اندلعت الحرب اللبنانية في 13 نيسان ابريل 1975 واقفلت المدرسة بعد فترة: طارق، عمر ومي، ثلاثة أولاد في بيروت يحاولون تمضية السنة الأولى من الحرب اللبنانية بخفة وسعادة فيجوبون الاحياء بحثاً عن التسلية والمغامرات. يصاحبون الجيران والتجار والمقاتلين ويصورون ما يشاهدونه بكاميرا صغيرة "سوبر إيت" محولين الحرب الى ساحة للعب. "بيروت الغربية"، الفيلم الروائي الطويل الذي أخرجه اللبناني زياد دويري يقدم قصة مراهقة سرقتها الحرب، وسيُعرض في أربع صالات سينما "أو.جي.سي" في باريس ابتداء من 16 كانون الأول ديسمبر الجاري. و"بيروت الغربية" أول فيلم يخرجه دويري الذي يسكن في الولاياتالمتحدة منذ 1983، حيث درس السينما في جامعة سان دييغو وجامعة "يو.سي.ال.اي" في لوس انجليس، وانتقل بعد ذلك للعمل في هوليوود فتخصص بالكاميرا والتصوير وشارك في عدد كبير من الأفلام. يقول: "في البداية، لم يكن عندي أي اهتمام في الاخراج، ولكنني كنت أكتب باستمرار. منذ 1986، اكتب مشاهد لا علاقة لها ببعضها، ربما هي ذكرياتي أو يومياتي. لم تكن قصة بل كانت صوراً أحملها في مرحلة فتوتي في بيروت، وبقيت أكتبها لمدة عشر سنوات. وفي 1994، قررت مراجعة وتحرير كل ما كتبته. ورحت أخلق قصصاً، كان عندي ألف صفحة أمضيت أشهراً طويلة أقرأها وأعيد قراءتها من أجل أخذ مقطع من هنا ومقطع من هناك، وهكذا بنيت القصة أولاً بأول والفيلم هو فيلم مونتاج. ما أريد قوله ان سيناريو "بيروت الغربية" جرى بطريقة غير تقليدية بمعنى ان القصة لم تكن موجودة لكي أرسم الشخصيات على أساسها، بل كان عندي لقطات وبالتالي كتبت الحوارات من خلال عناصر ملصقة. أخذ العمل الفعلي وقتاً طويلاً، "ليس هناك بداية وليس هناك نهاية، وشيئاً بعد شيء وجدت الرابطة للقصة التي هي في الفيلم الكاميرا الصغيرة، "سوبر ايت". بطريقة لا شعورية، المشاهد التي التقطت بتلك الكاميرا في بداية الفيلم وفي وسطه وفي نهايته تربط القصة من أولها الى آخرها. وهذه الطريقة في العمل كانت ممتعة لأن الشخصيات والادوار كانت ترتسم شيئاً فشيئاً". وعن تمويل الفيلم، يوضح المخرج: "أمضيت سنتين ونصف السنة، أبحث عن تمويل وكانت العقبات كثيرة: أولاً: انه فيلم عربي، وثانياً: لا يجمع ممثلين معروفين، وثالثاً: يعالج موضوع الحرب، ورابعاً: لأنه فيلمي الأول. كل المعطيات كانت ضدي. ومنذ البداية، قررت عدم التفتيش عن تمويل في الولاياتالمتحدة على رغم ان حياتي المهنية بُنيت هناك، ولكن الأميركيين لا يمولون سوى الأفلام الاميركية. فذهبت الى بيروت وطرقت أبواباً كثيرة، لم أحصل على التمويل، بل حصلت على السماح بتصوير الفيلم. أخذت الرخصة وجئت الى أوروبا أبحث عن تمويل ما، فتنقلت بين لندن وروتردام وباريس وبلجيكا لمدة سنتين، وفي النهاية التقيت صدفة بشركة انتاج فرنسية قبلت ان تموّل الفيلم كما كانت قناة "آرتيه" التي حصلت على نسخة من السيناريو قررت التمويل. وعلى رغم ذلك، جاء التمويل ضئيلاً جداً فبدلاً من مليوني دولار لم أحصل إلا على 800 ألف دولار، وبالتالي، عملنا بطريقة متقشفة جداً وصعبة ورضي فريق العمل الاميركي - الفرنسي - اللبناني، من تقنيين وممثلين، بمرتبات ضئيلة للغاية". ويضيف: "أنهينا التصوير مطلع 1998 وعندما أنهينا الانتاج، عرض علينا المنتج ان تأتي لجنة مهرجان كان التي تهتم بما يسمى ب "اسبوع المخرجين" لكي تلقي نظرة على الفيلم. جاءت اللجنة