العقل الوضعي وإشكالية استقلال العقل عن الوحي" مع ظاهرة العقل والتعقل، فيربط المؤلف صافي مفهوم العقل بجملة مفاهيم مساوقة وملازمة الفكر، الوعي، الثقافة، التراث ويبين اثر اغفال عمليات الحدس العقلية المؤسسة للتفكير في ظهور مفهوم مختزل للعقل يتجاهل أبعاده العلوية والقيمية ويتعافى عن قدرة العقل على تطويع مضامينه العلمية لخدمة أغراض ذاتية.
ويحلل المؤلف بعض الدراسات الموسوعية الناقدة للتراث مثل دراسات حسين مروة والطيب تيزيني وحسن حنفي ومحمد عابد الجابري.
ويرى خلل هذه الأعمال في تبنيها، قصداً أو من دون قصد، لأحكام عقلية مكتسبة عبر تجربة تاريخية ثقافية مغايرة وتعميتها لدور الوحي بتشكيل العقل المنهجي العلمي أو تجاهلها له، جملة وتفصيلاً.
ويستنتج صافي بعد تعمقه بمحددات العقل الوضعي وآراء الفلاسفة العرب والغربيين ان اشكالية العقل تنبع أساساً من غياب تصور واضح ودقيق للبنية الداخلية للعقل وعلاقته بالواقع الكلي للوجود الإنساني، ويدعو لإصلاح أساليب التفكير اعتماداً على الخبرة الذاتية، ورؤية الواقع الكلي انطلاقاً من الموقع الزماني والمكاني للعقل من جهة، واستعداداً للنقد الهادئ للثقافة السائدة والتراث الفكري من جهة أخرى.
يبحث الفصل الثاني موضوع "العقل التراثي واشكالية تعارض العقل والنقل"، فلقد شغلت قضية العقل في مواجهة الوحي، منذ القديم ولم تزل، علماء الأمة ومفكريها واتخذت أشكالاً مختلفة تحت اسماء متغايرة السمع والعقل، النقل والعقل، الرأي مقابل الحديث، القياس مقابل النص.... ويرى صافي أن هذه الاشكالية تولدت نتيجة الصراع الفكري بين الاتجاه الحشوي والاتجاه الكلامي، فهي تعارض بين عقل تراثي مكبل بالقرائن اللفظية للنصوص والدلالات التاريخية للألفاظ، وعقل تكاملي يفهم النص ضمن سياقه الخطابي والحالي ويسعى إلى تحديد مقاصده الكلية وربطها بمقاصد الخطاب العامة.
ويؤكد ضرورة رفد العقلية التكاملية بمنهجية علمية مناسبة تتكامل من خلالها المعرفة المستمدة من الرؤية القرآنية مع المعرفة الناجمة عن الخبرة الإنسانية، لتجاوز إشكالية التعارض بين النقل والعقل.
يبدأ المؤلف في الباب الثاني من الكتاب بتحديد المنهجية التكاملية التي انطوى عليها العقل التكاملي، فيطرح في الفصل الثالث موضوع الكتاب والسنة والعلاقة بينهما، إذ كانت تلك العلاقة في البداية "تبعية"، فالقرآن هو الأصل والسنة تبع له تبين مقاصده وتفصل أحكامه. لكن العلاقة تحولت إلى "تماثل" نتيجة جهود فقهية رامت إلى تأسيس السنة مصدراً مستقلاً بذاته، ولم تلبث نصوص الحديث ان أصبحت المصدر الأول والمرجع الأساسي الذي يعتمده الفقيه لتطوير الأبحاث الفقهية والدراسات النظرية والكلامية، ولهذا يرى المؤلف في ختام بحثه أن الكتاب هو الأصل التصوري والقيمي والسنة تبع له، ويرجع الجمود الفكري والفقهي وتراجع العقل المسلم إلى هيمنة العقلية النصوصية.
أما في "نظام الخطاب"، وهو موضوع الفصل الرابع من الكتاب، فإن المسلمين الأوائل ميزوا بين الخطاب القرآني والخطاب النبوي، وكانوا يتركون ظاهر الخطاب ويعملون بفحواه ومقاصده، ويهملون الخبر عند تعارضه مع نص قرآني صريح أو مبدأ إسلامي ثابت، واجتهدوا رأيهم في ما استجد من أمور، ورأوا ان القرآن هو الأصل، والأخبار المروية عن رسول الله تابعة للكتاب، مبينة لأحكامه، غير مستقلة بنفسها. وهكذا استمر الاجتهاد وإعمال العقل لفهم النص حتى كتب الشافعي كتابه "الرسالة"، فحدد الاجتهاد بالقياس، ورفض الاستحسان لافتقاده آلية واضحة تربط حكم الفرع بحكم الأصل، وجعل السنة مصدراً تشريعياً مكافئاً للكتاب ولم يجز نسخ الحديث بالقرآن، فأصبح الحديث سلاحاً بيد الفرق السياسية والاتجاهات المذهبية. وبرز في وجه هذا "المحدثون" لتدوين الحديث والتحقق من سنده، وتمييز صحيحه من سقيمه، ومع انتشار المنهجية النصوصية اقيل العقل وأعلن ابن القيم في منتصف القرن الهجري الثامن استغناء الفقيه عن نهج يتطلب إعمالاً للعقل في النص.
ويحاول المؤلف صافي عبر دراسته إعادة النظر في طرائق الاستنباط النصي التي قدمها العلماء الاصوليون المتقدمون، وإظهار التكامل بين العقل والوحي، مؤكداً عدم إمكان فهم نصوص الوحي وتعيين دلالاتها، ثم تحويلها إلى واقع حي مؤثر في حياة الناس من دون إعمال العقل في النص.
يأتي الباب الثالث من الكتاب تحت عنوان "إعمال العقل في الوقائع" وفيه الفصلان الخامس والسادس، يتناول أولهما نظام الطبيعة وضرورات السببية فيرى المؤلف ان الرسالة الخاتمة نقلت الإنسان من عالم الكهانة والشعوذة إلى البحث العلمي والمعرفي عندما خلصته عن التصور السحري للطبيعة وزودته بتصور علمي لها، ما أدى إلى زيادة الاهتمام بالدراسات الطبيعية وبروز أسماء قدمت مساهمات مهمة في الكيمياء والرياضيات والموسيقى وعلم الأصوات وغيرها. وبلغت الحركة العلمية أوجها في النصف الثاني من القرن الخامس الهجري لكن تراجعت العلوم الطبيعية العقلية بدءاً من القرن السادس تدريجاً لتختفي كلياً من المناهج الدراسية في المدارس والجامعات الإسلامية في القرنين الثاني عشر والثالث عشر الهجريين. ويضع صافي تشوه التصور العلمي للطبيعة في مقدمة أسباب تراجع تلك العلوم واختفائها، وبالتحديد خضوع العلاقات الطبيعية بين الأشياء لمبدأ السببية.
وفي الفصل السادس يحلل المؤلف النظام الاجتماعي والفعل الإنساني، متتبعاً التطورات التي أدت إلى تغييب البعد "الروحي" للإنسان من حقل الدراسات السياسية والاجتماعية واختزال الإنسان إلى "شيء" من أشياء الوجود الحسي واخضاعه لمنهجيات الدراسات الطبيعية، ويدعو إلى تطوير منهجية تكاملية تستعيد روح الاجتماع الخلدوني الذي وحّد في اهتمامه البعدين الروحي والطبيعي للوجود البشري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.