الكتاب: الله أم الإنسان ... أيهما أقدر على رعاية حقوق الإنسان ؟ المؤلف: محمد سعيد رمضان البوطي الناشر: دار الفكر - دمشق 1998 يظل موضوع حقوق الإنسان خاضعاً لنقاشات حامية داخل التيارات الفكرية العربية. وكانت وثيقة الأممالمتحدة بهذا الشأن النقطة التي بدأت منها الحوارات، فظهر رفضها في كثير من الأحيان مبرراً وفق الشريعة الإسلامية، ما أظهر بعض اللبس في موضوع حقوق الإنسان ضمن التشريع الإسلامي، استدعى ظهور دراسات متعددة حاولت تقديم وجهة نظر الدين من هذه المقولة. وفي سياق النقاش الدائر حول وجهة النظر الإسلامية من حقوق الإنسان، ألقى الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي محاضرة طويلة في مطلع هذا العام في كلية الدراسات الشرقية والافريقية بجامعة لندن قدم فيها وجهة نظر إسلامية في موضوع حقوق الإنسان مبيناً الاختلاف بينها وبين الأنظمة الليبرالية. وأعيد نشر هذه الدراسة اليوم في كتاب مستقل يتيح التعرف على جانب من الحوار في موضوع حقوق الإنسان. يبدأ الباحث بطرح سؤال يعتقد أنه محوري في هذا الموضوع: أيهما أقدر على رعاية ما للإنسان من سيادة وحقوق؟ الإنسان ذاته أم الخالق الذي أوجد الانسان ومتعه بهذه السيادة والحقوق؟ ويبين هذا السؤال طبيعة المنهج الذي ستسير عليه الدراسة والذي يختلف في جوهره عن الطريقة التي ظهرت بها شرعة حقوق الإنسان. فدعاة الديموقراطية يعتبرون أن الإنسان ذاته هو الأولى برعاية السيادة وما يتبعها من حقوق، بينما يحيلنا السؤال المطروح في بداية البحث الى أن رعاية هذه السيادة يجب أن تكون لمن متع الإنسان بها. وهذه هي نقطة الخلاف بين الشريعة الإسلامية والنظم الديموقراطية في الموقف من سيادة الإنسان. وهذا يعني أن كليهما يجزم بأن الإنسان في هذه الحياة يملك سيادة بقطع النظر عن مصدرها وطبيعتها. وربما يعبر استخدام الدكتور البوطي لمصطلح السيادة، بدلاً من "حقوق الإنسان"، عن تفاوت في المصطلحات، لكن البحث يتجاوز هذه الإشكالية بطرح مقولاته ويبدأ من أن الإسلام أول من قرر سيادة الإنسان، فالآية الكريمة من سورة الإسراء: "ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا"، تقدم نصاً قاطعاً على موضوع السيادة. واستخدام كلمة "بني آدم"، يدل على التعميم الذي يخترق الفوارق والألوان والأعراق وحتى الديانات، فهو يعلن أن الله منح الإنسان هذا التكريم وفق أسبقية تتجاوز أي تمايز بين البشر. ومع أن النصوص القرآنية كافة لم تورد كلمة "السيادة" بعينها، لكن حسب رأي الدكتور البوطي فإن التعبير عنها جاء بكلمات التكريم والتفضيل وسجود الملائكة له. وتظهر الآيات المعنية بتفضيل الإنسان أن مزية السيادة منوطة بكل فرد على حدة، مما يوحي بأن سيادة المجتمع الإنساني فرع في ميزان الإسلام عن سيادة أفراده، وليس العكس كما هي الحال لدى النظم الديموقراطية. ينتقل الباحث بعد ذلك لقراءة مصدر سيادة الإنسان في الإسلام، فهي ممنوحة من الله للإنسان الذي هو في ذاته وواقعه عبد مملوك له عز وجل. أما في تصور واضعي النظم الديموقراطية فهي حق ذاتي استوجبه الإنسان لذاته من دون تفضيل من أحد عليه بها. ويقتضي هذا الاختلاف أن يحكم الإنسان نفسه بنفسه وأن يكون المشرع لبني جنسه، في حين أن الشريعة الإسلامية أبرزت توفيقاً بين السيادة التي جاءت من الله والعبودية التي يصبغ بها الإنسان. فالشريعة هي المسؤولة عن رعاية سيادة الإنسان ضد سائر الآفات التي تتربص به، والسلطة التشريعية تكون لله وحده. غير أن اللافت للنظر ان التشريع الرباني يدور في مجمله حول عبودية الإنسان لله، فكيف يكون في الوقت ذاته سبيلاً الى رعاية سيادته وحمايتها من الآفات؟ ويجيب الكاتب عن هذا التساؤل بعدم وجود تعارض بين الأمرين، فالمشرع اطلع الإنسان على المحاور المصلحية التي يدور عليها شرعه المنزّل، وأنبأه أن مدار الأحكام التي يأخذ عباده بها إنما هي مصالحهم العاجلة أو الآجلة، ومكنهم من الاجتهاد في معرفة أحكامه كلما غم عليهم الأمر أو جدت ظروف وأحداث خارجة عما تدل عليه النصوص. وهذه الصلاحية لا تجعل الإنسان مشرعاً في حق نفسه بل تعطيه الخلافة عن الله في وضع موازين العدالة ورعايتها. يطرح الدكتور البوطي بعد ذلك موضوع المساواة في الإسلام ويرى انها من البديهيات التي يأخذ بها المجتمع الإسلامي، وهي لم تتحقق بعد صراعات فكرية أو ثورات كما هو الشأن في تاريخ النظم الديموقراطية، إنما استقرت من دون سابق حديث عنها أو تطلّع اليها أو كفاح في سبيلها فأقرت بحكم من الله عبر آيات القرآن الكريم، وكان من أبرز تجلياتها موضوع التشريع الذي يسري على الناس جميعاً من دون امتيازات خاصة. وهناك أيضاً المساواة في جانبها الاقتصادي، إذ يسر الإسلام السبل أمام الأفراد وأنشطتهم كركيزة لتحقيق مساواة اقتصادية، وقرن بين المساواة والعدالة في سائر الأحوال التي لم تدخلها يد الصنعة. وللحفاظ على المساواة والعدل وضعت ضوابط للتنافس حيث حرّم الاحتكار والتعامل بالربى وفرضت الزكاة على الأموال. ويبين الكاتب جوانب المساواة السياسية فيوضح شروط تولي المسؤولية وسبب اشتراط الذكورة فيه، كما يعالج أنواع الحريات في الإسلام والضوابط التي تحكم سلوك الفرد داخل المجتمع، ويقارنها بما تقدم الحريات الليبرالية من تجاوزات أدت الى حالات من الفوضى وانتشار الجريمة وعدم شعور الأفراد بالأمان. ان النتيجة التي يصل اليها الكاتب بعد هذا الشرح تتلخص في نقطتين: الأولى هي أن الإنسان في الشريعة له سيادة ذاتية تتسامى على كل العوارض والاعتبارات، والثانية أن الإسلام أشد محافظة على سيادة الإنسان ورعاية حقوقه. وينهي كتابه بالأسئلة التي طرحت عليه عندما القى هذه المحاضرة في لندن