واختارت الفيلم ليشارك في التظاهرة المرافقة للمهرجان، ومنذ ذلك الحين أخذ الفيلم اتجاهاً مختلفاً تماماً لم أتوقعه أبداً، فبعد "كان" بيع الى بلدان عدة، وشارك في مهرجانات عدة حتى ان حياتي تغيرت بظرف ستة أشهر". شارك "بيروت الغربية" في 13 مهرجاناً دولياً وحصل على ثماني جوائز، منها الجائزة الكبرى في مهرجان تورونتو في كندا، وبيع في فرنساولبنان ودبي واسبانيا وايطاليا وسويسرا والنروج وبلجيكا وهولندا وكنداوالولاياتالمتحدة والمكسيك والبرازيل. كيف يفسر دويري نجاح فيلمه؟ يقول: "أعتقد ان الفيلم نجح لأنه يحتوي على قسط كبير من الطرافة وليس فيه انحياز الى أي جهة سياسية، على رغم ان أهلي يساريون وعلمانيون جداً. والفيلم لا يعالج موضوع الحرب بشكل مباشر، بل يحكي عن أولاد يتمتعون بحيوية كبرى خلال أزمة معينة. هنا، الأزمة هي الحرب اللبنانية، ولكن كان يمكنها ان تكون أي حرب أخرى. لم اشأ أن أقدم فيلماً للبنانيين وحدهم، بل كان هدفي تقديم فيلم يفهمه الجميع. واعتقد ان السبب الآخر لنجاح "بيروت الغربية" ان الفيلم ليس جاداً. ويضيف: "في البداية، كتبت السيناريو من أجل الاميركيين ولم أكن أفكر الا بالسوق الاميركية. ولكي أنطلق في الولاياتالمتحدة، كان علي تبسيط الموضوع. وهذا ما فعلته. الآن الاميركيون اشتروا الفيلم وسيعرض في مهرجان نيويورك للفيلم، ورشح للاوسكار في هوليوود، ولكنه لم يتم اختياره بعد، وما زلنا ننتظر الجواب. ومن جهة أخرى، عرض الفيلم في لبنان ولا يزال في الصالات، ومرّ على الرقابة من دون ان يحذف أي مشهد منه. اعتقد ان الفيلم نجح في لبنان. وشباب الجيل الجديد هم الذين احبوا الفيلم أكثر من غيرهم لأنه يعطيهم نظرة غير تقليدية الى الحرب، كما انه فيلم مراهقين، وأظن ان الشباب اليوم يحتاجون الى التسلية قليلاً. أما الجيل الأكبر الذي عاش ايديولوجيات الحرب وشارك فيها فهو الذي أظهر مقاومة تجاه الفيلم. وشرح دويري: "أدخلت عناصر الى الفيلم لم تحدث في السبعينات. صحيح انني تلاعبت ببعض الاحداث ووقوعها كحادثة عين الرمانة التي وقعت في الحقيقة يوم أحد، وفي الفيلم تحصل خلال الاسبوع. وانتقدت كثيراً في لبنان بسبب ذلك، ولكنني أقول انه عندما نصنع سينما درامية وروائية يصبح التغيير والدمج ممكنين. لو أخرجت فيلماً وثائقياً فالأمر كان سيختلف كلياً ولكان توجب علي أن ألتزم التاريخ والأحداث كما هي. ولكن في السينما الروائية، يمكن استخدام التاريخ لخدمة السيناريو وليس السيناريو لخدمة التاريخ. أول درس نتعلمه في الجامعة هو عدم الاكتراث بالواقع والحرية في التلاعب من أجل سيناريو متكامل وفعال". ولماذا اختار عنوان "بيروت الغربية" لفيلمه! يقول زياد دويري: "يهدف عنوان الفيلم الى أمر واحد، وهو جلب الجمهور. كان العنوان الأولي "يا ولاد" ولكنني غيرته بعد ان نصحني المنتج في فرنسا ولفت نظري الى صعوبة نقله الى اللغات الاجنبية. "بيروت الغربية" أثار اهتمام الكثيرين، واعتقد ان العنوان مهم جداً في التسويق. كتبت "ويست" بالانكليزية و"بيروت" بالفرنسية والعنوان انكليزي - فرنسي لفيلم عربي من أجل الرمز الى ان بيروت هي مدينة اللغات. وكان جوابي في لبنان على تساؤلات في شأن العنوان ان التسويق هو السبب الأول في اختيار "بيروت الغربية"، وأما السبب الثاني فهو أنني كبرت وعشت في بيروت الغربية ولا أعرف بيروتالشرقية فعلياً. كان يجب أن أكون صادقاً مع نفسي أيضاً.